عشية المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية، وبعد ستة أشهر من ترؤسه للحكومة، لوّح سعد الدين العثماني بإمكانية استقالته من رئاسة الحكومة، ومن رئاسة المجلس الوطني للحزب إذا كانت وحدة حزبه «مهددة». تلويح العثماني ألقاه في لقاء داخلي للحزب بمكناس، بمناسبة المؤتمر الانتدابي للحزب لاختيار أعضاء المؤتمر، ثم أعاد نشر مقتطفات من كلمته على حسابه «تويتر» و»الفايسبوك»، في إعادة تأكيد لتصريحاته، وتوضيحا لها كذلك. ما دفع إلى التساؤل حول ما إذا كان الخطاب موجها إلى أعضاء حزبه عشية المؤتمر الثامن أم إلى حلفاء العثماني في الأغلبية، وإلى الرأي العام؟ مرافعة العثماني بالرجوع إلى مداخلته، قدّم العثماني مرافعة سياسية حول خياره السياسي، انطلق فيها من القول إن حزب العدالة والتنمية «ظلم في مراحل معينة»، مشيرا إلى «التزوير» الذي تعرض له عقب انتخابات 1997، قبل أن يعود سريعا إلى وقائع «البلوكاج» الحكومي، الذي وصفه ب»التوقيف والعرقلة»، والتي أفضت إلى إعفاء بنكيران بقرار ملكي. وقال العثماني «إن قرار إعفاء بنكيران كان مؤلما، وأدى إلى عدم الرضا داخل الحزب، لكننا مضينا في طريقنا وفاء لمنهج الحزب في التوافق، والمشاركة، وسقف الوطن أعلى من أي سقف آخر»، مؤكدا أن «الصراعات بيننا لا تسمح لنا بهدم الوطن، ماشي معقول ندابزوا حنا ونهدموا الخيمة التي تجمعنا». واعتبر أن العراقيل التي يواجهها الحزب طبيعية، «هناك جيوب مقاومة، بعضها سياسي حزبي ممن لا يريد أن ننجح، وبعضها مصلحي، سواء أكانت مصالحه مشروعة أو غير مشروعة»، لكن المهم ليس أن تكون هناك عراقيل وجيوب مقاومة، الأهم هو «منهجية مواجهة كل ذلك». في هذا السياق، أكد العثماني على ضرورة أن يبقى الحزب موحدا في مواجهة العراقيل والصعوبات التي يواجهها، داخليا وفي الحكومة، مؤكدا على استقلالية قراره ووحدته، لكنه اعتبر أن استقلالية القرار الحزبي تتحقق «بالتزام الحزب بقوانينه الداخلية، واحترام مؤسسات الحزب واختصاصاتها، لأنها هي الضمانة لكي يبقى الحزب مستقل القرار»، ومن موقع الرافض لولاية ثالثة على رأس الحزب قال العثماني: «إذا لم يحترم الحزب قوانينه، معناه انتهى كل شيء». ومضى محذرا ممن سماهم «المنجمون»، ممن يتوقعون انقسام الحزب وتشتته، قائلا: «لا تسمعوا للمنجمين، الذين يأملون انشقاق الحزب، ما يقولونه مجرد أوهام»، وتابع «أنا والسي عبدالإله خوت وحباب، وإن اختلفنا في الرأي. واش الخوت لا يختلفون فيما بينهم»، قبل أن يلوح باستقالته إذا كان ذلك سيحفظ للحزب وحدته: «أنا مستعد لتقديم استقالتي كرئيس للمجلس الوطني، وحتى كرئيس حكومة، إذا كان بقائي فيها سيؤدي إلى شق حزب العدالة والتنمية»، مستدركا «لكن حسب معرفتي بالحزب داخليا وبأعضائه وقياداته، الكل حريص على أن يبقى الحزب موحدا، وسنذهب إلى المؤتمر، ومهما تكن نتائج المؤتمر سنبقى موحدين، وهذا لا نتساهل فيه». في هذا السياق، لوّح العثماني باستقالته، ليس