بقلم: عبد الحق بلشكر (أخبار اليوم) ينتظر الجميع تاريخ 20 ماي لرفع حالة الطوارئ، والخروج من الحجر الصحي. أعلنت الحكومة أنه يجري إعداد خطة للرفع التدريجي للحجر، فكيف سيحدث ذلك؟ هل سيُرفع الحجر عن المناطق والمدن التي تعرف استقرار الحالة الوبائية، مقابل استمرار الحجر على المناطق التي تشكل بؤرا؟ وهل ستفتح المساجد والمدارس والمحلات التجارية والمهن الحرة؟ لا نعرف، إلى حد الآن، كيف ستكون خطة الخروج؟ لكن، من المؤكد أن رفع الحجر سيكون تدريجيا، وحياتنا بعد الحجر ستكون مختلفة. أتصور أن يستمر إغلاق المدارس والمساجد في مرحلة أولى، وستعطى الأولوية لعودة النشاط الاقتصادي، مع احترام التدابير الاحترازية. لكن لا أحد يعرف كيف ستتطور الحالة الوبائية في المغرب في أفق 20 ماي، بعدما سجلت بلادنا أزيد من 4000 إصابة و161 وفاة، إلى حدود صبيحة يوم الاثنين 27 أبريل. لكن هناك عدة مؤشرات إيجابية رغم السلبيات المقلقة. من المؤشرات الإيجابية، تراجع عدد الوفيات، حيث بدأنا نسجل وفاة واحدة إلى ثلاث كل 24 ساعة، في وقت كنا نسجل فيه أحيانا أكثر من 10 وفيات، وانتقلنا من نسبة تقارب 7 في المائة من الوفيات، إلى حوالي 4 في المائة. مع الأسف، لم تعد وزارة الصحة تقدم تفسيرات لهذه الوفيات، بعدما كانت تشير إلى عامل السن والإصابة بالأمراض المزمنة باعتبارها عوامل مساعدة للفيروس على الفتك بالإنسان. لكن، أخيرا، تحدث وزير الصحة عن أهمية الكشف المبكر عن الحالات، ودوره في الحد من خطورة الإصابة، أي أنه يمكن أن نكون أمام حالة حرجة لشخص غير متقدم في السن وغير مصاب بأمراض، لكن تأخر اكتشاف إصابته، قد يؤدي إلى هلاكه. ثانيا، هناك مؤشر إيجابي يتعلق بخطورة الإصابات، حيث إن 80 في المائة من المصابين في المغرب إصابتهم «بسيطة»، ولا تبدو عليهم أي أعراض، فيما 15 في المائة إصابتهم «حميدة»، و5 في المائة فقط في وضعية «حرجة» تتطلب الإخضاع للإنعاش. والمؤشر الثالث الإيجابي هو ارتفاع عدد المتعافين من الفيروس، ففي يوم الأحد الماضي 26 أبريل، سجل تعافي 56 شخصا مقابل وفاة شخصين، وفي صبيحة الاثنين وصل عدد المتعافين إلى 76 حالة ولم تسجل أي حالة وفاة. يمكن تفسير ذلك بعدة أسباب، منها الاكتشاف المبكر للفيروس بفضل زيادة التحاليل المخبرية وسط المخالطين، واستعمال دواء الكلوروكين، والحجر الصحي الذي يلتزم به كبار السن والمرضى أكثر من غيرهم، ما قلل إصابتهم. لكن هناك مؤشرا سلبيا مقلقا، يتعلق بظهور بؤر وبائية بشكل مفاجئ، مثل ما حدث في بعض المعامل في الدارالبيضاء، أو في سجن ورزازات الذي سجل وحده حوالي 260 إصابة، أو في وحدات صناعية أو تجارية في طنجة وفاس. أسهمت هذه البؤر وحدها في رفع عدد الإصابات بشكل كبير، ما يطرح إشكالية الالتزام بالتدابير الوقائية في أماكن العمل. وعموما، فإن معظم المدن المغربية تعرف استقرارا بفضل الالتزام بالحجر الصحي، وهناك تحكم في العدوى، لكن ظهور البؤر يطرح تحديا كبيرا، ففي جهة الدارالبيضاء وحدها وصل عدد الإصابات إلى 1000 إصابة، كما أن 80 في المائة من الإصابات سجلت في ثلاث جهات فقط، هي الدارالبيضاءسطات، مراكش-آسفيوطنجةتطوان، بسبب البؤر. فهل هذه المؤشرات مجتمعة كافية للتشجيع على اتخاذ قرار رفع الحجر الصحي في 20 ماي، أم يجب انتظار الوصول إلى أعلى مستويات انتشار الفيروس ليبدأ في التراجع؟ معظم الدول التي بدأت في رفع تدريجي للحجر لم تقض نهائيا على الفيروس، مثل الصين وإسبانيا وألمانيا، لكنها سجلت تراجعه والتحكم في انتشاره، فقررت العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية مع الالتزام بالتباعد الاجتماعي. فرغم الخسائر الكبيرة في الأرواح، فإن الخسائر الاقتصادية تتفاقم أيضا، وتنذر بوضع أخطر، وهناك من بدأ يتساءل: «كيف نضحي بالاقتصاد من أجل بضع مئات من الموتى؟». إلى حد الآن، لا أحد يملك جوابا عن موعد اختفاء الوباء، لأن المعرفة بهذا الفيروس ليست كاملة. أحيانا يصاب شخص فيعدي آخرين، وأحيانا لا يعدي أحدا، كما أن طريقة انتشار الفيروس مازالت محل جدل، بين من يقول إنه ينتقل عبر لمس الأنف والعين والفم فقط، ومن يؤكد أنه ينتقل عبر استنشاقه من الهواء، كما أن كشف الفيروس يحير الأطباء أحيانا، فقد يأتي الكشف المخبري سلبيا، ثم يتضح أن الشخص مصاب في كشف ثانٍ، أو العكس، قد يكشف التحليل المخبري أن الشخص مصاب، ثم سرعان ما يتبين من كشف ثانٍ أنه غير مصاب. لكن المؤكد أن المناعة لها دور أساسي في القضاء على الفيروس. فكثير من الناس قد يصابون ولا تظهر عليهم أعراض، ثم يتعافون دون أن يشعروا بذلك، لكنهم قد ينقلون المرض إلى آخرين تظهر عليهم أعراض. وقد لوحظ، بعد رفع وزارة الصحة عدد التحاليل المخبرية يوميا، أن نسبة كبيرة من الأشخاص المصابين لم تظهر عليهم أي أعراض.. سيكون علينا، إذن، أن نكيف حياتنا مع الفيروس بعد 20 ماي، بالالتزام بالتباعد الاجتماعي، ووضع الكمامات، والنظافة، ومختلف التعليمات الصحية إلى أن يختفي، وفي الوقت نفسه، إطلاق حوار وطني حول كيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية التي ستتفاقم بعد الجائحة.