كاد رسم كاريكاتوري بالصفحة 18 لجريدة “لوموند” يوم الخميس 16 يوليوز 2009 أن يمنع دخول هذا العدد إلى المغرب، فبعد أن وصل العدد، كان على شركة توزيع الصحف “شوسبريس” أن تنتظر حتى الحصول على إذن بالتوزيع من وزارة الاتصال. تأخر الرد، جعل الشركة تعتقد أن الدولة اتخذت قرارًا بعدم السماح بتوزيعه داخل مدن المملكة، لكن الوزارة سمحت في الأخير للشركة بتوزيع العدد. هذا التأخر جعل بعض الصحف المغربية تتحدث عن تدخل جهات عليا في الموضوع، لكن وزارة الاتصال نفت ذلك جملة وتفصيلاً، وأوضحت في بيان لها يوم الجمعة 17 حزيران أن ما نشرته يومية “أخبار اليوم” المغربية مجرد “ادعاءات”، وأعربت الوزارة عن استغرابها للجوء الجريدة المذكورة إلى إقحام جهات عليا (القصر الملكي) في موضوع هو من صميم الاختصاصات والمهام الموكولة إلى وزارة الاتصال، طبقًا للقانون الآنف الذكر. لكن ماذا جاء في هذا الكاريكاتور، حتى يثير هذه الضجة؟ الكاريكاتور لملك المغرب محمد السادس، يحمل بيده مفتاح المملكة المغربية، وهو رسم موقع من الفنان الفرنسي كليز. لا يبدو الرسم قاسيًا في حق الملك، كما أنه لم يلجأ إلى التقليل منه، لذا فقضية تأخير توزيع الصحيفة بهذا الرسم غير مقنع، لذا وجب إلقاء نظرة على مقالات الملف الخاص. يتضمن الملف مقالاً افتتاحيًا للصحافي جون بيير تيكوا ومقالاً تحليليًا للصحافي نفسه وربورتاج للصحافية فلورانس بوجي عن تعايش البورجوازية والفقر في المغرب، إضافة إلى مقالين اثنين واحد ينتقد السنوات العشر لحكم الملك محمد السادس للصحافي بوبكر الجامعي (أنظر نص المقال) وآخر لإدريس اليازمي رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج. المقال الثاني يشيد بما تحقق خلال السنوات العشر الأخيرة. يبدو أن ما أثار صناع القرار في المغرب هو مقال بوبكر الجامعي وجون بيير تيكوا، ففي عدد الجمعة 17 حزيران، نشرت يومية “لوماتان” المغربية الصادرة بالفرنسية والمقربة من القصر، افتتاحية، هاجمت فيها بقسوة الصحافيين معا. ردت على المقالين منتقدة تراجع اليومية الفرنسية ونشر مقالات مماثلة. في جريدة “هيسربيس” المغربية، شن مغربي هجوما على بوبكر الجامعي وعلى أبيه الصحافي المعروف خالد الجامعي (كان بعث إلى الملك الأسبوع الماضي، عبر الصحافة، رسالة ينبهه فيها إلى ما يعرفه المغرب من تراجعات في الصحافة). محمد مشهوري، كاتب المقال، اعتبر خرجات الجامعية الإعلامية تدخل في إطار “سعي لوبيات سياسية و إعلامية واقتصادية إلى التأثير على احتفاء المغاربة بالذكرى العاشرة لجلوس ملكهم على العرش،ومحاولتها(اللوبيات)طمس حقيقة ما عرفه المغرب خلال العشر سنوات الأخيرة من ثورة حقيقية على جميع المستويات والأصعدة”. وأضاف أن “لا الوالد، وما ولد، بمؤهلين بتلقين المغاربة دروسًا في الوطنية لأن الشعب المغربي الحر ما يكفي من الفطنة والنباهة لكي يواصل الانخراط في مشروع مجتمعي كبير يقوده ملك شاب عظيم”. —————————- هذا هو المقال الذي نشره الصحافي المغربي المعروف بوبكر الجامعي، ناشر مجلة “لوجورنال” سابقا، والمقيم حاليا في إسبانيا، في جريدة “لوموند” يوم الخميس 16 حزيران 2009. وقد نشر في ملحق خاص عن المغرب حمل اسم “محمد السادس، عشر سنوات من الحكم”. نص المقال الذي ترجمته “الجريدة الأولى” المغربية ونشرته بتزامن مع “لوموند” لكون الجامعي واحد من عشرات المساهمين في هذه اليومية المغربية الجريئة. ليست المملكة المغربية بلدا ديمقراطيا يكفي، للاقتناع بذلك، قراءة الدستور، أو ملاحظة العادات والأعراف السياسية المعمول بها داخلها.. هناك رأيان سائدان حول الغاية من وراء تحقيق ليبرالية سياسية.