احتضنت مدينة مراكش يومي الجمعة والسبت الماضيين أشغال الدورة الثانية للقاء «مغربيات من هنا وهناك» التي خصصت لموضوع «تأنيث الهجرة: ديناميات دولية وخصوصيات مغربية». وتميز هذا اللقاء، الذي نظمه مجلس الجالية المغربية بالخارج، على مدى يومين، بعقد ندوة علمية دولية استهدفت الوقوف على المعطيات العلمية المتعلقة بهجرة المرأة المغربية، نشطها متخصصون في هجرة المرأة المغربية عبر العالم والذين مكنت مشاركتهم في هذا اللقاء من اعتماد مقاربة قائمة على المقارنة حول هجرة المرأة عبر العالم. وبالموازاة بحث المشاركون في هذا اللقاء مجالات «الشراكة والتعاون»، إذ كان اللقاء فرصة لتبادل التجارب وأيضا مناسبة لتقديم الأنشطة والمشاريع الجمعوية والمقاولاتية من أجل تحقيق شراكة فعلية بين الضفتين. كما مكن اللقاء، الذي صادف تنظيمه الاحتفال باليوم العالمي للمهاجرين، من إبراز بعد النوع الاجتماعي في قضية الهجرة ووضعه ضمن أجندة البحث العلمي والسياسي وكذلك تعبئة الكفاءات النسائية المشاركة حول الاشكالية المشتركة التي تهم على الخصوص الالتزام المدني والحصول على الحقوق والمساواة. شهدت ظاهرة الهجرة النسوية المغربية نقطة تحول في سنوات التسعينات من القرن الماضي، والسبب وراء ذلك كان بروز نوع من الهجرة النسوية التي تسعى بالأساس إلى ضمان استقلالية اقتصادية من خلال الحصول على عمل مستقل في بلد الاستقبال، لتتخذ بذلك المرأة المغربية، بالإضافة الى بلدان الاستقبال التقليدية، وجهات مغايرة قاصدة دول استقبال جديدة مثل إسبانيا، إيطاليا ودول الخليج. إن الهجرة النسوية المغربية كما شهدها المغرب في العشرية الأخيرة من القرن الماضي، سارت عكس الاعتقاد التقليدي، كونها بالأساس ما هي إلا نتيجة مباشرة لهجرة الرجل في منتصف القرن الماضي ولتزايد الإقبال على التجمع العائلي منذ سبعينياته. ويكشف هذا الأمر، مبدئيا، عن اعتقاد تقليدي في مجال الهجرة مفاده أنه لا يمكن «للنساء التنقل إلا برفقة رجل». واليوم تشكل النساء في فرنسا وبلجيكا وهولندا نصف الجالية المغربية تقريبا، في حين يمثلن في إسبانيا 33 بالمائة وفي إيطاليا 30 بالمائة، أما في دول الخليج فإنهن يمثلن نسبا أكثر أهمية. ويوجد في فرنسا 45 بالمائة من النساء المغربيات داخل سوق العمل في حين تقدر نسبتهن داخل سوق العمل بإسبانيا ب14بالمائة. إن هذا الظهور الجلي للنساء المهاجرات المغربيات في الفضاء العام، كما جاء في كلمة الوزير المنتدب المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج محمد عامر، يحتاج إلى الكثير من الجهد، «من أجل استكمال إضاءة ما تبقى من زوايا غير جلية». واعتبر عامر أن فضاء أشغال الدورة الثانية لملتقى «مغربيات من هنا وهناك» المنعقد بمراكش، والذي يترجم هذا الظهور الجلي هو بمثابة استمرارية طبيعية لعنفوان الحياة المتدفقة في كيان المجتمع المغربي الراهن عبر إرادة سياسية وطنية تهدف إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، وإنصاف النساء المغربيات ونساء الهجرات منهن خصوصا. ونوه عامر بأهمية انعقاد الدورة الثانية للملتقى، الذي يعد تتويجا على درب هذا المسار الذي لن يكون إلا شبيها بالمسار الوطني العام ومكملا لبنيانه المتين، مشيرا إلى أنه فعل تاريخي حقيقي تتناغم محاوره الأساسية، التي ستقارب موضوع «تأنيث الهجرة: ديناميات دولية وخصوصيات مغربية»، مع الاهتمام الدولي الراهن بمواضيع هجرة النساء. ولم تفت الوزير المنتدب المناسبة للتأكيد على أن المغرب يحدوه أمل كبير في أن يتمكن، بدعم من المجتمع الدولي، من فك الحصار عن النساء المغربيات المهجرات قسرا بمخيمات تندوف. وشجب عامر احتجاز هؤلاء النساء الأمهات بمخيمات العار، اللواتي يخضعن «تحت قوة السلاح» الى أبشع أشكال الترهيب والتعذيب والاستغلال، واللواتي ينتظرن أمل استعادة فلذات أكبادهن المرحلين الى معسكرات تجييش الاطفال بدول