تعد الهجرة المغربية إلى إسبانيا من أقدم تدفقات الأجانب و أكثرها عددا, بحيث عرف هذا البلد أول الوافدين خلال سبعينيات القرن الماضي, لكن أهم التدفقات جاءت ابتداء من سنة 2000 تزامنا مع ارتفاع المستوى المعيشي بإسبانيا و انطلاق العملة الموحدة بأوروبا, و عادة ما يرتبط الحديث عن الهجرة بالرجال فقط, إلا أنه من المجحف الآن إغفال هجرة النساء العربيات بصفة عامة و المغربيات بصفة خاصة في دول أوربية عديدة, فإذا كانت أسباب هجرة النساء العربيات فيما مضى مرتبطة بالزوج و العائلة, فإنها اليوم امتدت لأسباب ربما هي نفسها أسباب هجرة الرجال, و تجدر الإشارة إلى أن الطابع الديمغرافي للهجرة المغربية بإسبانيا يعرف تباينا ملحوظا, بحيث الغلبة الواضحة للذكور بنسبة تصل إلى %64 من مجموع المهاجرين و تفسر أسباب الهجرة عند الذكور غالبا بالدافع الاقتصادي بنسبة %62 في حين هجرة النساء تفسر غالبا بأسباب التجمع العائلي بحيث أن نسبة %53 من النساء لم يسبق لهن العمل. هجرة المرأة المغربية: الواقع و التحديات لطالما اعتبرت هجرةُ المرأة المغربية نتيجة "مباشرة" لهجرة الرجل، وكذا لتزايد الإقبال على التجمع العائلي منذ سبعينيات القرن الماضي. ويكشف هذا الأمر، مبدئيا، على اعتقاد تقليدي في مجال الهجرة مفاده أنه لا يمكن "للنساء التنقل إلا برفقة رجل". إلا أن الأبحاث العلمية حول مسارات المهاجرات تكشف وجود تنوع كبير في أوضاع هؤلاء النساء (معيلات أسر، طالبات، متقاعدات، الخ)، كما تبين أن النساء يلعبن، حتى في إطار التجمع العائلي، دورا فاعلا في تحضير المشروع الأسري المرتبط بالهجرة، وأنهن قادرات على تطوير استراتيجيات خاصة بهن تمكنهن من الاضطلاع بدور هام في المهجر؛ سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي. وتجدر الإشارة إلى أن ظاهرة الهجرة النسوية المغربية شهدت نقطة تحول خلال تسعينات القرن الماضي، وذلك من خلال ظهور نمط الهجرة لضمان العمل المستقل وبروزها بشكل تدريجي؛ خاصة في اتجاه دول الاستقبال الجديدة (إسبانيا وإيطاليا ودول الخليج). واليوم تشكل النساء في فرنسا وبلجيكا وهولندا نصفَ الجالية المغربية تقريبا، في حين يمثلن في إسبانيا 33% وفي إيطاليا %30. ويرجع هذا التطور بالأساس إلى التحول الذي شهدته وضعية المرأة داخل المجتمع المغربي؛ و التغير التدريجي في الدور الذي تلعبه المرأة المغربية المهاجرة بإسبانيا حيث أنها أصبحت تتولى أدوارا تعتبر حكرا على الرجال, حيث استطاعت المرأة المغربية تحقيق استقلالها، بما في ذلك الاستقلال الاقتصادي ويرجع الأمر كذلك إلى تطور حاجيات سوق العمل الذي أصبح منفتحا أكثر فأكثر على العالم، وإلى ارتفاع الطلب على اليد العاملة الأجنبية (مجالات الخدمات المنزلية والعناية الطبية والسياحة والترفيه...). ويوجد في فرنسا 45% من النساء المغربيات داخل سوق العمل في حين تقدر نسبتهن داخل سوق العمل بإسبانيا ب 14%. طبعا، تستجيب الهجرةُ النسوية بالأساس إلى الضرورة الاقتصادية (الهشاشة الاجتماعية، والفقر، وارتفاع عدد معيلات الأسر من النساء، الخ)، لكنها ترتبط كذلك برغبة متزايدة في تحقيق النجاح والتفوق والتخلص من التمييز الاجتماعي واللامساواة الخانقة بين الجنسين. وبالنظر إلى تطور التجمع العائلي، تشهد الهجرة تحولات اجتماعية وديمغرافية مع ثلاثة تطورات أساسية: شيخوخة الأجيال الأولى والتأنيث والتشبيب، مع بروز أجيال ولدت وترعرعت خارج المغرب. وكنتيجة لموجات