فالبعض يعتبر أنّ المغاربة لم يبلغوا سن الرشد لكي يستحقوا الديمقراطية : أي أن استقرار وتنمية المملكة يتطلبان تسيير الدولة بين من حديد. إنّها أسطورة الاستبداد العادل. ثم هناك أولئك الذين يعتقدون أن بناء المؤسسات الديمقراطية يمر عبر مرحلة انتقالية ، وخلال هذه المرحلة ، يتعين على الملك تخصيص جزء من سلطته لصالح ليبرالية متدرجة ومطمئنة للمؤسسات .مع هذه المقولة الثانية ، نحن دائما داخل مفهوم المستبد العادل . سوى أنه من المفروض في الملك ، المترفع والمنشغل بخدمة المصلحة العامة ، المساهمة الفعالة في دمقرطة البلاد. ثمة إجماع ضمني ، بدأ منذ التسعينيات : مفاده أن الجميع يقبل بنية الحكم الفردي للمؤسسات ، لكن فقط مقابل التزام الملكية بالقيام بخطوات نحو انفتاح النظام .صحيح أنه انفتاح تدريجي ، غير أنه حقيقي. فضمن هذه الروح عرض الملك الحسن الثاني على المعارضة الاشتراكية دخول الحكومة ، وضمن هذه الروح قبلت هذه الأخيرة العرض .فهل احترم محمد السادس بنود هذه الالتزامات ، بعد انقضاء عشر سنوات على تربعه عرش البلاد؟ إن القيام بتحليل جدي للوقائع لا يسمح سوى بإجابة واحدة : كلا ، لم يلتزم بذلك. إن التحديث السياسي بالمغرب يقاس بواسطة مقياسين اثنين : إصلاح المؤسسات ، وتوسيع الفضاء العمومي –بما أن الفاعلين الاجتماعيين أصبحوا مستقلين ومتمتعين بحرية التعبير . فبالنسبة للمؤسسات ، تعتبر حصيلة العشر سنوات المنصرمة ، بكل بساطة ، منعدمة . لاشي تحقق من اجل مباشرة إصلاح دستوري. بل الأدهى من ذلك أن إشارة موضوع الإصلاحات الدستورية في نظر الملكية ، يصل إلى حد اعتباره قذفا وتجديفا ، ويعرض الداعين إليه إلى التهميش السياسي ، وإلى هجمات وسائل الإعلام التي تتلقى الأوامر. وبخصوص توسيع الفضاء العمومي ، فإن حصيلة ” العهد الجديد” هي في أحسن الأحوال متواضعة . فالمجتمع المدني الذي يعتبر ديناميا للغاية ومستقلا ، وجد فضاءه الحيوي يتقلص. ما هو سلاح الملكية؟ إنها مؤسسة محمد الخامس . هذه المؤسسة التي أنشأها الحسن الثاني سنة 1997، وجدت نفسها مضاعفة القوة من خلال التنظيم السنوي لحملة أطلق عليها حملة التضامن الوطني . ويتعين على المغاربة دفع مساعداتهم لهذه المؤسسة مباشرة . لكي تتولى إعادة توزيعها على المنظمات غير الحكومية ” التي تستحقها” . لا جدوى من إضافة أن المنظمات التي تعتبر مفرطة في استقلاليتها إلى حد ما ، يتم إقصاؤها. نفس العملية تصدق على عالم الأعمال ، وهو ميدان آخر تجاوز فيها الابن والده . فالملك اليوم، بصفة شخصية ، هو البنكي الأول ، والمُصنّعُ الأول ، والمؤمن الأول في البلاد. ذلك أن وضعيته الاعتبارية كرئيس للدولة ، محمي من طرف الدستور ، تجعل كل من ينوي منافسته ، يحسب ألف حساب قبل الإقدام على أية خطوة .