أخرى. الأكيد، أن الهجرة النسوية تستجيب بالأساس إلى الضرورة الاقتصادية، لكنها ترتبط كذلك برغبة متزايدة في تحقيق النجاح والتفوق والتخلص من التمييز الاجتماعي واللامساواة الخانقة بين الجنسين. هكذا، تحتل النساء المغربيات في ديار المهجر مراكز ورتبا مختلفة بدءا من نساء غير مؤهلات ينحدرن من أوساط شعبية مرورا بنساء كوادر إلى نساء يحتلن مراكز سوسيو مهنية عالية في دول الاستقبال. وفي هذا السياق أكدت كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون لطيفة أخرباش بمناسبة انعقاد هذا الملتقى، أنه بوسع المرأة المغربية المهاجرة أن تضطلع بدور مركزي في ترسيخ الحوار الثقافي بين المجتمعات، وتوسيع دائرة المبادرات والتفاعلات الاجتماعية والفكرية التي من شأنها خدمة تحالف الحضارات. وأضافت في كلمة لها أنه بإمكان المهاجرات المغربيات نقل وتشخيص وإثراء رسالة الأصالة والحداثة والتنوع والتعايش التي يبعثها المغرب للعالم. وذكرت من جانب آخر بأن المغرب يدافع دائما، وبقناعة راسخة، عن ضرورة التمييز بين الهجرة الشرعية والهجرة السرية، معتبرة الأولى بمثابة دعامة لبناء الرخاء وخدمة التنمية ووسيلة للتقارب والتفاهم الثقافي، في حين تعد الثانية نتاجا لشبكات المهربين، ومؤشرا على اختلال في التنمية وتحد لأمن البلدان المضيفة وبلدان العبور على حد سواء. ويعود التطور الذي عرفته هجرة المرأة المغربية إلى الخارج بالدرجة الأولى إلى التحول الذي شهدته وضعية المرأة داخل المجتمع المغربي. فالأبحاث العلمية حول مسارات المهاجرات تكشف وجود تنوع كبير في أوضاع هؤلاء النساء «معيلات أسر، طالبات، متقاعدات.. الخ»، كما تبين أن النساء يلعبن، حتى في إطار التجمع العائلي، دورا فاعلا في تحضير المشروع الأسري المرتبط بالهجرة، وأنهن قادرات على تطوير استراتيجيات خاصة بهن تمكنهن من الإضطلاع بدور هام في المهجر، سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي. وفي هذا الإطار، أكدت وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن نزهة الصقلي«أن المغرب عرف دينامية هامة للحركة الديمقراطية وحقوق المرأة، من خلال انخراطه في مسلسل جذري للتغيير، والتعبير عن التزامه بمسيرة المساواة بين الجنسين». وبخصوص إشكالية الهجرة النسائية، أوضحت الوزيرة أنها مازالت بعيدة كل البعد عن احتلال المكانة التي تليق بها على مستوى البحوث والدراسات والتحاليل. ونوهت الصقلي بالنساء المغربيات اللواتي يحملن، بفضل التزامهن، قيما ويساهمن في كسر الأنماط المسبقة والصورة البعيدة عن الواقع، التي ظلت لصيقة بالمرأة العربية الإسلامية. واعتبرت أن هذا اللقاء يظهر مدى انفتاح المغاربة والمغربيات على التنوع الثقافي والإثني واللغوي والديني وحتى الجغرافي. وللإشارة تكمن أهمية هذا اللقاء، الذي تزامن انعقاده مع الاحتفال باليوم العالمي للمهاجرين بمشاركة خبراء في مجال الهجرة النسائية وجامعيين وسياسيين وجمعويين، في إبراز بعد النوع الاجتماعي في قضية الهجرة، وإدراجه ضمن أجندة البحث العلمي والسياسي. وتضمن برنامج هذا الملتقى، الذي اختمت أشغاله أول أمس السبت، مواضيع تهم «هجرة النساء المغربيات: ديناميات وانتظارات» و«ديناميات الهجرة النسائية الدولية: مقاربة مقارنة» و«النساء والهجرة.. إشكالات متجددة ووجوه جديدة». كما كان اللقاء، الذي أطرت تنظيمه مجموعة العمل: «مقاربة النوع والأجيال الصاعدة» بمجلس الجالية المغربية بالخارج، مناسبة لتسليط الضوء على ظواهر شيخوخة المهاجرين والبطالة والتمييز والعنصرية والعمل الفلاحي والقطاع الصحي في علاقته بالمهاجرين المغاربة في بلدان الاستقبال. وكذا تسليط الضوء على الفئات الجديدة والمتنوعة من المهاجرات: طالبات، متقاعدات، مهاجرات مؤهلات، موسميات، والمساهمة في تحضير السياسات العمومية الجديدة التي ترقى إلى انتظارات وطموحات جميع المهاجرين والمهاجرات المغاربة.