عندما أعلن نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي، في 27 ديسمبر، أن إيران لن تسمح بمرور ولو قطرة واحدة من النفط عبر مضيق هرمز في حال أصرت البلدان الغربية على التهديد بتشديد العقوبات ضد برنامجها النووي، أصبح العالم في حالة من الترقب وركز انتباهه على هذه المسألة. منذ ذلك الحين، ارتفعت حدة التوتر في منطقة الخليج العربي، فقد أجرت إيران تدريبات بحرية وحذر وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا من أن إغلاق المضيق هو "خط أحمر" بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة. تحذر عناوين الصحف الآن من اندلاع صراع محتمل على أحد أهم ممرات الشحن في العالم، إذ يعبر حوالي 20% من نفط العالم بذلك الممر يومياً، لكن يبدو أن المحللين والمعلقين لا يستطيعون أن يقرروا مدى جدية هذا الخطر، فقد اعتبروا عموماً أن إمكانات الجيش الإيراني (وتحديداً سلاح البحرية) قد تكون ضئيلة أو قد تطرح تهديدات قصوى على الولاياتالمتحدة وقواتها الحليفة في المنطقة. أي خيار هو الأصح إذن؟ هل البحرية الإيرانية خطيرة بقدر ما تدعي؟ وهل يمكن أن تغلق إيران مضيق هرمز فعلاً؟ في الحقيقة، تملك إيران عدداً من الأدوات لمضايقة القوات البحرية المنتمية إلى الخصوم ولتحديها أو حتى إلحاق الضرر بها، لكن تبقى ترسانتها محدودة وهشة ولم تخضع للتجارب الكافية في ساحات القتال. يدرك القادة العسكريون الإيرانيون أن إمكاناتهم البحرية لا تخوّلهم الاحتكاك مباشرةً مع القوات الأميركية، ولا يمكن أن تضاهي السفن البحرية والطائرات الإيرانية التقليدية المعدات الأميركية، ولا تملك إيران أعداداً كبيرة من تلك المعدات لتتمكن من تحمل معركة مطولة. بما أن المهندسين العسكريين الإيرانيين لا يستطيعون تحدي القوات الأميركية باستخدام حجم القوة نفسها، وضع هؤلاء استراتيجيات "متفاوتة" ترتكز على سرعة وسهولة تحرك معداتهم البحرية. ستكون مراكب إيران الصغيرة وغواصاتها القزمية عاملاً محورياً بالنسبة إلى أي معركة بحرية إيرانية، ومن المتوقع أن تكون هذه المعارك أصعب ما يمكن أن تواجهه إيران. كذلك، أنتجت إيران آلاف الألغام البحرية التي يمكن زرعها في أنحاء الممرات الإستراتيجية في الخليج العربي أو تلك التي تُستعمل كتدابير دفاعية حول أهم البنى التحتية البحرية الإيرانية. تملك الولاياتالمتحدة من جهتها القدرة على التعامل بفاعلية مع الألغام البحرية، لكن سيؤدي القرار الإيراني باستعمال تلك الألغام إلى تعقيد حركة المرور البحري لفترةٍ من الوقت. تشكل هذه المقاربة المتفاوتة في التعاطي مع الحروب (وهي تنجم عن ثغرات إيران التكنولوجية القديمة مقابل تفوق الولاياتالمتحدة وحلفائها) الأساس العسكري للتهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز. لا تستطيع إيران منافسة القوات الأميركية مباشرةً، غير أن تجميع إمكاناتها البحرية بشكل منظم (ألغام، ومراكب صغيرة، وغواصات قزمية...) قد يختبر جدياً القدرة الأميركية على صون أمن الخليج العربي. سيكون إغلاق مضيق هرمز (أو على الأرجح إنشاء بيئة عدائية في الخليج تؤدي إلى تراجع جذري في قطاع الشحن البحري في تلك المنطقة) أخطر وأسوأ عمل يمكن أن تُقدم عليه القوات البحرية الإيرانية على الصعيدين السياسي والاقتصادي. صحيح أن أثر هذه الخطوة على إيرانوالولاياتالمتحدة والدول العربية في المنطقة ليس محدداً بعد، لكن تدرك إيران أن أحداً لا يريد أن يقدر حجم الأضرار المحتملة. هذا هو جواب إيران على الولاياتالمتحدة التي أعلنت أن "جميع الخيارات لا تزال مطروحة" وعلى تهديدها المستمر باستعمال القوة، إنها خطوة يمكن أن تنفذها قواتها العسكرية فعلاً. لكن كشف رئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن ديمبسي حديثاً أن