لا يهم هنا مسألة مفهوم المقاولة الحرة ، والآثار الإيجابية للمنافسة بالنسبة للمستهلك. ليس هذا كل شيء . فواحدة من الظواهر الأساسية التي برزت للوجود في السنوات الأخيرة من حكم الحسن الثاني هي : عملية إعطاء الاستقلالية للباطرونا المغربية . هذه العملية ثم قلبها اليوم عن طريق معاقبة منظمتهم الرئيسية : الكونفدرالية العامة للمقاولات المغربية. لقد تقلصت الساحة الكبرى : لم يعد المغاربة يقرؤون الصحف كثيرا ، ولا يشاركون كثيرا في الانتخابات. فهل ينبغي ، إذن ، أن نُلقي كل شيء من هذه السنوات العشر على حكم الملك محمد السادس؟ ربّما يكون الجواب بالنفي. لقد كانت له اندفاعات تحديثية كثيرة . غير أنه بالنسبة لكل واحدة من هذه المبادرات ، كمْ كانت هناك من تدخلات سلطوية! إن الآثار الإيجابية لإصلاح وضعية المرأة ، مثلا ، وهو إصلاح في غاية الأهمية ، يحد منها بشكل خطير النظام القضائي المرتشي بصورة عميقة. الصَّمْتُ والتواطؤاتُ إن تأثير عمل هيئة الإنصاف والمصالحة ، التي من المفروض فيها تسليط الضوء على أشكال المسّ بحقوق الإنسان في عهد الحسن الثاني ، ثم تذويبه بشكل كبير. من جهة بسبب الحدود المفروضة على مهمتها ، مثل منع نشر وتعميم محاضر التحقيقات ، ورفض الإدلاء بأسماء الذين مارسوا التعذيب ، ولا حتى متابعتهم قضائيا. ومن جهة ثانية ، بسبب استمرار ممارسة التعذيب . وقد نشرت كل من “منظمة أمنستي الدولية” و”المرصد الدولي لحقوق الإنسان” ، تقارير تكشف عن وجود نركز سري للتعذيب ، يبعد بكيلومترات قليلة عن القصر الملكي بالرباط. وأخيرا ، هناك الحرب المسعورة ضد الصحافة المستقلة ، والمتمثلة في أشكال المنع ، والرّدع القضائي ، والمقاطعة الإشهارية. لقد بدأت هذه الهمينة الملكية تبعث على القلق بصورة جديّة. فكيف السبيل إلى تحديث البلاد وضمان استقرارها في ظل وجود وسطاء اجتماعيين بهذه الدرجة من انعدام المصداقية ، وفي ظل غياب كفاءات في محيط الملكية؟ الجواب : هو أنه يجب أن تستعيد النُّخب مصداقيتها فسواء كانت نُخبا سياسية أو اقتصادية ، فإنه ينبغي عليها أن تتخلى عن مواقفها السلبية تجاه الملكية ، وأن تبين لها مكامن تقصيرها. فإذا كانت قد استأثرت بفضاء أكبر ، فذلك لكون النخب والأحزاب السياسية سمحوا لها بذلك بصمتهم وتواطؤاتهم .كما يجب عليهم أن يتوقفوا عن انتظار أن تُدير الملكية النقاشات الأساسية : فبما أنها تتصرف أولا من أجل الحفاظ عل قوتها ، فلا يمكن أن تكون نزيهة. إن الكرة توجد ، بشكل واسع ، في ملعب هذه النخبة اليسارية التي اتفقت مع الحسن الثاني. وبالتالي فإن النهوض بالقيم التقدمية لا يمكن تحقيقه بالاختباء تحت جلباب ملكية لا تحترم كثيرا دولة الحق. لقد آن الأوان لانطلاق نقاش كبير يكون موضوعه هو ما يسميه الدستوريون “لحظة دستورية” : يجب على النخب التقدمية قبول السيادة الشعبية ، ولا ، ينبغي لهذه النخب استبعاد إمكانية ( غير المتحققة على كل حال) أن ترى الفاعلين الجدد ، أي الإسلاميين ، ينجحون في الانتخابات ، ويدخلون إلى دواليب الدولة. وعلى الإسلاميين ، من جهتهم ، الالتزام بصيانة الحريات السياسية والدينية والثقافية للمغاربة . وفي أحسن الحالات ، من شأن هذه العملية أن تحظى بدعم من الملكية . نأمل أن يظل هذا ممكنا). (* جريدة ايلاف)