17 غشت, 2017 - 01:34:00 قال مصطفى اليحياوي، أستاذ الجغرافيا السياسية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، إن تلويح وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد، بالاستقالة من منصبه، إن صح الأمر، هي "رسالة موجهة لمن يهمه الأمر في الحكم، وأنه غالبا ما وقع عليها الاتفاق بينه وبين العثماني في إطار توزيع دقيق للأدوار بغية إيصال رسالة سياسية تعبر عن عدم الارتياح على استمرار المقاربة الأمنية الصارمة للدولة في معالجة حراك الريف بعد خطاب العرش الأخير". وأوضح اليحياوي، في جوابه عن أسئلة موقع "لكم"، أن التلويح بالاستقالة جاء في سياق عدم الرضى عن التجاوزات الحقوقية التي أدت إلى اعتقالات في صفوف المحتجين في الريف وإلى اتهامات للأجهزة الأمنية باستعمال التعذيب وأساليب حاطة بالكرامة الإنسانية". ويرى المحلل السياسي أن قرار الرميد يعد "مؤشرا على أن الجهاز التنفيذي للدولة غير قادر على إيجاد إجابات سريعة تنسجم ومداخل الإصلاح السياسي التي أسس عليها ما أصبح يسمى بتيار الاستوزار في حزب "العدالة والتنمية" قرار التعامل الإيجابي مع تعيين الملك للعثماني رئيسا للحكومة بديلا على بنكيران". وفي ما يأتي نص الحوار: ما هي خلفيات تلويح الرميد باستقالته في هذه الظرفية؟ إن صح خبر اعتزام الرميد تقديم استقالته من حكومة العثماني، فهذا يعني أننا دخلنا مرحلة أزمة سياسية حادة لم يعد فيها أفق الإصلاح واضحا بالشكل الذي يؤمن للرميد أسباب الاستمرار في لعب دور الداعم والحاضن لهذه الحكومة. وهذا يعني أن الرميد لم يعد متحمسا لهذه التجربة التي ولدت في سياق سياسي شهد بلوكاج تشكيل حكومة بنكيران لأكثر من خمسة أشهر، وقد انتهى بتعيين العثماني بديلا له، وهو أشبه بالانقلاب على الشرعية الانتخابية التي استند عليها تعيين الملك لبنكيران بعيد الإعلان عن نتائج الاستحقاقات التشريعية ل7 أكتوبر 2016. وبالمحصلة يمكن قراءة هذا التلويح بالاستقالة بمثابة رفع الرميد اليد على علاقة حزب "العدالة والتنمية" بالدولة، وإعلان عن إمكانية انسحابه من قيادة الحكومة، مما سينتج عنه لا محالة أزمة سياسية غير مسبوقة في تاريخ العهد الجديد. بهذا المعنى، هل يمكن اعتبار هذا التلويح مؤشرا على وجود ارتباك في الجهاز التنفيذي للدولة؟ بالتأكيد، اليوم يعيش المغرب سياقا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا صعبا، فقدت فيه الدولة الكثير من قوتها الاستباقية للأحداث بسبب فشلها في احتواء مضاعفات التدبير الأمني الصارم لحراك الريف وتنامي الوعي لدى فئات اجتماعية عريضة بغياب العدالة في التوزيع المجالي للتنمية، وتسارع التحولات القيمية داخل المجتمع، وارتفاع أصوات الاحتجاجات الشعبية على تردي خدمات الديمقراطية المحلية والسياسات العمومية القطاعية، خاصة الصحة والتعليم والشغل. وارتباطا بهذا التحليل، فإن قرار الرميد يعد مؤشرا على أن الجهاز التنفيذي للدولة غير قادر على إيجاد إجابات سريعة تنسجم ومداخل الإصلاح السياسي التي أسس عليها ما أصبح يسمى بتيار الاستوزار في حزب "العدالة والتنمية" قرار التعامل الإيجابي مع تعيين الملك للعثماني رئيسا للحكومة بديلا على بنكيران. في هذا الإطار، لا أظن أن تلويح الرميد بالاستقالة هو بحث عن نجاة شخصية من تجربة أصبحت تفقد توازن بوصلتها الإصلاحية، كما لا أظن أنه تكتيك سياسي مرتبط بالمؤتمر المقبل لحزب "العدالة والتنمية"، وإنما هو في رأيي رسالة موجهة لمن يهمه الأمر، غالبا ما وقع عليها الاتفاق بينه وبين العثماني في إطار توزيع دقيق للأدوار بغية إيصال رسالة سياسية تعبر عن عدم الارتياح على استمرار المقاربة الأمنية الصارمة للدولة في معالجة حراك الريف بعد خطاب العرش الأخير، وما استتبعها من تجاوزات حقوقية أدت إلى اعتقالات في صفوف المحتجين وإلى اتهامات للأجهزة الأمنية باستعمال التعذيب وأساليب حاطة بالكرامة الإنسانية. ما علاقة هذا التلويح بالاستقالة بما يجري داخل "العدالة والتنمية"؟ المعروف على الرميد أنه صادق في تعاطيه مع معركة الإصلاح السياسي، كما أنه أصبح منذ بداية حكومة بنكيران الأولى صمام الأمان في علاقة القصر مع حزب "العدالة والتنمية"، والوسيط الضابط لحدة مزاج بنكيران وحماسته في القطع مع كل ما من شأنه أن يشوش على مهامه القيادية للحكومة. ولعل في حضوره لاجتماع الملك ببنكيران في إطار مراسيم تعيينه رئيسا للحكومة، ما يؤكد المكانة الخاصة التي أصبح يضطلع بها في علاقة الدولة ب"العدالة والتنمية". وفي اعتقادي، فإن هذا الوضع أصبح مكلفا نفسيا للرميد الذي يعرف عليه زهده السياسي في تقلد المسؤوليات العمومية وحرصه على الحفاظ على ماضيه النضالي في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية، خصوصا في هذا السياق الراهن الذي ارتفعت فيه أصوات من داخل "العدالة والتنمية" بضرورة مراجعة موقف الحزب من التجربة الحكومية الحالية في ظل غياب الانسجام بين مكوناتها وتأزم الوضع الحقوقي والاجتماعي وظهور مؤشرات الإجهاز على استقلالية القرار الحزبي وإضعاف الأحزاب الوطنية. ولعل في انفعاله المتكرر بسبب حدة الانتقادات التي وجهتها له تدخلات لقائه مع شبيبة الحزب في إطار فعاليات ملتقاه الأخير بفاس ما يفسر هذا الوضع النفسي الذي أصبح يعيشه الرميد بسبب دعمه لحكومة العثماني. إذن، من هذه الناحية، لا يمكن تغييب عامل تأثره بما يجري من نقاش داخل الحزب والذي ينذر بوجود أزمة تباين في المواقف ستلقي –بالتأكيد- بضلالها على المؤتمر الوطني المزمع انعقاده في نهاية السنة الجارية.