منذ ثلاثة قرون خرج الشيخ محمد بن عبدالوهاب بحركة دينية تجديدية في (نجد) وسط الجزيرة العربية، وقامت على ضوئها الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود إلى أن تم إسقاطها على يد الأتراك (العثمانيين)، ثم قامت ثانية حتى سقطت بخروج الإمام عبدالرحمن والد الملك عبدالعزيز من الرياض إلى الكويت، ثم قامت ثالثة على يد الملك عبدالعزيز وهي التي نعيش اليوم في ظلال خيرها منذ دخوله الرياض عام (1319ه)، ومنهجها الإسلام السني السلفي. وفي مصر قامت حركات قومية ويسارية وكذلك إسلامية وأشهرها (جماعة الإخوان المسلمين) التي أسسها الشيخ حسن البنا عام 1928 بمنهج إسلامي سني غير سلفي هو خليط بين الأشعرية والصوفية. وإذا أردنا الحكم على أي جماعة فلابد من الاعتماد على نظرياتها وتطبيقاتها معاً، وجماعة الإخوان فيها الكثير من الملاحظات على منهجها النظري، والأكثر على منهجها التطبيقي، حيث إنها في كثير من الحالات تتاجر بالدين، وبدلاً من خدمته التي تزْعمها، تستخدمه لمصالحها على حساب الدين والناس. ومن المعروف أن منهج الإخوان العملي يقوم على التلون والبراغماتية وأحياناً الابتزاز والمساومة بطريقة راديكالية مصبوغة بمسوغات دينية مزعومة، وأما جناحها (السلفي أي السرورية) المنشق فهو أكثر راديكالية وأقل براغماتية سواء في المظهر أو الممارسة، وأما جناحها (الجهادي -القاعدة-) الإرهابي فهو ذراعها الذي تستخدمه وفي نفس الوقت تتبرأ منه. وخلال 85 عاماً شمسياً وحتى اليوم والجماعة تتخبط في التناقضات بين نظرياتها وأدبياتها المكتوبة- على ما فيها- وبين تطبيقاتها الانتهازية ومزايداتها على الآخرين من الدول والجماعات الأخرى، لاسيما الجماعات التي تتخذ من المنهج السلفي عقيدة وقولاً وفعلاً. ومن أخطر ضلاليات المنهج الإخواني المخالف للمنهج السلفي كونه يشكل دولة داخل الدولة وولاؤه للمرشد العام في مصر وله البيعة من جميع الإخوان في التنظيم الدولي عبر العالم، وبهذا أصبح للسنة “ولاية فقيه إخواني” كولاية الفقيه التي جاء بها الخميني في الثورة الفارسية في إيران، وعليه فأصبح بعض الشيعة العرب يعود ولاؤهم للولي الفقيه المرشد في طهران (زعيم دولة فارس) الخميني والآن الخامنئي، وكذلك أصبح بعض السنة العرب يعود ولاؤهم للولي الفقيه المرشد في القاهرة (زعيم جماعة الإخوان) حسن البنا والآن محمد بديع، وبالتالي فولاء الطرفين هو عابر للحدود وليس لولاة الأمر في بلادهم، مما يجعلهم طابوراً خامساً في داخل أوطانهم لصالح ولي أمرهم الخارجي. وقد ظهرت حقيقتهم بشكل أكبر بعد ما يسمى بالربيع العربي خلال هذا العقد الرابع من القرن الخامس عشر الهجري القمري، فركبوا الموجة واختطفوا الثورات الشعبية في تونس ومصر وليبيا، وحاولوا ذلك في المغرب واليمن وسوريا، وتآمروا على دول الخليج لاسيما في السعودية والإمارات والكويت وبدعم كبير مادي وإعلامي ولوجستي من قطروتركيا ومصر إبان حكم (مرسي)، وظهر بجلاء أن (الإخواني) الخليجي ولاؤه لمرشده في القاهرة وليس لولي أمره في الرياض أو الكويت أو أبو ظبي، وصارت بيعتهم للمرشد هي الحقيقية، وبيعتهم لولاة أمرهم في الخليج خدعة مفضوحة ببركة الإعلام عموماً ومواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً. ولذا فلا تستغرب حينما تجد الإخواني الخليجي يدافع عن (تركيا) وما فيها من كبائر ومنكرات ويهاجم بلاد الحرمين المطبقة للشريعة الإسلامية؛ وذلك لأن التركيَّ إخواني وهذا سلفي، وبالتالي أصبح الإخواني الخليجي ضد المنهج السلفي ولو زعم أنه سلفي، فالسلفية ليست بالادعاء وإنما بالاعتقاد بالجنان والقول باللسان والبنان والعمل بالأركان. وهناك من يزعم أن السلفية في الخليج تختلف عن الإخوان ويعني بهم التنظيم السروري، وهذا باطل؛ فالسروريون صاروا إخوانيون أكثر من الإخوانيين أنفسهم، ولأجل أن يعرف القارئ الكريم