التجمع العائلي المتوالية، أصبحت البنية الجنسية والعمرية أكثر توازنا ومعدل نشاط الرجال يميل إلى الانخفاض، بينما يتطور لدى النساء، حتى بالنسبة لضعيفات التأهيل منهن, وتحتل النساء المغربيات في ديار المهجر مراكز ورتبا مختلفة (من النساء غير المؤهلات اللواتي ينحدرن من الأوساط الشعبية إلى الأطر والنساء اللواتي يحتلن مراكز سوسيو-مهنية عالية), و تحرص غالبية النساء المغربيات على الحفاظ على علاقات قوية مع الأسرة في المغرب مع السهر و الحرص على الاندماج في مجتمع الاستقبال من خلال تعلم اللغة و المشاركة في الأنشطة الاجتماعية و التكيف مع العادات و الأعراف المحلية و هو ما يبدد الأفكار المسبقة التي تتناقلها وسائل الإعلام الإسبانية حول صورة المغاربة المقيمين في إسبانيا, بحيث أن عملية اندماج المرأة المغربية في المجتمع الإسباني تحددها علاقتها بالرجل, إذ في الوقت الذي يظل بعض النساء اللواتي قدمن إلى البلد في إطار التجمع العائلي يعشن نموذج الحياة نفسها السائد في بلدهن الأصلي, هناك نساء أخريات قدمن من تلقاء أنفسهن و يحاولن المشاركة في سوق العمل و من تمة تحقيق الاستقلال المادي. واليوم وعلى الرغم من صرامة التشريعات، ما زالت الهجرات العائلية تشكل المصدر الرئيس لتنمية الهجرة في البلدان الأوربية, غير أن النساء أصبحن يشكلن مجموعة قائمة بذاتها ولم تعد هجرتهن تعتمد على الزوج فحسب، فهناك عدد متزايد من هؤلاء النساء، عازبات ومطلقات، بل وحتى متزوجات. وهذه الظاهرة العالمية والتي تشمل جميع كبرى البلدان المهاجرة، لا تستثني المغرب. فالمغربيات المهاجرات حاضرات أكثر فأكثر في سوق الشغل، بمعدلات متفاوتة، بين 45% في فرنسا و14% في إسبانيا بالنسبة للنساء البالغات من العمر 25 إلى 50 سنة. ويعزى هذا التطور في الهجرة النسائية بالخصوص إلى الطلب الملح من قبل البلدان الغنية في المهن المخصصة تقليديا للنساء (الأعمال المنزلية، التنظيف، الاعتناء بالأشخاص المسنين، الأعمال الموسمية، خاصة الفلاحة،...)، ما يعرضهن أكثر من غيرهن من فئات المهاجرين إلى العنف والتمييز. لكن هذه ليست وحدها محركات تنمية الهجرة النسائية، فعدد متزايد من النساء المؤهلات نوعا ما، والمدمجات مع ذلك في سوق الشغل الوطني، يتخذن قرار الهجرة، منتهزات جميع الفرص التي تمنحها العولمة, و توحي هذه التطورات، التي ما زالت تفتقر إلى الكثير من الدراسة، بالمسلسلات التحررية المتبعة حاليا في المجتمع المغربي، حيث المزيد من النساء يتعاملن مع مشاريع حياتهن كفاعلات مستقلات, وتبين مساراتهن بالهجرة تحول الأدوار المنوطة تقليديا بكلا الجنسين وتعزز هذا التحول, حيث نجد المزيد من النساء يعِلن أسرهن، إذ يهاجرن وحيدات وينتظمن بعد قدوم أسرهن في إطار التجمع العائلي، أو يتكفلن بمن بقي منها في المغرب. وتظهر الدراسات المنجزة على المستوى الدولي حول الهجرات النسائية (صندوق الأممالمتحدة للسكان) أن النساء المهاجرات يرسلن عموما قدرا أكبر من المال إلى العائلات التي بقيت في البلد، بشكل منتظم أكثر، ولهن نزوع أكبر إلى تخصيص تلك الموارد لتعليم أبنائهن. و دعا صندوق الأممالمتحدة للسكان في تقرير له إلى ضرورة وضع ملف هجرة النساء محط اهتمام المسؤولين، خصوصا وأنهن يشكّلن حاليا نصف عدد المهاجرين في العالم حيث إنه على الرغم من تحول موضوع الهجرة الى ظاهرة عالمية، إلا أن الاهتمام بموضوع المرأة المهاجرة ظل متجاهلا منذ زمن طويل , و تحمل هجرة