حسابك تم تعطيله، إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات، يمكنك زيارة صفحة الأسئلة الشائعة”، فوجئت بهذه الجملة المقيتة أثناء محاولتي لدخول حساب الفيس بوك الخاص بي منذ أيام، بالطبع تضايقت من الأمر كثيراً لأنني مثل العديد من الشباب في هذا العالم أصبحنا نحتاج للدخول إلى هذا الموقع بصفة دورية لأسباب ترفيهية أو حتى لأسبابٍ تتعلق بالعمل أو التواصل مع الزملاء. حاولتُ جاهداً أن أخمن ما هو سبب هذا الأغلاق الذى يتكرر معي للمرة الثانية فلم أستطع أن أجدَ سبباَ مقنعاَ. أرسلتُ برسالة احتجاجية شديدة اللهجة لإدارة الموقع استنكرُ فيها هذا العدوان الغاشم على حريتي و آرائي و قناعاتي الشخصية، بعد عدة أيام وصلتني رسالة من إدارة المستخدمين بالفيس بوك و هذا نصها: “مرحبا محمد ، من الأولويات الرئيسية لدينا راحة و سلامة مستخدمينا. تم تعطيل حسابك لأنك تشارك في سلوك تم الإبلاغ عنه من قبل بعض المستخدمين، وهو يشكل انتهاكاً للإتفاقية التى قمت بالتوقيع عليها عند تسجيلك على الفيس بوك ، هذا السلوك يشمل الرسائل غير المرغوب فيها ، وطلبات الصداقة و غيرها. نحن لن نقوم بإعادة تنشيط حسابك لأي سبب من الأسباب. هذا القرار نهائي. شكرا لتفهمكم “. صراحة عندما رأيتُ هذه الرسالة شعرتُ بغضبٍ عارمٍ، أعلم علم اليقين أنني لم أستخدم حسابي على الفيس بوك مطلقاً في أي شيء مما قيل في تلك الرسالة الغريبة، جلّ ما فعلته هو التواصل مع زملائي وأصدقائي. الآن اكتشفتُ حقيقة كانت غائبة عني و هي “أن مواقع مثل الفيس بوك لن تستمر و تتجنب الحجب فى كل دول العالم إلا إذا قامت بالتنسيق المباشر أو غير المباشر مع القيادات السياسية و الأمنية فى هذه الدول”. من قبل كنتُ أرى أن مثل هذه النظريات غير صحيحة، فالجميع يقول ما يريد بلا أيّة قيود على التعبير عبر الإنترنت، ولكن الآن من الواضح لدي أنّ حرية التعبير على الإنترنت أصبحت مقيدةً بقيود كثيرة، فالدول و الحكومات خاصة العربية منها لا تجدُ حرجاُ في أن تقوم بحجب المواقع الإلكترونية التي تعلو من خلالها أصواتٌ معارضةٌ لها لا يمكن السكوت عنها. وبطبيعة الحال فإن أنسب وسيلة هي حظر هذه المواقع من على شبكات الإنترنت الوطنية. مواقع مثل الفيس بوك و اليوتيوب و تويتر و غيرها، بل وحتى موقع الجزيرة توك، كلها مواقع محجوبة في بعض بلادنا العربية، وفي الأغلب السبب هو عدم رضا تلك الدول عن تلك المواقع. فموقع اليوتيوب محجوب في السعودية، و في تونس تم حجب موقعي الجزيرة توك و الجزيرة نت فى فترة الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، كما أنّ موقع الفيس بوك منذ فترة محجوبٌ في سوريا بأمرٍ من وزارة الإتصالات. بل إنّ الأمرَ تعدى الدول العربية، ففي كندا قامت الحكومة المحلية فى أونتاريو الكندية بحجب الفيس بوك من على شبكتها الحكومية المحلية، كذكلك فعلت بعض الوزارات فى استراليا، و بعض الجامعات الأميركية مثل جامعة نيو مكسيكو، ولكنّ أسباب الحجب في هذه الدول مختلفة عن تلك في بلاد العرب، فينما دوافع حكوماتنا تتمثل في إغلاق أية منابر قد تتيح للمعارضين التعبير عن آرائهم، فإنّ السبب في كندا واستراليا هو المحافظة على سرية المعلومات الحكومية و منع استغلال المواطنين. و برغم هذا كلّه يظل الفيس بوك محتلاً مكانةً مرموقةً في عالم الإنترنت، فخلال ثلاث سنوات من إنطلاقه رسمياً في شهر فبراير عام 2004 تحول هذا الموقع لواحدٍ من أشهر المواقع العالمية. ويحتل منذ عام 2008 مركز الصدارة بين المواقع الأكثر شعبيةً في معظم الدول العربية. كما يُقدّرُ عدد مشتركي الموقع بستين مليوناً من أنحاء العالم، و يحتل هذا الموقع حاليا المرتبة السابعة عالمياً من حيث عدد الزوار. إذن لكي تتفادى مواقع مثل موقع الفيس بوك أي إغلاقٍ أو حجبٍ يؤثرُ على مكانتها المرموقة، فإنها تقومُ بإغلاق حسابات من يتعدوا الخطوط الحمراء و يكون لهم نشاطٌ متزايدٌ على هذا الموقع. لا أتحدث عن نفسي بصفة خاصة ولكن هناك العديد من الصحفيين و النشطاء السياسيين و غيرهم يتم إغلاق حساباتهم دون أسبابٍ مقنعة. قد يقول البعض أن هذا التوجه من قبل إدارة الفيس بوك هو توجهٌ طبيعيٌّ يحافظ على استمرارية الموقع، خصوصاً و أن الموقع تتزايد أهميته يوماً بعد يوم، حيث أصبحت النقاشات الدائرة عليه يومياً مثار اهتمام الصحف و البرامج التلفزيونية، و المبادرات الشعبية و الشخصية عليه تلاقي قبولاً و اهتماماً واسعيْن على كافة المستويات. ولكن على الجانب الأخر يرى البعض أن هذا التوجه يتناقض مع حرية التعبير المزعومة على الإنترنت عموماً و على الفيس بوك خصوصاً. الغريب في اتفاقية الشروط التي يوقع عليها كل من يدلف لهذا الموقع هو أن أحد بنودها ينص على أن لإدارة الفيس بوك الحق في استخدام كل المعلومات التي يضعها المشترك على الموقع بالطريقة التي تراها الإدارة مناسبة سواء بتحليلها إحصائياً، سياسياً أو اجتماعياً، أو بتزويد جهات أخرى مثل الشركات التجارية بهذه المعلومات ( و بالطبع فإنّ الجهات الأمنية من ضمن هذه الجهات الأخرى)! إذن قد يصل البعض إلى قناعة أنّ حرية التعبير الفيس بوكية أصبحت سراباً لا تكاد العين تراه، بل تحول الفيس بوك إلى أداة ديكتاتورية تطبق قوانين جائرة و تصدر أحكاماً بإغلاق الحسابات بدون أسباب منطقية، وبدون حتى إعطاء الحق باستئناف هذه الأحكام. على كلٍ هذا الإغلاق التراجيدي لحسابىي على الفيس بوك جعلني أنتبه إلى أنّ الفيس بوك في الحقيقة كان و سيظل موقعاً اجتماعياً ترفيهياً لا علاقة له بالسياسة و أحاديثها، هذا الإغلاق جعلني انتبه لمواقع أخرى مثل تويتر الذي كان لبرنامج منبر الجزيرة الفضل في حبي له. لا أراكم الله مكروهاً في “حساب الفيس بوك” خاصتكم ، ورحم الله حرية التعبير على الإنترنت !