تاريخهم فأقول بأن تنظيم جماعة الإخوان المسلمين دخل السعودية حينما هرب أنصارها من محاربة جمال عبدالناصر لهم، فآوتهم السعودية وحمتهم ومكنتهم بحسن نية في التعليم والجامعات وكان على رأسهم الشيخ مناع القطان (إخواني مصري كان أستاذاً في جامعة الإمام)، فاستغلوا ذلك واخترقوا الأجهزة الحكومية وحتى الأهلية بالإضافة إلى القطاعات الدعوية والخيرية، وخلال نصف قرن بنوا صروحاً كبيرة في شتى الميادين، وفي مطلع القرن الهجري الجديد انشق فرع التنظيم الإخواني في القصيم بيد الشيخ محمد سرور بن نايف زين العابدين (إخواني سوري كان معلماً في المعاهد العلمية بالقصيم) وبعد ذلك انتقم منه التنظيم الإخواني وتسبب في طرده خارج السعودية ليستفردوا بالبلاد، ولكن التنظيم السروري واصل نموه وانتشر في جميع المناطق وسيطر على كثير من مقومات التأثير الحكومية والأهلية والدعوية والخيرية ووصل تنظيمهم إلى دول الخليج وبعض البلاد العربية، وكان من أسباب انشقاقهم اعتراضهم على ما يخالف المنهج السلفي في جماعة الإخوان، لاسيما أن منطقة القصيم التي نشأ فيها التنظيم السروري معروفة بالمنهج السلفي ولا يناسبها المنهج الإخواني، ولكنهم مع الزمن انحرفوا مثل الإخوان في كثير من تنظيراتهم وتطبيقاتهم، وبقي المنهج السلفي الأصيل يتبرأ من (السروريين) كما تبرأ من (الإخوانيين)، وبعد ذلك خرج (تيار) جديد يدعي المنهج السلفي وهم الذين يتم تسميتهم ب(الجامية) نسبة للشيخ محمد أمان الجامي، إلا أنهم كذلك تعددت مذاهبهم حسب مناهج مشايخهم الراحلين والمعاصرين، فمنهم من ثبت على المنهج السلفي الحقيقي بالسمع والطاعة لولي الأمر بالمعروف بلا غلو ولا جفاء، ومنهم من غلا في السمع والطاعة وكفّر وبدّع وخوّن كل من خالفه. ومما يجب التنويه إليه أن تنظيم القاعدة كان في بدايته إبان تأسيسه في باكستان وأفغانستان ينطلق من كوادر وفكر جماعة الجهاد المصرية وبعض الجماعة الإسلامية المصرية، ولكن اليوم أصبح الكثير من كوادره في اليمن وسوريا من مخرجات محاضن التنظيم السروري السعودي، والذي يدعمهم فكرياً وفقهياً ومالياً قيادات حركية خليجية معروفة في التنظيمين الإخواني والسروري الكويتي والسعودي. وأبرز الفروق بين منهج الإخوان المسلمين والمنهج السلفي الأصيل عدم انضباط الإخوان بمنهج السلف من الصحابة والتابعين في الفهم والعمل والسلوك (عقيدة وشريعة ومنهجاً وأخلاقاً وسلوكاً)، وعدم الاهتمام في الدعوة بالتوحيد بل تحارب من يدعو إلى ذلك وتزعم أن الدعوة إلى التوحيد تفرق ولا تجمع لأن هدفهم التجميع بالكم على حساب الكيف لأهداف دنيوية بزعم الهدف الديني، وعدم اهتمامهم بالسنة ومحاربتهم لنشرها مع تسويقهم للبدع والضلالات، كما يُهوِّنون من الرد على المخالف بزعم عدم تصديع الصف من الداخل، فضلاً عن الحزبية المقيتة وإقامة البيعات والعهود المبتدعة والخارجة على البيعات الشرعية لولاة الأمر، وهذا يتضمن التقية والكذب والخداع للناس حكاماً ومحكومين، وعليه فقد فرقوا شمل المسلمين وجعلوهم شيعاً وأحزاباً فأضعفوا الأمة وبثوا فيها الفتنة، ويشرعنون تقديس رجالهم ومنهجهم في مقابل تدنيس غيرهم، فتراهم ينازعون السلطان المسلم ويتآمرون عليه ويحرضون ضده ويدعون للخروج تحت زعم الثورات التي تسببت في انتهاك الأعراض والأنفس والأموال، وتراهم ينافقون الحكومات ويتلونون مع السلطات لاختراق الدولة وأجهزتها ومخادعة الناس. وفي مصر كان الكثير من الناس في السنوات الماضية يتعاطفون معهم اغتراراً بهم، ولكن حينما حكموا لسنة واحدة عرفهم الناس على حقيقتهم وكرهتهم الغالبية في مصر وغيرها، ونحن في الخليج رأينا حقدهم علينا وتآمرهم ضدنا وتحريكهم لخلاياهم بيننا وقد فضحهم تويتر حيث كشف الكثير منهم، وسينتهي المنهج الإخواني ويبقى المنهج السلفي لأنه منهج الكتاب والسنة والله قد تكفل بحفظ دينه إلى قيام الساعة.