عندما صدر الدستور معلنا عن مفاجأة تغيير قواعد تنظيم القضاء وإعلاء هذا الأخير إلى سلطة، تفاءل كل أفراد جسم العدالة أو لنقل أغلبهم، مادام أن الدستور لم يصوت عليه بنعم بالإجماع. وجاء عن بعض الشراح، أن ما تضمنه الباب التاسع من الوثيقة الدستورية كان متقدما من حيث إلتزام المغرب بما تقتضيه الاتفاقيات و المعاهدات الدولية علما أن المفروض فيها أن تسمو على القوانين و بالتالي لا وجود لإشكال، حيث يمكن للقضاة أن يطبقوا تلك المقتضيات السامية وليس عليهم أن ينتظروا قوانين تنظيمية قد تعيد المتفائلين الى مربع المتشائلين. أشير إلى أن مطامح إصلاح القضاء كانت منذ الاستقلال و الى تاريخه، حيث لم ير منذئذ المواطنون معالم هذا الوعد و لم يرتح القضاة من ضجيج الشعارات الجوفاء. نعلم جميعا، مادام القانون أجبرنا على أن نُعرفه و إن كنا لا نقرأ وإن قرأنا لا نفقه مصطلحاته الغريبة ، قلت كما نعلم أن أعلى هيئة قضائية أوكل إليها الدستور ضمان إستقلاله بعد الملك هي المجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي جاءت تشكيلته من الملك بالإضافة الى 20 عضوا يعين أغلبهم الملك بشكل مباشر في هذا المجلس أو عن طريق تعيينهم في مواقعهم الأصلية ( المجلس الوطني لحقوق الانسان، الوسيط...) وهكذا فكباقي المجالس عندما تلجأ الى التصويت سيرجح صوت المعينين. هذه التركيبة أغفلت الاشارة الى طريقة إختيار الرئيس الأول لمحكمة النقض علما أن من بين أدوار القوانين التنظيمية أن تكمل النقص و قد قال الفرنسيون مرة: " عند التفاصيل يكمن الشيطان". إن شرعية رئيس أي مجلس أتحدث هنا عن الرئيس المنتدب، علما أن الملك هو رئيس المجلس، أقول إن شرعية أي رئيس مجلس ذي طابع دستوري تمت مناقشتها في كل القوانين المقارنة. حيث تساءل الدستوريون عن مصدر تلك الشرعية و أرجعوها الى الشعب باعتباره يختار من يمثله، وفي حالة دستورنا المصادق عليه بالاستفتاء يمكننا أن نتساءل عن مدى إستقلالية ذلك الرئيس المنتدب عن السياسيين الذين زكوه للتعيين بظهير؟ إن عدنا قليلا الى الوراء سنجد أن من بين أهم مطالب الحركات الشعبية التي نزلت إلى شوارع المملكة سنة 2011 هي تقليص عدد المجالس و لا سيما ضمان شفافية تسييرها وضمان استقلال القضاء. هكذا جاء في دستور 2011 ليستجيب لأهم تلك المطالب المشروعة و التي من أهمها استقلال القضاء. لأجله تساءلت كيف نضمن استقلال القضاء إن لم نضمن استقلالية أهم موقع ضامن لاستقلال السلطة القضائية ألا وهو موقع الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؟ أذكركم أن أهم مساوئ الإنتقاء من طرف السياسيين هو تسييس التعيينات و عدم ضمان الاستقلالية في التسيير عن الجهة التي اختارت المرشح لتعيينه بظهير من طرف الملك. يقول بهذا الخصوص الفقيه الدستوري موريس دوفيرجي منتقدا طريقة اختيار أعضاء المجلس الدستوري : إن البعد السياسي لاختيار الأعضاء يؤدي الى أنهم يلعبون دور المرجح السياسي و ينتقلون الى مقاربة الملاءمة حيث سيصير المجلس أقل احتراما للمبادئ التي تسير المحاكمات( الحضورية، التعليل...). لعل ذلك ما يعاني منه المجلس الأعلى للقضاء الحالي الذي قتله الدستور في باب و أدام في عمره من خلال مقتضياته الختامية، نتيجة ترأسه و تسييره فعليا من طرف وزير ذي خلفية سياسية. بعد كل هذه المسوغات، أقول إن أهم بدعة يرفعها أعداء إستقلال السلطة القضائية وبعض من انطلت عليهم أكاذيب الفئة الأولى هي كيف نضمن محاسبة القضاة و بالتالي كيف نقبل أن يختار القضاة رئيسهم المنتدب ؟ و لعل هذه الأكذوبة راجعة بالنسبة للفئة الأولى للطابع الزجري للعديد من المواد الواردة في مدونة الانتخابات و العقوبات القاسية الموجودة في القانون الجنائي و التي تعاقب على الرشوة و الغدر و استغلال النفوذ و هي جرائم عادة ما يتميز بها مجرمو الياقات البيضاء من ضمن السياسيين طبعا دون تعميم. أما بالنسبة للفئة الثانية لجهل تام بخصائص المهنة القضائية التي تربط المسؤولية بالمحاسبة منذ عقود بدليل قائمة المتابعات التأديبية الغير المتواجدة في أي جسم مهني آخر: و التي قد يكون من بينها مثلا كتابة هذا المقال. كما أنه ربما تكون تلك الفكرة المغلوطة هي نتاج تسيير غير شفاف للمجلس الأعلى للقضاء من طرف السياسيين و تدخلهم بأساليب شتى في إنتخابات باقي أعضائه المنتخبين. أشير في الأخير أن نادي قضاة المغرب تقدم بمذكرة حول القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الاعلى للسلطة القضائية صادق على كل محاورها المجلس الوطني للجمعية بتاريخ 23 مارس 2013 جاء فيها وجوب اعتماد آلية الانتخاب لضمان استقلال حقيقي للسلطة القضائية و شدد على ضرورة إقرار مبدأ الإنتخاب كأسلوب لاختيار الرئيس الاول بمحكمة النقض و الوكيل العام لديها من طرف القضاة انفسهم على أن يوافق الملك بظهير على تعيينهما انسجاما مع الفصل 57 من الدستور وقد اقترح قضاة النادي شروط الترشيح متمثلة في التجربة و الكفاءة و النزاهة بالإضافة الى شرط الدفاع عن استقلال السلطة القضائية . فكيف لفاقد الشيء أن يسهر على إشاعته؟