النساء بين طياتها أيضا أخطار العبودية المعاصرة من استغلال جنسي وزج في شبكات الدعارة واستعباد لخدم المنازل. والحديث عن المرأة المهاجرة يعني حوالي 50% من مجموع المهاجرين في العالم الذي يفوق عددهم 191 مليون شخص, فهي إما خادمة في المنازل، أو مربية أو ممرضة، وهي نادلة أو عاملة في المصانع او المزارع أو فنانة. ومنهن من يزج بهن في تجارة الجنس ويصبحن عرضة للمتاجرة والتهريب والاستغلال. الهجرة الموسمية لإسبانيا تندرج الهجرة الموسمية للنساء المغربيات إلى إسبانيا للعمل في الحقول الإسبانية و خاصة موسم جني التوت الأرضي بمدينة ويلبا جنوبإسبانيا في إطار التحولات التي أصبحت تعرفها ظاهرة الهجرة, حيث يتم التركيز على الهجرة الانتقائية التي تستقطب الكفاءات و الأدمغة إلى جانب الهجرة الموسمية التي اصبحت تركز بدورها حاليا على النساء, و تعتمد هذه المقاربة الانتقائية الجديدة على اختيار عاملات مهاجرات من وسط قروي لهن ارتباطات عائلية, حيث ان هذه المقاربة ضمنت عودة %90 من العاملات الموسميات على خلاف المقاربات السابقة, حيث نسبة عودتهن لم تكن تتعدى %20. و حسب إحصائيات رسمية, ارتفع عدد الطلبات على النساء المغربيات للعمل في الحقول الإسبانية من 1722 في عام 2006 إلى 10717 في عام 2007, لينتقل هذا الرقم إلى 12598 في عام 2008 ثم حوالي 16000 طلب عام 2009. و كان المغرب قد عقد في هذا الإطار عدة اتفاقيات مع إسبانيا حول موضوع الهجرة الموسمية للعاملات المغربيات وتهدف هذه الاتفاقيات حسب الطرفين المغربي والإسباني، إلى الحد من الهجرة السرية، وتشجيع الهجرة المنظمة في إطار الإشراك الفعلي للمشغلين في تدبير هذا النظام، خاصة ما يتعلق بانتقاء العمال الموسميين ببلدهم الأصلي, بحيث تتحول الهجرة الموسمية لبديل للهجرة السرية، و بالتالي يستفيد المهاجر من كل حقوقه بما فيها الجانب الاجتماعي، والعلاج والتطبيب على الأراضي الاسبانية كما المواطن الإسباني, كما تمنح هذه الهجرة الموسمية حظوظ الاستفادة من بطاقة الإقامة الدائمة للعاملات الموسميات، خاصة بعد مرور أربع سنوات على عملهن موسميا في إسبانيا إذ من حقهن التقدم بطلب إنجاز بطاقة الإقامة، خاصة للملتزمين والملتزمات، من المهاجرين الموسميين. إلا أن ظروف الأزمة الاقتصادية التي أصبحت تعيشها إسبانيا دفعتها إلى إعلان عدم استقدام أي عامل أو عاملة من المغرب للعمل بحقول الجنوب الاسباني، وبالتالي الاستغناء عن خدمات اليد العاملة المغربية الموسمية التي تشتغل عادة بحقول الفراولة بالأندلس, و تقرر تعويض العاملات المغربيات اللائي اشتهرن بحرفيتهن في هذا المجال بيد عاملة محلية أو بمهاجرين حصلوا على أوراق الإقامة الشرعية, وبررت إسبانيا قرارها بوجود اكتفاء ذاتي من اليد العاملة الاسبانية ، قادرة على تلبية وتغطية كل طلبات الشغل، خاصة وأن الأزمة الاقتصادية التي تضرب الجارة الشمالية، دفعت بعدد متزايد من العمال الاسبان إلى الإعراب عن استعدادهم للعمل في المجال الفلاحي، بعدما كانوا ينفرون منها في الأعوام الماضية, وبالفعل سجل إقبال من طرف اليد العاملة الإسبانية على مثل هذه المهن وقبلوا بالاشتغال بالحد الأدنى للأجور بدل الاستمرار في معاناة البطالة، مما أثر سلبا على عقود العاملات والعاملين الموسميين المغاربة. وكانت إسبانيا ومنذ عشر سنوات خلت تعتمد بشكل شبه مطلق على اليد العاملة الأجنبية والمغربية خلال مواسم الفلاحة خاصة فيما يخص الزراعة أو الجني.