من رئاسة الحكومة فحسب، بل من رئاسة المجلس الوطني كذلك، وهي ليست المرة الأولى التي يلوّح فيها بالاستقالة منذ تسلمه مفاتيح الحكومة في لقاءات داخلية للحزب بغرض امتصاص الغضب الذي خلّفه قرار إعفاء بنكيران، لكن السياق السياسي الحالي الذي يتسم بثلاثة أحداث كبرى أعطت لتصريحاته معنى مغايرا، أبرزها وقائع مؤتمر حزب الاستقلال ونتائجه، وقرب انتهاء التحقيق في مشاريع تنمية الحسيمة، واقتراب موعد المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية في دجنبر المقبل. ما وراء الاستقالة يشير الفضاء الذي وجه منه العثماني رسالته، أي المؤتمر الانتدابي الإقليمي للحزب بمكناس، إلى أن المخاطبين هم أعضاء الحزب وقيادته، خاصة الغاضبين من قرار إعفاء بنكيران، والذين يحملون المسؤولية في الوضع المرتبك والمهتز، الذي يمر به الحزب، إلى ما باتوا يوصفون في تعليقات شباب الحزب على الفايسبوك ب»تيار الاستوزار». لهذا السبب ركز العثماني كثيرا على أن قرار الحزب بالمشاركة في الحكومة لا يتحمله العثماني أو غيره، بل هو قرار الأمانة العامة، وركز أكثر على التزامه بالخط الإصلاحي الذي بدأ مع حكومة بنكيران، مهما كانت الصعوبات والعراقيل التي يواجهها، وهي قائمة بالفعل. خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية، أكد على هذه القراءة، فالرسالة «موجهة أساسا إلى أعضاء الحزب في أفق المؤتمر المقبل، تتضمن التزامات واضحة؛ أولا، حماية استقلالية القرار الحزبي؛ وثانيا، الحفاظ على وحدة الحزب ولو تطلب منه ذلك الاستقالة من منصبه»، وأضاف يايموت أن العثماني «اختار التوقيت والمكان بعناية، واختار الضرب على وتر حساس لدى أعضاء الحزب؛ وحدته واستقلالية قراره». يربط يايموت في هذه القراءة بين طموح العثماني في الجمع بين رئاسة الحزب ورئاسة الحكومة، حتى يقوي موقعه التفاوضي داخل الحكومة، وبين الدور الحاسم الذي تلعبه حركة التوحيد والإصلاح داخل الحزب، من خلال قاعدة الأعضاء المشتركين بينها وبين الحزب الذي يحتلون فيه مواقع قيادية، والتي يبدو أنها تعارض ولاية ثالثة لبنكيران، بل يؤكد يايموت أن قرارها صدر وقد حسم الجدل ولا رجعة فيه، وأدركه العثماني جيدا. في هذا الاتجاه إذن، يبقى على العثماني أن يعرض بضاعته، لأن تحييد بنكيران من التنافس على الأمانة العامة في المؤتمر المقبل، لا يعني أن الطريق سالكة أمامه، خاصة وأن نقاشا داخليا بدأ داخل قواعد الحزب وبين قياداته التي تدفع نحو حل ثالث، قد يمثله محمد الحمداوي، عضو الأمانة العامة للحزب القادم للتو من قيادة الحركة، أو إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس فريق الحزب بمجلس النواب وعضو الأمانة العامة كذلك. لكن هناك قراءة ثانية يمليها ما وقع داخل حزب الاستقلال، وخاصة الطريقة الفجة التي أُبعد بها حميد شباط، ويتخوّف البعض أن تكررها الجهات نفسها في دواليب المخزن مع بنكيران داخل العدالة والتنمية، وإن بصيغة أخرى. مصطفى