"العيطة، رحلة نغم"، فيلم وثائقي جديد للمخرج المغربي الشاب ربيع الجوهري. فيلم ياخذنا في رحلة ممتعة إلى منابع هذا الفن المغربي الأصيل الذي يتمرد، كما يقول المخرج في حوار خص به "شبكة أندلس الإخبارية"، على القواعد و التحديدات المتداولة و التي تختلف من ممارس لآخر و من سياق لآخر: ما الجديد الذي اتى به هذا الوثائقي؟ العيطة، رحلة نغم آتى ليعطي تفسيرا جديدا لفن العيطة، فخلافا لانماط آخرى العيطة فن يرفض مفهوم التعريف و يتمرد على القواعد و التحديدات المتداولة و التي تختلف من ممارس لآخر و من سياق لآخر، فالفيلم اذن اتى ليقدم فن العيطة بطريقة تتداخل معها كل المكونات الاجتماعية المغربية التاريخية و الدينية و السياسية و الجمالية و الاجتماعية و الهوياتية... محاولة تعريف العيطة اذن كمحاولة تعريف الهوية المغربية التي يتداخل فيها ما هو امازيغي بما هو عربي و ما هو اسلامي و يهودي و فنيقي و حساني الخ... و هذا هو الجديد الذي ربما سيكون غريبا لدى بعض المشاهدين الذين قرؤوا او شاهدوا اعمالا تصف العيطة بالنمط العربي الخالص... بعد التمحيص في حركات الفرق الموسيقية المغربية التقليدية، و جدنا بمعية باحثين كالدكتور حسن نجمي و الدكتور نسيم حداد و الدكتور مراد الفحلي الفنان المرموق حجيب و الموسيقي المغربي عبد الواحد الحجاوي و الاستاذ عبد اللطيف جلزيم و اخرين كثر ان نفس الحركات الراقصة التي تمارس في نمط احيدوس هي نفسها المتواجدة في نمط حمادة و عبيدات الرمى الذي يعتقد الباحثين ان له علاقة وطيدة بفن العيطة.... اذن هناك علاقات تاثير و تاثر تتجاوز الرقص الى الايقاعات و الموازين و المقامات، اذ مرة اخرى وجدنا تداخل ايقاعي جدير بالدراسة و البحث بين نمط فاغو الحساني و النمط الشمالي الذي كان رائده المرحوم محمد العروسي (بالمناسبة كنا اخر من حاورناه قبل مماته) و النمط الخريبكي، ثم يختم هذا الوثائقي رسالته بتقديم ناس الغيوان كنمط يجمع كل الانماط المغربيه الامازيغية والعربية و الحسانية و غيرها الى درجة اذا سؤلت عن الهوية المغربية لاسرعت الى الاجابة بانها تمثلت في النمط الغيواني، و في الفيلم عبر عنها عمر السيد عندما قال ان الاسلوب الغيواني يشمل النمط الحساني و العيطة و النمط الامازيغي اي تداخل مكونات مغربية متنوعة ، كيف لا و آصل قبيلة الركيبات و قبيلة العروسيين يعود الى مولاي عبد السلام بن مشيش بالشمال و الذي ينحذر منه الفنان المرحوم محمد العروسي نفسه. كيف استطعت تقنيا الجمع بين كل هذه الانماط؟ لقد فكرت طويلا ثم انتهيت الى تقنية تستمد طاقتها من البعد الما بعد حداثي الذي يكسر البنية الارسطية المتصاعدة في طريقة السرد المرئي، و يتجاوز رسم الحدود بين الفن النخبوي و الفن الشعبي... و لتطبيق هذا البعد في معالجتي للفيلم، ارتايت ان اسرد قصة الشاب نسيم الموحية، فهو شاب يحضر الدكتوراه في مجال الفزياء النووية و يتابع ابحاثه في مجمع الابحاث الاوروبية بسويسرا و في نفس الوقت هو باحث في الانماط الغنائية الشعبية المغربية. اذن من ناحية قصة نسيم هي في حد ذاتها تكسير للحدود بين ماهو نخبوي و ما هو شعبي و اثارة مقصودة لمفهوم النخبوية و الشعبية... مسرحيات شكسبير مثلا كانت شعبية تستهلك من قبل العامة، لكن الان تدرس هذه المسرحيات على اعلى المستويات الاكاديمية باوكسفورد و كامبريدج. العيطة كذلك تدحرجت تاريخيا بين التناول النخبوي و التناول الشعبي و لذلك يعتمد الفيلم على فلسفة ترفض النظرة الاحادية و يتجه نحو تعريف جديد للهوية المغربية المتنوعة و ذات توجهات عرقية و ثقافية مختلفة لكن متداخلة بقوة لا يمكن الفصل بينها. الشاب نسيم و عبر رحلته الفنية استطعت اذن ان امزج كل الانماط لتظهر منصهرة و متكاملة لكن محافظة في نفس الوقت على مميزاتها... و ما سهل هذه العملية هو كون الشاب نسيم ينحذر من ام امازيغية و اب عربي و هذا في حد ذاته اعطى مصداقية لتكسير الحواجز بين كل المكونات الثقافية المغربية لنفصح عبر الفيلم ان المملكة المغربية تتكون من ابعاد متعددة الاتجاهات الثقافية و العرقية وهذا هو سبب غنى الدولة. من هم الفنانون الذين يظهرون في الفيلم؟ في الحقيقة، انبهرت لثقافة كل الفنانين المستجوبين و قدرت كثيرا كم المعلومات الرائعة التي زودونا بها، فالفنان حجيب مثلا في حد ذاته هو موسوعة و لو الف كتبا لافاد الثقافة الشعبية المغربية كثيرا، و كذلك الشان بالنسبة للآخرين امثال الستاتي، اولاد البوعزاوي، عمر السيد، جمال الزرهوني، المرحومة فاطمة الحمونية، المرحوم محمد العروسي، شانة الزاز، عبدو الوزاني، خديجة مركوم، و لد امبارك الخريبكي، محمد باعية، المخاليف، يوسف عبيدات الرمى، عبد الواحد الحجاوي، آحيدوس الخميسات، ولد سبعميا و آخرون.