أستحيي أن أقدم العزاء لعائلة الطالب المقتول عبد الرحيم الحسناوي ؛أستحيي أن أقول فيه كلمات تأبين وحزن أخرس أتسوقها من سجلات حزننا المغبرة ؛ أستحيي أن أتسلق أسوار حزن أمه وأغوص بوقاحة داخل قلبها ودمعها ولو عتها؛ أستحيي أن أقصم صبر أبيه الهش وتماسكه المر ونوبات الخفقان على الجوف المحروق ؛ بتقديم حزن ودمع وأسى حقيقيين وعميقين ناسفين ؛ ماذا أقول مثلا ؛ وأنا أحس أنني جزء من الجريمة أو لعلي فاعلها الأساسي أو مقترفها المباشر ؛ ماذا أقول والفتى قُتل على يد فتى مثله ؛ جاد في قناعاته مهووس بمرجعيته دؤوب في نضالاته ؛ مترقب لانتصار مجهول القسمات رديء الطبع سيء المآل ؛ كتبت ومن معي حلقات في جرائم متسلسلة بمسك خيوط الصراع وانعاش الاقتتال وبعث الروح فيه وإذكاء جذوة الدم داخله ؛ ونظم معلقات الدم والعرق والعنف فيه ؛ أنا ...أنا ومن معي ؛ زمرة ممتهني التعبير عن الحق الشفوي في الإختلاف والبناء الوهمي للمشترك وتجار التوافق التواطئي وتحنيط جثة الإصلاح و نثر الزهر فوق ضريحه ؛أنا ونزلاء حارة السياسة ؛باعة الإحباط المتجول ؛أقنعنا المظلومين بفرج العدل وقلنا للمحرومين سراب العدالة الإجتماعية وسقنا لمن وثقوا بنا أن السياسة سيدة فاضلة تفعل الخير وتصنع فطائر العيد للجيران وأنها ذات مرجعيات ثابتة تُلون اختياراتها وتنوع مائدتها وتطرز فساتين الشعب بألوان الحقوق والحريات ؛ وأنها -السيدة الفاضلة- ذات حظوة عند الحاكم وأنه لا يصمد أمام عزمها ولا يتصلب أمام سلاستها ؛ وأنها ستحمل من قاعة حكمه ؛صكوك الخير والعطايا ورُسل الهبات ؛ وأنها شريفة بمرجعياتها وبسلالتها اليسارية والاسلامية ومابينهما ؛ وأنها كريمة المنشأ يجب الذوذ من أجلها وإراقة الروح على عتباتها وأنها عرضنا وشرفنا وخذننا ؛ وأننا بها في الجامعات ؛نصنع بعدا شعبيا شبابيا ومعرفيا لمشاريعها ؛ وأننا يجب أن ننتظم داخل فضاء الجامعة لنحميها في حلقياتنا وندواتنا ومناظراتنا؛ نحن من أطلقهم للساحات يحملون قراطيس كتبناها عن مختلف أطباق مطبخ الحكم ؛ من ملكية برلمانية إلى خلافة إسلامية مع حفظ سلالم مشتركة للتسلل والفرملة المحكمة دون إشعار أمام خط أحمر قان يسكن داخل الرسائل الجينية لشعوب الجهل والإسترزاق ؛ مروراْ بإخوة لا يتصورون أنهم يمكن أن يفكروا في تطوير نظام الحكم أو الحديث عنه ؛ نحن الذين بتهافتنا وضعفنا وسكوتنا وحساباتنا ومساوماتنا وجبننا وغبائنا من حول صبرهم إلى أحجار صلبة هشمت رأس أيت الجيد وسيوفا ضخمة أراقت دم الحسناوي وحولت الجامعات الى مجازر وأفلام رعب وحولت الطلبة إلى متعهدي جنائز والأسر إلى برامج منكوبين. التفت ذات اليسار وذات اليمين ؛ أتقفى فاعلا لهذه الجريمة غير أشباه السياسيين ؛ أمسكت بتلابيب الفراغ أريد اللأحد مسؤولا عن القتيلين ؛القاتل والمقتول ؛صاحب العرق الذي نزف وصاحب السيف الذي ضرب ؛بحثت عن غير أصوات الكذب والنفاق وامتهان الصياح الإديولوجي وكمبارسات العمل السياسي والإصلاح التجميلي ؛ تقفيت أثر شبح أمد في وجه سبابة الإتهام ؛ فلم أجد غيري أنا ...وكل دمى السياسة من أقصى اليسار ...إلى أبعد اليمين . لن أقدم عزائي لأسر الطلبة قتلى العمل الطلابي .... لا أستحق هذا الشرف .