عقارب الساعة تشير إلى السادسة مساء في كورنيش عين الذئاب بالدار البيضاء. إنه يوم السبت أي بداية العطلة الأسبوعية. الكورنيش ككل مساء يعيش الأجواء نفسها/ فحركته الدؤوبة لا تتوقف، وكل شيء يبدو على عادته. الكورنيش من الأماكن القليلة التي تصلح لأن تكون متنفسا في مدينة فقدت الكثير من تألقها لصالح البنايات الشاهقة والمنشآت الاقتصادية. للأغنياء والفقراء على جنبات الكورنيش ترامت مجموعة من المقاهي الراقية ومطاعم الخمسة نجوم تقدم خدماتها لزوار من نوع خاص، لأغنياء المدينة أو "الكليميني"، كما يلقبهم البيضاويون . على رصيف الشارع ركنت شابة في الثلاثينيات سيارتها البيضاء الفارهة . دخلت إلى مقهى "النزاهة"، وهو أشهر مقهى بالكورنيش. بدت تجليات الثراء واضحة عليها، وكانت ملابسها خير دليل على ذلك. في تلك اللحظة دخلت فتاة صغيرة تبيع الزهور لتخرج يائسة بعد أن تجاهلها رواد المقهى . "هذه التناقضات نابعة من المجتمع في حد ذاته، فهو يعرف تحولا مستمرا، وهذه التناقضات ظهرت فيه نتيجة المستوى المعيشي والدراسي المتفاوت ". يقول علي الشعباني الباحث في علم الاجتماع ل"هنا صوتك". مهن الكورنيش أمواج المحيط الأطلسي، الذي تطل عليه المدينة، تكاد تلامس كل مرة تجهيزات مجموعة من النساء اتخذن رمال الشاطئ مساحة لمشاريعهن البسيطة ، فمنهن من اختارت بيع الشاي وبعض أنواع الفطائر وأخريات اخترن تحضير الحساء المغربي "الحريرة"، وبيعه بثمن لا يتجاوز أربعة دراهم. بصوت تبدو فيه شحنة الغضب بادية، تقول نزهة: "لم نجد بديلا آخر. هذا هو العمل المتوفر أمامنا، ولا يسعني البحث عن عمل آخر" . وعن مظاهرالغنى الذي تصادفه عيناها يوميا تضيف: "الأمر فعلا يثير الحنق في جوفي كلما رأيت واحدا من هؤلاء الأغنياء يتبجح بثرائه. الأمر صعب التحمل، لكن ندعو الله أن يجعلنا من أغنياء الآخرة ". للأغنياء فقط داخل المركب التجاري "موروكو مول"، تشعر كأنك انتقلت من كوكب إلى آخر. كل شيء هناك يختلف عما وقعت عيناك عليه سابقا. علامات البذخ والغنى تظهر في كل ركن من أركانه، وكل شيء مضبوط بالساعة لخدمة الطبقة الغنية. أمام محل ماركة عالمية، خرجت سيدة في عقدها الرابع، وحملت بيدها عدة أكياس مليئة بآخر ما جادت به صيحات الموضة العالمية. تثاقلت مشيتها وفي زهو قالت لسيدة كانت ترافقها كلاما غلبت عليه لغة موليير: "يجب أن أبحث عن محل آخر، فهنا لم أجد الكثير من الأشياء التي أرغب في شرائها". خارج المركب التجاري "موروكو مول"، تعود المفارقات لتظهر من جديد، اصطفت في الشارع المقابل له عربات بيع الحلزون أو "الببوش"، كما يسميه المغاربة ، وتساءل أحد أصحابها: "لا أعرف ما يجب علي فعله؟ هل أسرق مثلا لكي أحسن مستواي المادي؟". في السياق ذاته، حذر الشعباني من أن المفارقات الاجتماعية "تؤدي بشكل أكيد إلى الدفع ببعض الفئات إلى ارتكاب الكثير من المخالفات كالرشوة والتهريب من أجل الالتحاق بالفئات الغنية ". ++ في الصورة حسناوات بلجيكيات أمام مسجد الحسن الثاني