يعتبر محمد العمراني من الإعلاميين الأوائل الذين التحقوا بالقناة الثانية المغربية، ومن المؤسسين للتجربة الإعلامية التلفزيونية الجديدة التي تنسم هوائها المغاربة مع مطلع سنة 1989 ، حيث خلقت القناة الثانية من خواص وبمباركة من الملك الراحل الحسن الثاني، قناة «دوزيم» المغرب الثاني المغرب الآخر آنذاك، وليس فقط مغرب القناة الأولى. أيام زمان عندما كان خط تحريرها متميزا وجريئا، مع صحافيين من طينة محمد العمراني، حميد سعدني، إدريس أوهاب، عبد الصمد بنشريف، فتيحة أحباباز، أنس بوسلامتي، مليكة مالك والآخرون... منهم من دفع الثمن لجرأته ولقناعاته واختياراته المبدئية، الحرية في صنع الخبر وحدث الساعة، وتقديم الحقيقة كما هي دون أصباغ ولا مساحيق ورتوشات. ومنهم من وضع في الرف وتم تهميشه، وأصبح من الموظفين الأشباح رغم أنفه و بالرغم مما قدمه من تضحيات ونضالات، في سبيل وهج الصورة التلفزيونية المغربية. ومن الذين طالهم النسيان والتهميش ووضعوا على الرف، وأصبح موظفا شبحا داخل القناة، الإعلامي محمد العمراني، هذا الذي كان شاهدا على الانطلاقة الأولى للقناة الثانية، وكان واحدا ممن ساهموا في صنع هذا الحلم التلفزيوني. وبدهشة البدايات الأولى والحلم الساكن في الدواخل، استطاعت آنذاك القناة الثانية بفضل أمثال محمد العمراني ورفاقه أن تدخل مفاهيم جديدة في اللغة الإعلامية، ليتحول المغرب من وضع إعلامي معين إلى وضع آخر، ومن أجل التغيير ورفض الوضع القائم، السياسي والاجتماعي والحقوقي والصحي والتعليمي، المزري والمتردي. في هذا الحوار غير المسبوق، الذي أجريناه مع الإعلامي محمد العمراني بالقناة الثانية، يتحدث العمراني رئيس التحرير السابق ومقدم برنامج «الوسيط»، الذي يظهر ويختفي من على شاشة القناة. كما عهدناه دائما مناضلا، صريحا وجريئا، عن أعطاب واختلالات مشهدنا السمعي البصري العمومي، ويشخص مطباته ونكساته، بلغة الإعلامي الممارس والمهني المجرب. « رأيك في أولى جلسات الحوار البين- مهني حول الإعلام العمومي السمعي البصري التي انطلقت مؤخرا بمدينة الرباط؟ « حتى أكون صريحا معك ومع نفسي، أنا لست متفائلا بمسألة التناظر والمناظرات، والكلام وحشو الكلام... حقيقة من خلال تجارب متعددة، النتيجة معروفة، مجموعة من التوصيات والقرارات تبقى في الرفوف. وبالتالي آخر لقاء هو الجلسة التي كان ترأسها الأستاذ محمد الناجي، لإصدار كتاب أبيض حول الإعلام ولقاءاته مع البرلمانيين والأحزاب وجمعيات المجتمع المدني ومع المهتمين، لم تسفر عن شيء، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، لم يكن هناك إشراك فعلي وحقيقي للعاملين في المجال. المناظرة التي تم تنظيمها ما بين رئاسة القطب العمومي وتنسيقية النقابات، الأكثر تمثيلية في قطاع السمعي البصري العمومي، أتمنى أن لا تكون تمويها لوقف الحركية والحراك الذي كنا باشرناه. وأن لا تكون امتصاصا للغضب الذي يعبر عنه المهنيون، سواء داخل القناة الثانية أو القناة الأولى. هناك اتفاق ما بين الرئاسة والتنسيقية على مجموعة من القضايا والملفات التي تهم القناتين والإعلام العمومي بشكل عام. هذا التمني الأول، والتمني الثاني. أتمنى من المشاركين جلسات الحوار أن يكون لديهم حسن النية، وليس أن الإنسان «يدكرفط» ويلبس لباسا أنيقا و»يريح مزيان»، ويستمع لمداخلات أساتذة مرموقين في مجال التنظير الإعلامي، كعبد الله ساعف ومحمد الطوزي ... بالإضافة إلى المهنيين، وأن نخرج من الفندق وتنتهي الحصة، كما يقال. « كإعلامي ومهني مجرب خبر دهاليز القناة الثانية... في نظركم من هي الجهة التي توجه وتتحكم في الإعلام العمومي ببلادنا؟ « الإعلام العمومي السمعي البصري في المغرب، هو خارج وصاية وزارة الاتصال، يعني إعلامنا خارج نطاق الحكومة، الحكومة المغربية لا تتحكم في الإعلام، ولا نعرف من هم الماسكون الحقيقيون بخيوط الإعلام في بلادنا. لا يعقل هذا الوضع، وزارة الاتصال أو الإعلام أو الأنباء، كما كانت تسمى عبر التاريخ، أنا يبدو لي من خلال تجربتي الإعلامية في القناة الثانية لما يزيد عن 20 سنة، لم يتبين أن وزارة الاتصال هي التي تتحكم في أمور الإعلام. أحيانا كان يظهر لي، من خلال تجربتي كرئيس تحرير سابقا، مع وزير الاتصال العلوي المدغري، كنت أحس أن هذا الوزير كان له تدخل مباشر فيما يجري في القناة، لأنه هو الذي عين العربي بلعربي كمدير عام للقناة الثانية، في ذلك الزمان. أما الآن لا ندري صراحة، من يمسك بهذا الإعلام، والحكومة لا تتحكم في قطاع الإعلام، وما تم تقديمه من رداءة وتفاهات في شهر رمضان، يؤكد جليا ما ذهبت إليه آنفا. وخالد الناصري وزير الاتصال الحالي، عندما يأتي إلى البرلمان ليجيب عن مجموعة من أسئلة النواب والمستشارين، المتعلقة بتدني مستوى الشبكات البرامجية التلفزيونية، تكون الأجوبة فضفاضة، تعتمد على أرقام المشاهدة بين قوسين، وأنالا أثق في هذه الأرقام وهذه التخريجات. أقاطعه: هل يفهم من كلامك أنه لإصلاح أعطاب واختلالات الإعلام العمومي في هذه البلاد، لابد من تدخل مباشر من أعلى سلطة في البلاد، أعني تدخل سلطة الملك؟ « أي شيء جميل يتم في هذه البلاد، تنفذه السلطات العليا (سلطة الملك)، « هاذ الشي اللي كاين»، ونحن نتواجد في الفندق الذي يحتضن جلسات الحوار حول الإعلام العمومي، ونطل الآن على ضفاف أبي رقراق، مشروع تهيئة ضفاف أبي رقراق، لو لم يكن تدخل الملك شخصيا ولو لم يتم خلق وكالة، وأعطي هذا المشروع لجهة أخرى، للجماعات المحلية أو للمجالس الإقليمية أو للإدارة بشكل عام، ما كنا لنرى هذا المشروع يتحقق على أرض الواقع. وبالتالي، نحن كمهنيين في قطاع السمعي البصري، إذا لم تسند الأمور إلى ناس لهم غيرة على الإعلام، ويريدون بالفعل خدمة الإعلام المغربي في المناصب الحساسة للمسؤولية. فلا تنتظر إقلاع قطار الإصلاح في هذا القطاع الحساس والاستراتيجي للبلاد. أقاطعه: من تقصد بقولك: إذا لم تسند الأمور إلى ناس عندهم غيرة على الإعلام المغربي لا تنتظر إقلاع قطار الإصلاح في هذا القطاع ؟ « أتشائم من الناس الذين على رأس المسؤوليات، سواء المديرين العامين أو المديرين المركزيين، هم يتحملون المسؤولية ، بحيث يكون الإنسان إعلامي متميز وإعلامي جميل، وبمجرد ما يجلس على كرسي المسؤولية يتحول إلى إداري محض. بالإضافة إلى أن هناك أشخاصا تحملوا المسؤولية داخل التلفزيون لا علاقة لهم بالتلفزيون، زيادة على ذلك، مثلا، الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا) التي تنظم القطاع من الناحية القانونية والزجرية والمهنية، لا يوجد فيها عضو من التلفزيون، لا يوجد أناس سبق لهم أن عملوا في التلفزيون أو في الإذاعة كأعضاء في مجلس حكماء الهاكا، على العكس من ذلك، يتواجد فيها أناس لا علاقة لهم بالتلفزيون، يشرفون ويراقبون ويحكمون على منتوج تلفزيوني أو منتوج إذاعي. وهذه مسألة غير مستساغة، مع العلم أنني لست ضد أن يكون في مجلس الهاكا أستاذ جامعي وأكاديمي وفاعل جمعوي، ولكن يجب أن يكون بالدرجة الأولى المهني. وهذا مؤشر خطير. خمسون سنة ولا زال هذا التلفزيون يجر أعطابه ومطباته، أما آن الأوان لإصلاحه ووضع حد للنزيف الذي ينخر دواليبه؟؟ أما مسألة قلة الإمكانيات المالية، هي ذريعة نحن لا نسمح بها، ذريعة مفتعلة وهذا وهم. لا وجود لشيء اسمه قلة الإمكانيات داخل القطب الإعلامي العمومي، لأنه تبذر الأموال داخل التلفزيون المغربي، في صفقات خيالية مع شركات الإنتاج الوهمية بشكل رهيب وخطير. « وماذا بقي بعد ... الزميل محمد العمراني؟ « المسألة الأقبح التي نعيشها نحن في القناة الثانية، هو تهميش المهنيين «الناس اللي في يديهم الحرفة»، الإدارة تريد أن تشتغل بالصغار والجدد وترفض المهنيين المجربين، الذين لهم سنين وعقود من المهنية والتجربة والخبرة في العمل التلفزيوني. وبالتالي خلقت الإدارة مجموعة من الموظفين الأشباح داخل القناة.الموظفون الأشباح اليوم في القناة الثانية هما نوعان: الموظفون الأشباح الكسالى الذين لا يريدون أن يعملوا، وموظفون أشباح بالرغم منهم.»غير ماتجيش ما نشوفوكش، ما عندنا ما نديرو بيك».عندما يكون إعلامي في رصيده 25 سنة من العمل التلفزيوني والممارسة المهنية، ويتم تهميشه داخل القناة. ماذا نسمي هذا السلوك؟ نريد أن يكون لكل ذي اعتبار اعتبار، لا أقل ولا أكثر. القدس العربي، أجرى الحوار: سعيد فردي