يعتبر القاضي بالتسار غرثون من أشد القضاة الإسبان عنادا و إصرارا، و هو نفسه يعترف بأن أسلوبه في العمل قد أكسبه عداوات حيث ما حل وارتحل. وعموما فإن القاضي يفتقد إلى المرونة في ممارسة عمله، تكفي الإشارة مثلا إلى أنه كان ينوي اعتقال وفد إيطا العائد من محادثات الجزائر مع الحكومة وهو ما جعل وزير الداخلية حينها يستشيط غضبا. بنفس الإصرار نجد القاضي يتابع ملف العسكريين المغاربة التي تتهمهم البوليساريو بارتكاب جرائم حرب. حيث كان ينوي القاضي التوجه إلى مخيمات تندوف لأخذ تصريحات ل 13 من افراد البوليساريو، كشهود في قضية الجرائم ضد الإنسانية المرفوعة أمام المحكمة الوطنية الإسبانية ضد مسؤولين أمنيين مغاربة. وهو ما دفع وزارة الخارجية الإسبانية إلى التدخل وإبلاغه عبر أنا غاييغو توريس نائبة المدير العام للتعاون القانوني الدولي، باستحالة إنجاز القاضي لسفره إلى المخيمات. وعللت مسؤولة الخارجية قرار المنع بأن "الجمهورية الصحراوية" وإن اعترفت بها الجزائر، فإن إسبانيا لا تعترف بها كدولة وبالتالي لا يمكن أن تطلب منها "إنابة قضائية" كما تريد الجزائر. يذكر أن هذا التدخل المباشر للحكومة لوقف القاضي عن التمادي في استعمال سلطته التقديرية. جاء بعد تعديل قانون السلطة القضائية و خاصة المادة 23.4 منه و التي كانت تتوافق و اتجاه "العدالة الدولية"، الذي يرسخ مبدأ " الحكام أمامهم حدود أينما كانوا والمحكومين لهم حقوق حيثما كانوا". ويقبل كل القضايا التي ترتبط بحقوق الإنسان بغض النظر عن ملابساتها و مرتكبيها. لكن الصياغة السيئة للمادة ستحول المحكمة الوطنية الإسبانية إلى محكمة للعالم كله، يتابع فيها في 13 قضية مفتوحة مسؤولين من الولاياتالمتحدة و إسرائيل و الصين و المغرب و العديد من دول أمريكا اللاتينية و إفريقيا، وهو مافتح على الديبلوماسية الإسبانية ما لاقبل لها به. فاضطرت الحكومة الى تعديل المادة و حصرها على ما حصل بين إسبان، أو إذا ما وجد الجاني على التراب الإسباني أو كانت القضية مرتبطة بإسبانيا. و هكذا فإن التصلب و غياب بعد النظر عند بعض القضاة الذين استعملوا مبدأ "العدالة الدولية" دون تروي قد أدى إلى إلغائه، و بالتالي استمرار مجرمين حقيقيين دون عقاب لأن بعض القضاة عن لهم استعمال المبدإ دون مسؤولية و جعلوا يخبطون به خبط عشواء، أو تبعا لمصالح وأجندات بعيدة عن العدالة. يذكر أن إحدى النقاط الأساسية في مبادئ برينستون التي وضعتها الأممالمتحدة لتنظيم "العدالة الدولية" تمثلت في ضرورة استعمال هذه الأخيرة "بحسن نية". و غياب هذا المبدإ من الأسباب التي عجلت بإقبار "العدالة الدولية" في إسبانيا.