اليحياوي، أستاذ الجغرافية السياسية، قرأ في تلويح العثماني بالاستقالة شيئا من هذا، خاصة حين قال ل»أخبار اليوم» إن «تصريحات العثماني لا بد أنه استحضر خلالها ما جرى داخل حزب الاستقلال». وأضاف اليحياوي «ما وقع داخل حزب الاستقلال، يعني أن اختيارات العدالة والتنمية، كذلك، لا يمكن أن تكون نتيجة للديمقراطية الداخلية، وبدون مراعاة السياق السياسي العام، وعلاقة ذلك بالأفق الديمقراطي». وأضاف أن «المتتبع للمشهد العام، لا بد أن يدرك أن هناك إرادة لإعادة تحديد الأولويات في المشهد الحزبي، وسيدرك أن هناك اتفاقا شبه كامل بأن يستقر هذا المشهد بطريقة مختلفة عما أفرزته نتائج انتخابات 7 أكتوبر 2016». واعتبر اليحياوي أن «التوجه هو الانتقال من رهانات 2011 و2015 و2016، إلى مشهد آخر تكون فيه العملية الديمقراطية متحكم في نتائجها بشكل مسبق»، على اعتبار أن «انتخابات 2016 أحرقت كل الفاعلين، وأنتجت شرعية التحت في تنازع مع شرعية الفوق»، وبالتالي، يضيف اليحياوي، فإن بنكيران يشكل اليوم «عقبة وتحد أمام التوجه الجديد، وهو ما يحاول العثماني إبلاغه لبنكيران حتى يقتنع بعدم واقعية ترشحه لولاية ثالثة على رأس الحزب»، لأنه سيؤدي إلى قلب جديد للترتيبات التي جرت بعد إعفائه، وربما أدى إلى أبعد من ذلك، إخراج حزب العدالة والتنمية من أي ترتيبات جديدة في حال انتخابه. ويمكن انطلاقا من تفاعلات أزمة الحسيمة، والارتباك الحكومي، استنتاج قراءة ثالثة من تلويح العثماني بالاستقالة. عبدالحفيظ اليونسي، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق سطات، يرى أن تهديد العثماني بالاستقالة موجه إلى حلفائه في الأغلبية الحكومية، لقد «توصل العثماني بعد ستة أشهر من قيادة العمل الحكومي إلى خلاصة مفادها أنه يصعب عليه تحقيق إنجازات حقيقية، بسبب موقعه الضعيف داخل الحكومة مقارنة مع اللوبي المصلحي الذي يستغل موقعه لتقوية نفوذه وثروته، ومقارنة مع «وزراء السيادة»، الذين يتصرفون وكأنهم حماة استمرار الدولة والسلطة، وكان لا بد من حركة سياسية تنبه إلى أنه لن يتحمل هذا الوضع طويلا». إنها «صرخة فشل»، يقول اليونسي، خصوصا بعد حدث تقديم حصيلة ثلاثة أشهر من العمل الحكومي بشعار: «120 يوما = 120 إجراء»، اتضح له من خلالها أن المواطن غير راض عن حكومته، بل وغير مهتم بما تقوم به، سواء أكانت فيه منفعة أم لا، وهي وضعية لا يبدو أن العثماني راض عنها، ويريد أن يُشعر الآخرين بها، لأنها قد تؤدي إلى وضع أسوأ إذا استمرت كما عليه اليوم. إذن، بين الرغبة في تحسين تموقعه داخل الحزب عشية مؤتمره الثامن، ومحاولة إقناع بنكيران بالتخلي عن طموحه في ولاية ثالثة على رأس الحزب لأن ذلك يهدده بالعزلة في الوسط السياسي، أو الرغبة في تحسين موقعه التفاوضي داخل الحكومة تجاه حلفائه في الأغلبية، تبدو رسالة العثماني حمّالة أوجه، تتعدد القراءات لها بحسب موقع كل طرف. لكن ماذا لو فعلها العثماني وقلب الطاولة على السلطة؟