قدرة إيران على إغلاق المضيق أو الحد من عمله ستكون قصيرة الأمد. بسبب طبيعة العمليات العسكرية التي يشملها الصراع والأضرار التي سيُلحقها بالأنظمة الاقتصادية في المنطقة، سيكون إغلاق المضيق بمنزلة عمل حربي ضد الولاياتالمتحدة وحلفائها في الخليج. في هذه الحالة، سيكون الرد الأميركي على إيران أمراً شبه مؤكد، ما يهدد إمكانات إيران العسكرية بحراً وبراً. قد تعمد الولاياتالمتحدة في نهاية المطاف إلى تدمير معظم القوات البحرية والجوية الإيرانية ومدفعياتها البرية تمهيداً لإعادة فتح المضيق، كذلك، قد تستغل الولاياتالمتحدة الفرصة لاستهداف المواقع النووية الإيرانية أو حتى السعي إلى إسقاط النظام الإيراني. من المتوقع أن يدعم الرأي العام الإقليمي (وتحديداً حلفاء الولاياتالمتحدة) العمليات العسكرية التي تدخل في هذا السياق، لكن سيتعرض المجتمع الدولي لضغوط شديدة للامتناع عن دعم التحرك العسكري ضد إيران التي تنوي تهديد أسواق البترول والغاز العالمية خدمةً لمصالحها السياسية الخاصة. لا تعني هذه الافتراضات وجوب تجاهل التهديدات الإيرانية، بل تملك إيران القدرة على مواجهة القوات البحرية الأميركية وعلى إغلاق مضيق هرمز ولو لفترة محدودة. لا شك أن القادة العسكريين الأميركيين يأخذون التهديد الإيراني على محمل الجد. صحيح أن إيران قد تتفوق على مستوى الاعتداءات المحدودة والعشوائية، لكن سرعان ما سيتبخر ذلك التفوق في أي صراع مفتوح ومطوّل. ستؤدي أي حرب مع الولاياتالمتحدة (خاصة إذا شملت محاولة إيرانية لإغلاق مضيق هرمز) إلى تداعيات كارثية على اقتصاد إيران وجيشها وعلاقاتها الإقليمية ومكانتها الدولية. وبالتالي، سيكون اندلاع الصراع ضد القوات الأميركية (سيما إذا كان صراعاً بحرياً) بمنزلة عمل انتحاري من جانب الإيرانيين. يدرك القادة الإيرانيون هذا الواقع، لذا تركز إستراتيجيتهم حتى الآن على منع اندلاع أي صراع مباشر مع الولاياتالمتحدة. لكن في المقابل، يعبّر بعض القادة العسكريين الإيرانيين عن ثقتهم بقدرة إيران على السيطرة على مياه الخليج العربي في أي صراع محتمل. ففي الآونة الأخيرة، أشار قائد القوات البحرية للحرس الثوري، علي فداوي، إلى صراعات إيران البحرية خلال "حرب الدبابات" المزعومة في فترة الثمانينات للتأكيد على أن القوات الإيرانية قد تنجح في صراعها ضد الولاياتالمتحدة. لكن تشير السجلات التاريخية إلى عكس ذلك. صحيح أن القوات الإيرانية تمكنت من مهاجمة سفن الشحن المدنية وإلحاق الضرر بها خلال تلك الفترة، فضلاً عن إعاقة حركة مرور السفن بفضل الألغام البحرية، لكن سرعان ما تفوقت عليها التدابير الدفاعية المضادة التي اعتمدتها الولاياتالمتحدة. فضلاً عن ذلك، كانت إيران تشعر بيأس أكبر بكثير خلال تلك المرحلة، وكانت حرب الدبابات آخر خيار أمامها لتحقيق الطموحات العسكرية الإيرانية خلال حرب دامت ثماني سنوات تقريباً مع العراق. كانت الولاياتالمتحدة تحاول أيضاً الحد من مشاركتها في الصراع ولم تكن تعتبر إيران تهديداً كبيراً بما يكفي لشن حرب شاملة ضدها. لكن يبدو أن الوضع مختلف كلياً اليوم، فقد بدأت مشاكل إيران المحلية واشتداد الضغوط عليها بسبب العقوبات الدولية تثير توتر صانعي القرار فيها، إذ كانت الولاياتالمتحدة في طليعة الدول التي قادت مبادرات فرض العقوبات ضد إيران، وقد أوضحت أنها لن تسمح لها بتطوير سلاح نووي. لكن حتى الآن، في زمن الاضطرابات الحادة، لا تزال الحرب التي يمكن أن تشنها إيران احتمالا مستبعدا وينطبق الأمر نفسه على خيار توجيه ضربة أميركية استباقية. لكن نظراً إلى انهيار فرص التوصل إلى تسوية مقبولة وتدهور العلاقات الثنائية، سيزداد خطر اندلاع الحرب مع مرور الأيام. أفشون أوستوفر (Afshon Ostovar) مجلة السياسة الخارجية 9 يناير 2012