لا حديث في الآونة الأخيرة في المنابر الإعلامية المغربية بمختلف أصنافها الورقية والإلكترونية بل وحتى السمعية البصرية، إلا حول ظاهرة "التشرميل"، أو إشهار الإجرام على شبكات التواصل الاجتماعي، ويستغرب العديد من المراقبين اهتمام صناع الرأي بقشور الظاهرة، في الوقت الذي تتطلب فيه دراسة وتحليلا عميقين كونها ظاهرة مجتمعية بامتياز وليس مجرد حادثة عابرة يمكن معالجتها من زاوية معينة. أمر آخر يؤاخذه بعض المراقبين على الإعلام المغربي هو توجهه نحو التضخيم والتهويل، كما لو أن "التشرميل" وليد اللحظة ولم نعرفه إلا عندما قام مجموعة من المنحرفين بإنشاء صفحة على الفايسبوك، ينشرون عليها صورهم مدججين بسكاكين وسيوف من الحجم الكبير إلى جانب "الغنائم" التي يكدسونها من حملات التشرميل التي يشنونها على المواطنين العزل. عملا بأبجديات الصحافة فإن كل مادة يجب أن توفر إجابة على أسئلة تقليدية، والسؤال الذي غيب في التعاطي مع هذه الموجة هو "لماذا؟"، لماذا يقوم هؤلاء المنحرفون بنشر عمليات السرقة على العموم، لماذا يتخذون من الملابس الرياضية والساعات الغالية وأحذية الماركة كساءا لهم؟ في مقال نشره موقع قناة ميدي 1 تيفي، أعطيت الفرصة لربما لأول مرة لشخص له المؤهلات للتحدث في الموضوع، هو عبد الرحيم العطري الباحث السوسيولوجي. الدكتور أكد منذ البداية أننا لسنا أمام ظاهرة بكل معنى الكلمة كون ما يحدث لا يتجاوز محيط المدن الكبرى وبالأخص مدينة الدارالبيضاء باعتبار التناقضات التي تعيشها. وفسر الأمر بأنه محاولة لتأكيد الحضور باستعمال الوسائل التكنولوجية المتوفرة معوضين حيطان المؤسسات التعليمية بحائط "الفايسبوك"، وذلك في ظل التهميش الذي يعانيه هؤولاء الشباب الذين يعيشون مرحلة جد حساسة في عمرهم هي المراهقة. أما بخصوص الملابس التي تحدثنا عنها، فإن العطري اعتبر أن ذلك يدخل في إطار تأكيد هؤولاء الشباب "على قدرتهم على الإنصهار مع القيم المجتمعية الجديدة التي لا تؤمن سوى بما هو باهض". إذا ما أردنا التحدث عن التشرميل بلغة الأرقام، فإن افتتاحية جريدة الأخبار في عددها الصادر ليوم الخميس بسطت الأمر، فوزارة الداخلية أعلنت أنه في ظرف ثلاثة أشهر، تم م تسجيل 121 ألف و806 جريمة بمختلف أنحاء المملكة، تم تفكيك 107 ألف و102 جريمة في حين لاتزال باقي الجرائم قيد البحث. وبخصوص الشباب الذين هم أبطال هذه الموجة بامتياز، فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية على أن نحو عشرة ملايين شاب مغربي دخلوا مرحلة الجنوح، 16 في المائة منهم يدخنون في حين 6 بالمائة يتعاطون الكحول و4 في المائة أخرى مدمنة على المخدرات. أما الرقم الذي جاء صادما هو أن 14 في المائة من مجموع شباب المغرب، حاولوا الانتحار مرة واحدة على الأقل. وأعزت إقبال إلهامي في مقالها هذه الأرقام الصادمة إلى الفشل الكارثي لبرنامج الصحة المدرسية الذي أطلقته الدولة منذ مدة، ودعت إلى خلق برامج أخرى أكثر صلابة لمواكبة أبناء المغاربة خلال المرحلة الصعبة التي يمرون منها، خصوصا إذا ما علمنا أن حوالي 49 في المائة ممن تقل أعمارهم عن 15 سنة، يكونون عرضة لاضطرابات نفسية. على نفس الجريدة لكن على الجهة الأخرى، بالضبط في عمود "شوف تشوف" لرشيد نيني، وبحكم تجربته في السجن، فقد أرجع أصل الظاهرة إلى السجن. إذ قال أن الملابس الرياضية والساعة الذهبية وأحذية "نايك"، هي "علامات تجارية" خارجة من السجن تبناها أبناء "التشرميل"، وأظهر كيف أن الكلمة نفسها خرجت من خلف أسوار السجن، وهي تعني أن "الشخص يصرف المال على نفسه". وذهب نيني إلى ما هو أعمق، وأكد على نقطة مهمة هي أن المندوبية العامة للسجون لا تفرض على النزلاء لباسا موحدا تمنحه لهم الإدارة، كما هو معمول بباقي سجون العالم. إنه من واجب الصحافة المهنية أن تعلي مشاكل المجتمع أو فئة منه وتجعلها في متناول الجميع، لكن الهدف ليس هو الإخبار في حد ذاته بل من أجل محاولة شرح هذه المشاكل والوقوف عند مسبباتها ومحاولة إيجاد حلول لها. وما يمكن مؤاخذة المنابر الإعلامية التي تطرقت لهذا الموضوع هو أنها تعاملت معه على أساس كونه موضة عابرة ستمر دون أن تترك خلفها أي تأثير، بينما العكس هو الصحيح، إن "التشرميل" ليس وليد اللحظة، المستجد فيه هو أننا وجدنا له مصطلحنا ننعته به، وهذا "التشرميل" باق إلى أن يقتلع من جذوره، وعلى الصحافة أن تلعب دورها في هذه العملية.