كان من الصعب علينا أن نتصور الأمر. بالرغم من أننا٬ لم نكن نبعد سوى بمئات الأمتار فقط عن أرفود بإقليم الراشيدية٬ وعلى مشارف مقلع للمستحثات٬ التي تزخر بها المنطقة٬ والتي تختزل المسافة الزمنية بين العصر "الجوراسي"٬ وأحلام مستقبل فضائي بالنسبة للبشرية. في الأفق٬ تبدو كثبان مرزوكة الرملية هائلة٬ والمتحركة بالرغم من ذلك٬ فكان علينا توخي الحذر. "تم اختيار المكان بعناية فائقة"٬ بعد إجراء دراسات جيولوجية من قبل فريق علمي من مركز بن بطوطة الرحالة الكبير في الأبدية٬ "اعتبارا لأوجه التشابه الكبير بينه وبين سطح كوكب المريخ"? كما صرح لنا بذلك أحد أعضاء الفريق المغربي. تجربة المحاكاة هاته٬ والتي يشرف عليها "المنتدى النمساوي للفضاء" والمتمثلة في إجراء تجربة افتراضية لمحاكاة رحلة استكشافية إلى كوكب المريخ٬ قبل كل شيء مغامرة علمية دولية تشارك فيها فضلا عن النمسا والمغرب٬ دول أخرى مثل بريطانيا٬ والهند٬ وبلغاريا٬ والولايات المتحدة٬ وكندا٬ ونيوزيلاندا٬ وهولندا٬ وإسبانيا٬ وباكستان٬ وهنغاريا٬ وبلدان أخرى. وحضر هذه الرحلة وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر لحسن الداودي٬ وسفير النمسا في المغرب وولفانغ انجيرهولزر٬ وكذا المستشار التجاري بسفارة النمسا بالرباط كريستوف بلانك. وتم تحديد موقع المخيم التجريبي لهذه التجربة العلمية٬ في موقع يتمتع بخاصيات علمية دقيقة٬ حيث تم وضع المختبر وكذا محال الإيواء وقاعات الأكل في خيام تابعة للقوات المسلحة الملكية. وأوضح لنا الدكتور جيرنو غرومر من جامعة إنسبروك٬ المسؤول عن هذه الرحلة الاستكشافية٬ أن "معدات وأدوات قياس تشبه الروبوتات تم وضعها فوق عجلات٬ تتمثل مهمة أحدها في الكشف عن كل أثر للحياة٬ حتى وإن كان مجهريا"٬ مضيفا أنه وفقا للمعلومات التي قدمها هذا الجهاز الغريب٬ فإن المنطقة لا تفتقر لعلامات على وجود حياة. وأشار غرومر إلى أنه تم تجهيز جميع هذه الروبوتات بمناظير مراقبة وكاميرات ٬ وهي بمثابة عيون تضفي عليها لمسة من الخيال العلمي. وبالمناسبة٬ "ألسنا أمام لقاء بين الخيال والتطبيق العلمي٬ كل هذه الأدوات٬ وهؤلاء الرجال والنساء٬ من الشباب٬ الذين يشغلونها٬ ويقومون أمامنا بتجارب خلال اليوم كله٬ سيرشدوننا في الواقع٬ في متاهات حلم قديم للإنسانية كما لو أنه في طريق التحقق وصار ملموسا أخيرا٬ إلى درجة أننا نحس أن الإنسان هو الذي سيرحل ربما إلى سطح الكوكب الذي يقطنه أناس خضر اللون وصغار الحجم". كانوا هنا٬ أمامنا٬ يغلفهم وقار البحث العلمي٬ مع أزيد من 20 طنا من المواد والأدوات المعقدة٬ يشرحون لنا مشاريعهم ويبينون لنا كيف تشتغل آلياتهم التي لم يكن أقلها الزي الآلي الذي يزن 45 كيلوغراما والذي يحتاج إلى ثلاث ساعات لارتدائه وكذا مساعدة شخصين من الملبسين الذين يتبعون بروتوكولا دقيقا لإلباس رجال الفضاء المتعلمين الذين استسلموا بشكل كامل لهذه العملية. يشار إلى أن المغرب تم اختياره من بين عدة ترشيحات٬ بسبب توفره أولا على الخاصيات الجيولوجية والظروف المناخية اللازمة لتنفيذ هذه التجربة العلمية٬ وثانيا لتوفره على التجهيزات والبنيات العلمية ذات الصلة وخصوصا الفرق الكفؤة التي بإمكانها تأمين الدعم العلمي الملائم لطموحات هذه البعثة الاستكشافية. وانتهز الداودي فرصة حضوره هذه الرحلة العلمية للاطلاع على المستوى العالي للفرق العلمية المغربية من جهة٬ وعدم وجود مختبرات تكون في مستوى الكفاءات الوطنية. وتعد هذه التجربة واحدة من سلسلة من التجارب التي ستجرى آخرها سنة 2014 في المنطقة الشمالية. وسوف تتم هذه المرحلة٬ على غرار نظيرتها التي توجد قيد الإنجاز حاليا٬ في عزلة تامة من أجل اختبار المعدات٬ في مختلف الظروف الجغرافية والمناخية٬ المماثلة لتلك الموجودة في كوكب المريخ. وفي اليوم الموالي لهذا اللقاء٬ سيعيش الفريق والمعدات في عزلة تامة٬ تحت إشراف عناصر الدرك الملكي٬ في اتصال مع الأرض فقط عبر مراصد انسبروك وبودابيست. وما نعلمه هو أن التجربة ستتضمن مرحلة من العزلة التامة محاكاة لخلل في الاتصال مع الأرض. وفي ما يتعلق برحلة الطيران الفعلية٬ فإنه من المتوقع أن تتم في ظرف عشرين أو ثلاثين سنة٬ حيث يتعين أن تستغرق 200 يوما٬ وفي كل مسار من مسارات الذهاب والإياب مع إقامة محتملة لمدة سنة واحدة. هكذا إذا٬ يبدو المسؤول متيقنا أن الذين سوف يشاركون في هذه الرحلة قد رأوا النور٬ فيما الفريق الحالي مكرس للإعداد لمغامرة تبدو مقدماتها الحالية مبهرة.