علم "اليوم24" من مصادر خاصة أن وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، قد أبلغ شفويا رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بقراره مغادرة الحكومة، خلال أجل قريب، قد يكون أقصاه بداية الدخول السياسي في أكتوبر المقبل. ولم ينف الرميد هذا الخبر للموقع، وقال في اتصال معه "ما دمتم تطرحون سؤالا من هذا النوع، فإني أعبّر أولا عن دعمي الكامل للأخ سعد الدين العثماني ولحكومته، كجميع الغيورين على استقرار بلادنا ونموها، أما الاستمرار في تقلد المسؤولية الحكومية من عدمها فذلك مجرد تفصيل"، وأردف الرميد قائلا: "المهم عندي هو أن يقوم المسؤول بواجبه مادام مسؤولا، وإذا رأى ألا جدوى من الاستمرار في تحمل المسؤولية، فجدير به المغادرة. وبالنسبة إليّ فأنا اليوم وزير دولة، أتحمل مسؤوليتي بما يُرضي ضميري، أما ما يمكن أن يقع غدا فعلمه عند الله تعالى". ويبدو أن الرميد لم يطرح الموضوع بعد، على قيادة حزبه بشكل رسمي، حيث إن أغلب أعضاء الأمانة العامة يوجدون في عطلة، هذا، وعلمت "أخبار اليوم" كذلك أن الأمين العام للحزب، عبدالإله بنكيران، "لا علم له بالأمر"، حتى زوال يوم أمس. وتعتبر هذه المرة الأولى التي يهدد فيها الرميد بالاستقالة من حكومة العثماني، وهي التي لم يمض على تشكيلها سوى أربعة أشهر فقط، لكن سبق له أن هدد بها ثلاث مرات في عهد حكومة بنكيران (2012-2016)، حيث كان يتولى حقيبة وزارة العدل والحريات، منها مرة واحدة قدم فيها استقالته كتابة لرئيس الحكومة. لكن الأسباب هذه المرة قد تكون جدية أكثر مما سبق؛ أولا، لأنه دخل حكومة "ضعيفة وهشة سياسيا"، جاءت بعد إزاحة الأمين العام للحزب، عبدالإله بنكيران، بطريقة اعتبرها الكثيرون، من داخل العدالة والتنمية ومن خارجه، أنها "مهينة" للحزب ككل، وليس لأمينه العام فقط. ورغم محاولة بنكيران تجاوز الأمر بعد "فترة تأمل" استمرت شهورا، إلا أن قواعد الحزب والرأي العام لم يقبل بها حتى الآن. وقد حمّلت قواعد الحزب وجل قياداته المسؤولية الكبرى في نتائج التفاوض التي أثمرت حكومة العثماني، بأغلبية توصف بالمفككة وبهيمنة التكنوقراط عليها، إلى مصطفى الرميد، لأنه هو من تصدى للرافضين والمنتقدين، وأنه هو من "قام بتعبئة واسعة" داخل الحزب من أجل القبول بنتائج التفاوض حول الحكومة، بل إن أحد القياديين البارزين في الحزب قال حينها في لقاء داخلي إن "الرميد أرهبنا"، لأنه استعمل كثيرا من المبررات للضغط على الأمانة العامة للقبول بإعفاء بنكيران، ثم للقبول بحكومة العثماني، منها عبارة شهيرة تُنسب إليه "واش بغيتوا رابعة جديدة" في المغرب. وبعد أن انكشف جزء من المعطيات التي تَبيّن معها لقيادات أخرى في الحزب أن تقديرات الرميد والعثماني، ليست دقيقة، وقع اللوم والنقد عليهما بالأساس، ووصل النقد إلى درجة "تخوين" الرباعي الذي تكلف بإدارة التفاوض من أجل تشكيل الحكومة، وهما علاوة على العثماني والرميد، محمد يتيم والحسن الدوادي، ثم ازداد الغضب حدة بعد أن علمت قيادات في الحزب أن الداودي لم يرشح للحكومة، بل طالبت به جهات في القصر، ولم ينف العثماني ولا الدوادي ذلك. ثاني الأسباب التي تضغط على الرميد باستمرار، وقد تدفعه إلى تقديم