لا وزن انتخابيّ يذكر للجالية المغاربية والعربية في المحطات السياسية الكبرى التي تشهدها فرنسا، ليس لكونها أقلية، لأن الأرقام تؤكد أنها ديموغرافياً يمكن أن تُميل الكفة إلى جانب على حساب آخر، بل لعزوفها عن السياسة وانقسام اصواتها بين اليمين واليسار. أصوات الجالية المغاربية منقسمة بين مرشحي اليمين واليسار في فرنسا فموضوع الهجرة والإسلام وما يرتبط بذلك من أحياء شعبية واندماج، كلها من المواضيع التي لها عادة ثقلها في الانتخابات الفرنسية، كما هو حال تلك التي يتم الاعداد لها اليوم من خلال الحملة الانتخابية الجارية، والمعني بتلك المواضيع بالدرجة الأولى، هي الجاليات المغاربية والعربية عموماً. يؤكد العديد من المتتبعين للشأن السياسي الفرنسي أن هذه الجالية لا تعطي ما يكفي من الاهتمام لمثل هذه المحطات السياسية، ما زاد من توغلها في الهامش الحزبي والسياسي الفرنسي، وجعل صوتها خافتاً إن لم يكن غائباً عن مجريات الحياة السياسية عامة. المعروف أن الفرنسيين المنحدرين من الهجرة يصوتون بكثافة لفائدة أحزاب اليسار، وهو ما يفسر بحسب مراقبين، جرأة خطاب اليمين المعتدل في الانحراف أكثر نحو أقصى اليمين في الكثير من المواضيع التي تهم هذه الشريحة، لأنه يدري مسبقاً أن الفئة المذكورة لا تصوت لحسابه، وهو يراهن بذلك على أصوات اليمين المتطرف أو المتعاطفين معه. الخطاب الانتخابي الذي يتحدث به اليمين المعتدل في مثل هذه المحطات السياسية يعطي الانطباع أن هناك فرنسيين سواء أكانوا أصليين أو منحدرين من أصول أوروبية، وأن هناك فرنسيين منحدرين من الهجرة، وهؤلاء في غالبيتهم الساحقة ذوو جذور مغاربية وأفريقية. وهي نقطة يستغلها اليسار لصالحه لأنه يفضل أن يتحدث خطاباً موحداً، وبالتالي لا يتوانى في إعطاء الدروس لليمين المعتدل بل وللرئيس المرشح نيكولا ساركوزي في كونه "ينشد التفرقة والتشتت"، و"يساير اليمين المتطرف في طروحاته لاصطياد الأصوات في ملعبه"، على حد خطاب هذا الصف السياسي. الفرنسيون المغاربة والتصويت الفعاليات ذات الأصول المغاربية والعربية التي التقت بها إيلاف، تنظر بأمل إلى التغيير، فهي تميل أكثر بحسب تصريحاتها، إلى حدوث تناوب سياسي في فرنسا، يعود فيه اليسار من خلال الحزب الاشتراكي إلى الحكم، لأنه، يقول حسن (ز)، "يحمل خطاباً إنسانياً ولربما سيعفي الفرنسيين المسلمين عامة والمهاجرين خاصة من المزايدات السياسية التي هو ضحيتها". هو المنحى نفسه الذي تسير فيه فريدة عياري، التي اشتغلت في مسؤوليات مهمة سواء كصحافية أو لحساب منظمات إنسانية دولية عالمية، حيث ترى أن "فرنسا تحتاج إلى التغيير. ساركوزي أحبط الشعب الفرنسي، فرانسوا هولاند هو الضرر الأقل، لكن أعتقد أنه يملك صورة رجل دولة. تقدم جون لوك ميلانشو في استطلاعات الرأي يوضح أن الفرنسيين يعبرون عن حاجتهم إلى التجديد، وأنه لشيء مهم أن يتموقع قبل مارين لوبان". تريد بقولها أن تشير إلى تقدم مرشح جبهة اليسار جون لوك ميلانشو في استطلاعات الرأي ليحتل الموقع الثالث، فيما تراجعت زعيمة اليمين المتطرف ،الجبهة الوطنية، مارين لوبان إلى المرتبة الرابعة بعد كل من هولاند، ساركوزي ثم ميلانشو. بالنسبة للشاب النقابي مراد أيوبي، فالاهتمام بالانتخابات الرئاسية لدى شريحة المغاربيين والعرب عامة يختلف من شريحة عمرية إلى أخرى، "فالشباب لا يرغب في بقاء الرئيس الحالي دون أن يساهموا في الانتخابات مهما كان شكلها". أما المسنون، يضيف محدثنا، "فيريدون التغيير، لكن بالنسبة للذين لا يحملون الجنسية الفرنسية، اهتمامهم بهذه الانتخابات ينحصر فقط أمام التلفزات وفي المقاهي، كما أن هناك أشخاصاً من أصل مغاربي مندمجون كما ينبغي في المجتمع، ويساهمون في الحياة السياسية في الحملة الانتخابية وباهتمام بالغ". "نعم لليمين لضرب المتطرفين" لا يخفي التاجر عزيز (م) ميوله إلى اليمين، فهو يعتقد أنه الصف السياسي الوحيد القادر على محاربة الإسلاميين المتطرفين في فرنسا، ولا يريد أن يرى يوماً أحد أبنائه وقد تأثر بفكر هؤلاء، فهو يقارن الإيديولوجية التي يحملونها "بالسم الذي يقتل صاحبه". يعتقد عزيز أن اليسار يهادن كثيراً المسلمين وحتى المهاجرين، وهذا برأيه "لا يخدم سمعة المسلمين والمهاجرين عامة في فرنسا"، والتي يعتبرها "جد متدهورة"، مؤكداً أنه "لا يمكن لأي عاقل منحدر من الهجرة المغاربية أن يقول مثلاً عن محمد مراح صاحب جرائم تولوز إنه يشرفه". كما أن هناك من يفضل التصويت يميناً لاقتناعه بشخصية ساركوزي، فهؤلاء ينظرون له كرجل دولة له من المواصفات المرتبطة بذلك ما يميزه عن منافسه الأول على الرئاسة فرانسوا هولاند، وإن كان البعض منهم قلوبهم تخفق لليسار إلا أن عقولهم تدفعهم اتجاه العكس، كما كان الحال عليه في عهد شيراك الذي فاز وقتها على جوسبان. بين السياسة الإنسانية التي يتبناها اليسار باعتقاد البعض، والسياسة الحازمة التي يبديها اليمين تجاه الإسلاميين وخصوصاً المتطرفين منهم، تنقسم أصوات المجموعات ذات الانتماء المغاربي، هذا إن كانت لها الحماسة في حمل صوتها إلى صناديق الاقتراع، لأن الغالبية العظمى بحسب العديد من الإحصائيات ما زالت عازفة عن السياسة.