دخل بيل شانكلي المدرب الأسطوري لنادي "ليفربول" الانكليزي التاريخ بإعلانه الشهير "أن كرة القدم ليست مسألة حياة وموت، بل أؤكد لكم أنها أهم من ذلك بكثير". لم يكن شانكلي يتوقع ما حدث لاحقًا، لكن مقولته ظلت محفورة في الأذهان شعارًا يجسد القوة الكونية للعبة الأوسع شعبية في العالم، وللعواطف المتقدة التي تكمن وراءها. إلا أن المحزن أن تصبح اللعبة الجميلة مسألة موت، كما أثبتت أحداث بور سعيد المأساوية الدامية. حيث تحدثت التقارير عن مقتل أكثر من 73 شخصًا في أعمال شغب بين مشجّعي نادي "الأهلي" القاهري ونادي "المصري"، فريق بور سعيد. وكانت المباراة انتهت بخسارة الأهلي، أكثر الأندية المصرية شعبية، وربما واحد من أكثر الأندية شعبية في العالم، بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد. تطورت الأمور دراماتيكياً، حين نزل مشجّعون من الفريقين إلى ساحة الملعب، "الحلبة"، منتصرين بقوة أعدادهم على قوات الشرطة، حتى إن لاعبي الفريقين هربوا من الملعب مذعورين. وصرَّح لاعب الأهلي الشهير محمد أبو تريكة متحدثًا لقناة الأهلي التلفزيونية "إن هذه ليست كرة قدم، بل هذه حرب، والناس تموت أمامنا. ليست هناك حركة ولا أمن ولا سيارات إسعاف". علماً أن أبو تريكة لوّح بالإعتزال بعد هذه المأساة. حتى الساعة لا يُعرف على وجه الدقة عدد الضحايا نتيجة تدافع المشجّعين، الذين كانوا يحاولون مغادرة المعلب، علمًا أن التدافع هو السبب الرئيس لسقوط القتلى في مباريات كرة القدم، باستثناء انهيار منصات الملاعب. كما لا يُعرف ما الذي فجّر أعمال العنف، إلا أن "الأهلي" معروف بمشجعيه المتعصبين من "التراس"، أو المشاغبين بنظر البعض، وكان هؤلاء قاموا بدور كبير في العام الماضي في تنظيم وقيادة الدفاع عن ميدان التحرير ضد قوى الأمن، وبلطجية النظام السابق من مؤيدي الرئيس المخلوع حسني مبارك، ولهم حتى اليوم علاقة تناحرية مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وكما هو متوقع، تم تسييس الفاجعة، عبر توجيه أصابع الإتهام إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتقصير قوى الأمن في التعامل مع الموقف. وأعلن السياسي الليبرالي المعارض محمد البرادعي على تويتر "أنها جريمة بحق مصر ألا تبدأ على الفور بإعادة بناء الجهاز الأمني". بدورها، كتبت مراسلة مجلة ال"تايم" من القاهرة "إن العامل الرئيس هنا، هو عدم كفاءة قوى الأمن، مقترناً بقدر من العداء تجاه التراس، فالوضع الأمني في مصر في حالة مزرية، وقوى الأمن المصرية المدربة على ملاحقة المعارضين والإرهابيين في عهد مبارك، سيئة التجهيز، وليست مدربة تدريبًا كافيًا، للتعامل مع مشاكل أمنية حقيقية مثل الجريمة وأعمال الشغب. ورأت أن القوى الأمنية لديها حافز يدفعها إلى التعامل مع هذه الأحداث، بسبب "الرواتب القليلة، وغياب التدريب، وهي ما زالت منزعجة لأن البلد يكرهها، الخ". وأبدت مراسلة المجلة ارتيابها من ميل المصريين إلى نظريات المؤامرة، لا سيما إزاء تاريخ كرة القدم الزاخر بأعمال العنف بين المشجعين، والوضع الأمني المتردي حاليًا في مصر، وعدم كفاءة قوى الأمن المصرية بصورة عامة. لكنها بيّنت أن الاضطرابات تخدم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فعلى المستوى الداخلي، يريد المجلس أن يبدو وكأن البلد يحتاجه، وفي مواجهته مع الولاياتالمتحدة يستثمر المجلس تردي الوضع الأمني أيضًا. إذ سيتعيّن على الولاياتالمتحدة أن تبتّ في المساعدة التي ستقدمها إلى مصر في السنة المالية 2012، بعدما ربطت مساعدتها العسكرية بشروط، في حين تتخلف مصر عن إستيفاء اثنين من الشروط الثلاثة، ولكن الكونغرس الأميركي يمكن أن يمنح استثناء، إذا كانت هناك مخاوف كافية تتعلق بالأمن القومي"، بحسب مجلة ال"تايم". لكن هذا كله يبقى من باب التكهن، فحتى حصيلة الضحايا، التي بلغت 73 قتيلاً على الأقل، لم تتأكد حتى الآن، ومن المتوقع أن يرتفع عدد الذين لقوا مصرعهم في أسوأ كارثة رياضية في تاريخ مصر. وكان مشجّعون ومعزّون تجمعوا خارج نادي "الأهلي" في القاهرة يوم الأربعاء، بينهم "التراس" من مشجعي نادي الزمالك، المنافس التقليدي للأهلي، تعبيرًا عن التضامن والمواساة. وذكرت صحيفة "الغارديان" أن البعض رددوا هتافات تنادي بسقوط الحكم العسكري، لكن وقت تبادل الاتهامات وإجراء التحقيقات سيأتي لاحقاً. في غضون ذلك، أُرجئ الدوري حتى إشعار آخر، وقرر البرلمان عقد جلسة طارئة اليوم الخميس، وقد تتصدر العدالة جدول أعمال الجلسة، إلا أن إحقاقها لن يكون قريبًا.