سجل مراقبون تغيير الأسلوب الذي يخاطب به الملك محمد السادس الحكومة، مؤكدين أن الخطاب حدد خارطة المستقبل بالنسبة إلى الحكومة والبرلمان المقبلين، كما إنه حدد المعالم الكبرى، التي ينبغي كسب رهانها في أهم محطة تشريعية في تاريخ المغرب. قال أحمد الزايدي، رئيس الفريق الاشتراكي في مجلس النواب (الائتلاف الحاكم)، إن "الخطاب الملكي يرسم محطتين أساسيتين، الأولى محطة البرلمان الحالي، الذي لا تفصلنا عن نهايته إلا بضعة أسابيع. أما الثانية فهي تحديد آفاق مستقبل يستدرك وجوه الدستور الجديد، في أفق البرلمان المقبل" وأوضح أحمد الزايدي، في تصريح ل"إيلاف"، أن "الخطاب، وإن تحاشى الفصل بين المحطتين، كان واضحًا، ويحمل رسائل توجيهية في اتجاهات عدة، منها تخليق العمل السياسي، الذي هو مرتبط إلى حد كبير بالبرلمان الحالي، ولكن بصفة أساسية التوجّه نحو المستقبل، والاستفادة من ثغرات الماضي في تخليق العمل السياسي" وأبرز رئيس الفريق الاشتراكي أن العاهل المغربي "ركز على شيء أساسي، وهو أن العمل السياسي مهما كانت قيمته، سيبقى مجانبًا للغايات المتوخاة منه، إذا لم يكن يستهدف الإنسان"، مشيرًا إلى أن "في ذلك رسالة إلى كل من يهمّهم الأمر بأن نقائص السياسة، لها تأثير مباشر على تخليق الحياة العامة، وعلى حياة المواطنين، وذلك ما لا يستقيم له الحقل السياسي". وذكر القيادي السياسي أن الملك محمد السادس "رسم في هذا الخطاب خارطة المستقبل بالنسبة إلى الحكومة والبرلمان المقبلين، وحدد المعالم الكبرى، التي ينبغي أن نصل إليها في رهان أساسي، وفي محطة حاسمة من تاريخ المغرب، التي إما أن ننجح فيها، وإما، لا قدر الله، أن نكون قد أفلتنا موعدًا من أهم مواعيد التاريخ: من جهته، قال لحسن الداودي، رئيس فريق العدالة والتنمية في البرلمان (المعارضة)، إن "الناس لم تحس بالخاصية التي ميزت هذا الخطاب. فعادة ما يقول الملك (أمرت الحكومة)، لكن الآن تغير الخطاب الملكي، إذ قال إن الحكومة والبرلمان هما المسؤولان عن السياسة الاجتماعية والاقتصادية، وهذا هو الجديد في هذا الخطاب" وأوضح لحسن الداودي، في تصريح ل إيلاف"، أن "هذا ما جاء به الدستور الجديد"، مبرزًا أن "هناك قطيعة مع الأسلوب الذي كان يخاطب به الملك الحكومة، وهذا الأسلوب يتماشى مع روح الدستور الجديد" لم يكتف الخطاب الملكي بوضع الأحزاب أمام محك حقيقي، يتمثل في المساهمة في تنزيل الدستور، وإنجاح العملية الانتخابية، بل أماط اللثام كذلك عن الاختلالات، التي يجب معالجتها، من أجل النهوض بتنمية البلاد في إطار التلازم ما بين السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي. في هذا الإطار، قال ميلود بلقاضي، أستاذ علم السياسة والتواصل في جامعة الحسن الثاني في الدارالبيضاء، إن "الخطاب الملكي جاء مليئًا بمعجم قانوني وسياسي واضح"، مبرزًا أنه "جاء اقتصاديًا في شكله ومضمونه". وذكر المحلل السياسي، في تصريح ل "إيلاف"، أن "المثير في هذا الخطاب أن الملك لم يخاطب البرلمانيين بممثلي الأمة، بل بأعضاء البرلمان، وفي هذا دلالة عميقة جدًا"، مشيرًا إلى أنه "وضع الأحزاب السياسية أمام محك حقيقي، مؤكدًا أن الخيار الديمقراطي، كما جاء في خطاب الدستور، هو رابع ثابت من ثوابت البلاد". وأضاف ميلود بلقاضي أن "الخطاب، استعمل، عند حديثه عن هذا الخيار، كلمة نادرًا ما ينتبه إليها الباحثون، ألا وهي صيانة الخيار الديمقراطي. بمعنى أن هذا الخيار يمرّ في مرحلة صعبة، إذ إن هذه المكتسبات التي اكتسبها المغرب يمكن أن تحدث فيها تراجعات، وبالتالي المملكة اليوم ليست في زيادة المكتسبات الديمقراطية، بل في تحصين ما هو قائم". وأوضح أستاذ علم السياسة أن "الخطاب الملكي وقف بطريقة غير مباشرة على الوضع الحالي. فالمغرب اليوم يوجد في مفترق الطريق، إذ إن الخيار الديمقراطي أضاف كلمة جديدة، ألا وهي دمقرطة الدولة والمجتمع"، لافتًا إلى أن "هناك فكرة أساسية أتت في الخطاب الملكي، وهي الاعتراف بالاختلالات القائمة، ويكفي أنه استعمل كلمة التصدي لكل أشكال الفساد والرشوة، ثم الريع الاقتصادي. فالملك عندما تكلم عنه فمعنى هذا أن الدولة ما زالت بعيدة عن الشفافية في المجال المالي". وأكد أن "الخطاب كان إيجابيًا ومتفائلاً حين قال إنه بالفعل هناك إكراهات، واختلالات، ولكن إذا كانت الإرادة السياسية موجودة يمكن تجاوز ذلك"، مؤكدًا أن "هذه الاختلالات، التي يعانيها المغرب، لا بد أن تلعب فيها الأحزاب السياسية دور الرحى". وذكر المحلل الاقتصادي أنه "أشار إلى أن الدستور الجديد لا يمكنه وحده أن يحقق أي شيء إذا لم يكن تفعيله أو إنزاله بوساطة أحزاب في المستوى"، موضحًا أن "هذا يؤكد بطريقة مباشرة، أن الانتخابات المقبلة ستكون صعبة بالنسبة إلى الدولة والأحزاب السياسية، لأننا إما أن نربط فلسفة الدستور الجديد بالخيار الديمقراطي، أو أننا سنقوم بقطع العلاقة بين الدستور الجديد والخيار الديمقراطي، في حالة ما إذا كانت المشاركة ضئيلة وضعيفة". أيمن بن التهامي، إيلاف، 15 أكتوبر 2011.