تلجأ أسر مغربية عديدة إلى شواطئ نائية تقع على أطراف المدن، أو مناطق خالية في بعض الشواطئ، من أجل الاستجمام بعيداً عن أعين الفضوليين والاختلاط بين الجنسين الذي تتسم به أغلب شواطئ البلاد. علماً أن التصور الرسمي للدولة المغربية يشدد على نموذج واحد لجميع المغاربة في ما يخص استغلال الفضاءات العامة، وبالتالي فهي لا تقبل بتخصيص شواطئ ذات مواصفات معينة باجتهادات خاصة من بعض الأسر التي لها سلوكيات “محافظة”، بحسب ما يؤكد خبراء اجتماعيون. وسبق أن أنجز باحثون دراسة حول الممارسات الدينية في البلاد، ليتوصلوا إلى أن حوالي 57.4% من المغاربة يعارضون الاختلاط بين الجنسين على الشواطئ المغربية.
ومن أبرز تلك الشواطئ البديلة التي تلجأ إليها الأسر المحافظة للابتعاد عن مشاهد العري، يوجد شاطئ “عين قديدة” بمدينة الدارالبيضاء، وشاطئ “المنصورية” بالقرب من مدينة المحمدية، وشاطئ “كرام الضيف” بمدينة الوليدية وغيرها. وبدأت ظاهرة “الشواطئ البديلة” في الظهور بالمغرب عام 1998 حين بادرت جماعة العدل والإحسان الدينية، والمحظورة رسمياً، بإقامة ستة مصايف خصص بعضها للأسر، وبعضها الآخر للعزاب وأخرى للنساء اللواتي يسبحن بملابسهن بعيداً عن الأنظار. ولاقت التجربة ترحيباً كبيراً بين المتعاطفين مع الجماعة أو حتى بين آلاف الأشخاص المتدينين الذين لا يرغبون في الاصطياف في شواطئ تشهد الاختلاط بين النساء والرجال. وبلغ عدد المصطافين وقتها أكثر من 120 ألف شخص. لكن عام 2000، اتخذت السلطات قراراً بمنع تلك المخيمات الصيفية التي نظمتها جماعة العدل والإحسان، بدعوى أنها تنشر الفئوية بين أفراد المجتمع الواحد وتثير عوامل الانقسام بينهم، فضلاً عن ضرورة أن تكون الشواطئ مجالات للترفيه أمام جميع المغاربة والسياح دون استثناء. وبرر الباحث الاجتماعي عبد اللطيف مقران هذا التوجه نحو شواطئ “بديلة” بأمرين اثنين قد يبدوان متناقضين. أولهما تفشي ظاهرة العري الفاحش أحياناً في العديد من الشواطئ، وهو ما يحرج العديد من الآباء والأمهات رفقة أبنائهم وبناتهم. أما العامل الثاني فيتمثل في تداعيات موجة التدين “المتفتح” التي تغزو الكثير من الأسر داخل المجتمع المغربي. واعتبر لجوء العديد من الأسر إلى الشواطئ النائية والبعيدة من أجل الاستجمام أنه ليس اختياراً بل هو اضطرار بالنسبة إليهم، كونهم لا يجدون المصايف التي تتماشى وطبائعهم المحافظة التي ترى في الاختلاط بين الجنسين أمراً مذموماً. وأوضح مقران أنه بغض النظر عن الحكم القيمي حول هذا التوجه سواء بالقبول أو الرفض، فإن هذه الأسر المحافظة من حقها فعلاً أن تحظى باستجمام يناسب ميولها السلوكية بشرط احترام القوانين العامة، مضيفاً أن توفير شواطئ نسائية أو شواطئ بديلة تراعي مطالب هذه العائلات قد يكون أمراً إيجابياً.
وأبرز الخبير الاجتماعي الدكتور حسن قرنفل أن التوجه الرسمي للبلاد لا يعطي الانطباع أبداً بأن هناك صنفين أو نموذجين من المغاربة، الأول له سلوك محافظ والثاني منفتح ويحظى برؤية خاصة للحياة، وبالتالي يمكن تقسيم الفضاء العمومي بينهما. وزاد قرنفل أن التصور الرسمي للدولة يشدد على أن هناك نموذجاً موحداً لجميع المغاربة في ما يخص استغلال الفضاءات العامة ومن ضمنها الشواطئ، على أن تكون شروط استخدامها تتسم بالاحترام ومضمونة لجميع الناس. والسؤال الذي يتم طرحه في هذه القضية هو هل يسمح هؤلاء الأشخاص، الذين يريدون اتخاذ شواطئ خاصة بهم يمارسون فيها الاستحمام والسباحة بالشكل الذي يرونه صائباً دون اختلاط؛ للآخرين باقتحام فضائهم الخاص في الشاطئ للسباحة والاستحمام مثلهم؟ أم سيفرضون شروطاً معينة على تواجدهم؟. هنا الخشية، يؤكد قرنفل، من تحويل شواطئ وفضاءات عمومية إلى أماكن خاصة لا يتم الدخول إليها إلا بشروط من قبل أفراد محددين لهم رؤية معينة لمسائل الاستحمام واللباس وغير ذلك من الأمور التي ترتبط بارتياد الشواطئ خلال الصيف. وخلص قرنفل إلى أن الدولة لا تقبل بتخصيص شواطئ ذات مواصفات ومعايير معينة باجتهادات خاصة من بعض الأسر التي لها سلوكيات محافظة، كونها ترى في ذلك نوعاً من الفئوية واحتكاراً للشواطئ من طرف فئات محددة من المجتمع المغربي.