قال باحثون سياسيون واجتماعيون مغاربة إن المغرب، الذي يحتفل اليوم (الخميس) بالذكرى العاشرة لتولى العاهل المغربي الملك محمد السادس الحكم، استطاع أن يحقق العديد من الإصلاحات في ظل العهد الجديد، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن هناك أمورا ما زالت تطرح نفسها بإلحاح في المسار السياسي والديمقراطي والاجتماعي، من أبرزها عزوف الناس عن السياسة وتدني نسبة المشاركة في العمليات الانتخابية وأزمة حكومية وحزبية داخلية. وقال الدكتور سمير بودينار، رئيس مركز الدراسات والبحوث الاجتماعية في الرباط، إن هناك ثلاث ملاحظات أولية بشأن الإصلاحات خلال السنوات العشر الأولى من حكم العاهل المغربي، وهي أن هذه المرحلة عرفت ديناميكية استثنائية، كما أنها تميزت بالقيام بعدد كبير ومتنوع من الإصلاحات، ثم إن «مؤسسة الملك» ظلت هي الفاعل المركزي على صعيدي المبادرة السياسية والتنفيذية. ويقول بودينار إن هناك تحديات أساسية لا تزال تواجه استكمال الإصلاحات الهيكلية وبرامج الأوراش، وهي رفع مستوى التجاوب المجتمعي للفئات الواسعة من المغاربة مع المبادرات المشار إليها، ليس من خلال انطباعات الرأي العام فقط، بل على صعيد المؤسسات مثل معدلات المشاركة السياسية، ومدى الاهتمام بالشأن العام، وتوطيد التماسك الاجتماعي، وتعزيز الإجماع الوطني حول القضايا الأساسية وحدودها، والمزيد من الحرص حول إنفاق المال العام، وفق قواعد صارمة لتعزيز الالتزام الوطني واستخدام الموارد والمرافق الحكومية بطريقة شفافة، ومناهضة ظاهرة الفساد والثراء السريع، وإعادة ثقة المواطن في حكم القانون وسلطة القضاء.ومن جهته، قال ميلود بلقاضي، الباحث والمحلل السياسي، إن الإصلاحات السياسية التي عرفها العهد الجديد أفرزت معادلة متناقضة وهي: ملك يسير بسرعة تجسد إرادة الاستمرار في سياسة الإصلاحات، مقابل حكومة وأحزاب مشغولة بأزماتها الداخلية، مما جعل «العهد الجديد» على حد قوله يعيش تناقضا بين تقدم الإصلاحات السياسية وتراجع السياسات الاجتماعية والاقتصادية.وأضاف بلقاضي أن هذا الأمر يشكل خطرا على الإصلاحات السياسية لأنه في رأيه لا مستقبل للإصلاحات السياسية بدون تنمية اجتماعية واقتصادية فعلية من شأنها تقليص الفجوة بين شعارات وخطابات العهد الجديد والواقع، مشيرا إلى أن الإصلاحات السياسية في حاجة إلى موارد بشرية ومواطنين متشبعين بروح المواطنة والديمقراطية وبقيمها، والممارسون لها هم الذين يبنون أسسها ويسهمون في بلورتها. وشدد بلقاضي على القول، إن الإصلاحات الكبرى خصوصا في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية لا تكون في مستوى التطلعات في واقع ما زال يعاني من الناحية السياسية عدم توازن بين المؤسسات والسلطات، ومن الناحية الاقتصادية الاستمرار في اقتصاد الريع والرشوة وعدم المحاسبة والعقاب. ويرى بلقاضي أن أهم تحديات العهد الجديد، الحفاظ على المكتسبات والإسراع في وتيرة إصلاح السياسة الاجتماعية والاقتصادية، وترسيخ ثقافة تكافؤ الفرص، لأن مغرب اليوم ليس من مصلحته العودة إلى الوراء، ومضى يقول «بقدر ما كان العهد الجديد جريئا في المصالحة مع ماضيه فإنه يملك الإمكانيات والقدرات للتصالح مع حاضره ومستقبله على أسس تعاقد جديد».وقال حسن قرنفل، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع السياسي، إن عشر سنوات من حكم العاهل المغربي، اتسمت بتركيز أسس دولة ديمقراطية وحداثية من خلال القرارات والإجراءات التي اتخذت في هذا الاتجاه، ولا سيما في المجال الاجتماعي والحقوقي والسياسي، وضمنها مثلا قانون الأسرة، الذي منح المرأة مجموعة من الامتيازات في إطار العلاقة الزوجية، منها تقنين تعدد الزوجات وتغيير إجراءات الطلاق، ومنح المرأة المتزوجة من أجنبي حق منح الجنسية المغربية لأبنائها. ولاحظ قرنقل أن المرأة أصبحت تتقلد جميع المناصب سواء وزيرة أو سفيرة، أو برلمانية، أو منتخبة أو قاضية أو عمدة ورئيسة مجلس بلدي.وبخصوص حقوق الإنسان، أشار قرنقل إلى أن تجربة «هيئة الإنصاف والمصالحة ستبقى تجربة رائدة حيث تم فتح ملف انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي، ونظمت لهذا الغرض جلسات استماع لضحايا التعذيب من طرف أجهزة الدولة وتم دفع التعويضات المادية للضحايا».يشار إلى أن هذه الهيئة تشكلت بمبادرة من العاهل المغربي ودرست جميع حالات الاغتيال السياسي والاعتقالات وتعذيب المعتقلين.وقال قرنفل إن «المفهوم الجديد للسلطة الذي جاء به العهد الجديد أتاح للمواطنين إمكانية مقاضاة مختلف مسؤولي الدولة في المحاكم الإدارية دفاعا عن حقوقهم وأتاح بالتالي صدور أحكام لصالح الناس ضد الولاة والعمال (المحافظين) وبعض الوزراء أيضا».وفي سياق الأمور الإيجابية التي طبعت الفترة الماضية يقول قرنفل: هناك مسألة أضحت ثابتة في الممارسة السياسية في المغرب وهي إجراء الانتخابات في مواعيدها ودون تأجيل، عكس ما كان يحدث في الماضي، وأصبحت الدولة تلتزم بالحياد بين المتنافسين، وهو جعل جميع الأحزاب تتقبل نتائج هذه الانتخابات دون اعتراض، واللجوء عند الضرورة إلى المجلس الدستوري، أو المحاكم الإدارية من أجل البت في النزاعات.ولاحظ قرنفل أن هناك نقطة غير مضيئة في العهد الجديد، وهي نسبة المشاركة الشعبية الضعيفة في الانتخابات، التي ما زالت دون التوقعات، رغم كل التطمينات التي عملت على ضمان إجراء العمليات الانتخابية في أجواء من الشفافية والنزاهة.ومن الأمور التي تدعو للإحباط، والتي يمكن تسجيلها في هذه المرحلة، كما يعتقد قرنفل، أن الطبقة السياسية ممثلة بالخصوص في الأحزاب، لم تكن وتيرة الإصلاحات التي تقوم بها داخل هيئاتها، تتحرك بنفس وتيرة الإصلاحات التي دعا إليها العهد الجديد، «هذا التباطؤ أحدث نوعا من الاختلال بين طموحات الإرادة الملكية والواقع الفعلي للممارسة السياسية».دنيا الوطن