استقالته، تتعلق بوضعه "الهامشي" في الحكومة، فهو تردد في البداية، ثم وافق بشرط أن يستمر في وزارة العدل والحريات، أو وزارة أخرى تُحدث وتُسند إليها أولوية "الإصلاح الإداري"، لكن نتائج التفاوض بين العثماني وأغلبيته لم تحقق للرميد رغبته، لكنه وافق على وزير دولة مكلفا بحقوق الإنسان، تقديرا منه أنه سيؤدي عمليا دور نائب رئيس الحكومة، كما كان الوضع عليه بين بنكيران ورفيقه عبد الله بها، لكن بعد أربعة أشهر من عمر الحكومة وصل إلى قناعة عبّر عنها علانية "أنا وزير كل شيء، ولا شيء". اليوم، يبدو الرميد أنه أكبر الخاسرين من "صفقة" الحكومة، فالرجل الذي يجرّ خلفه نتائج إيجابية في قطاع وزارة العدل والحريات، وسُمعة مُعتبرة في مجال السياسة وحقوق الإنسان، وجد كل ذلك يتبدّد بين يديه بسبب اختيارات لم يقبلها الرأي العام كما لم يتقبلها الحزب بجل أعضائه، وقد وضعته "الخروقات الحقوقية" المتوالية، سواء في إقليمالحسيمة أو باقي المناطق، من قبيل الاستعمال غير المتناسب للقوة ضد التظاهرات السلمية، مما أدى إلى سقوط حالة وفاة عماد العتابي، أو تصوير ناصر الزفزافي عاريا خلال فترة الاعتقال، والاعتداء المتكرر على المدافعين عن حقوق الإنسان، أمثال عبدالعزيز النويضي، بل والتعدي بالقوة على أمين عام حزب سياسي عريق، هو حميد شباط، الذي يتعرض للإبعاد قسرا من قيادة حزب الاستقلال. حاصرته كل تلك الخروقات في الزاوية، وصار معها موضوعا للسخرية، خاصة على صفحات التواصل الاجتماعي. ويعكس هذا الوضع الذي يتسم بنوع من الاحتقان والأزمة، درجة الغليان داخل حزب العدالة والتنمية، ومعها بات رصيد الرميد، الذي كان يستقبل بالورود والتصفيقات، وكلامه مسموعا ومرحبا به وسط فئات شعبية عريضة من مختلف التيارات، (بات) معرضا للتآكل باستمرار، ولعل طريقة النقاش الحاد التي استقبل بها خلال الملتقى الوطني الثالث عشر لشبيبة حزبه بفاس الأسبوع الماضي، خير دليل على ذلك، وربما لمس خلال ذلك الحدث وعن قرب أن أسهمه داخل الحزب تدهورت، وربما، تآكلت بدرجة سريعة وغير مسبوقة، وهو الرصيد الذي ارتفع عاليا يوم قال: "أنا لست بنعرفة العدالة والتنمية"، رافضا تعويض بنكيران في رئاسة الحكومة إذا أقدم القصر على تنحيته بسبب "البلوكاج" الحكومي. ومع ذلك، لا يبدو أن الأسباب السالفة وحدها وراء نفاذ صبر الرميد، بل هناك أسباب أخرى مرتبطة بعمل الحكومة، منها انفراد العثماني بالقرار، وتكتمه الشديد فيما يخص تبادل المعلومات والمعطيات التي يحصل عليها بصفته رئيسا للحكومة، ومن أبرز المؤشرات على ذلك أن الجولة التي قام بها العثماني مع بعض وزرائه إلى بني ملال في يوليوز الماضي، بتوجيهات من الملك محمد السادس، لم يُخبر بها الرميد سوى في آخر لحظة، وهو الذي يُفترض فيه أن يكون طرفا رئيسا في الإعداد لها وفي تنفيذها. لكن السؤال الأكبر هو: هل يستطيع العثماني الاستمرار في الحكومة من دون الرميد؟ قيادي بارز في حزب العدالة والتنمية اعتبر أن "استقالة الرميد إن أقدم عليها فعلا، ستؤدي لا محالة إلى سقوط الحكومة، لأن الرميد يعتبر من المدافعين عنها لكي تخرج بالشكل التي هي عليه"، لكن قياديا آخر اعتبر أن تلويح الرميد بالاستقالة "مجرد مناورة" الهدف منها "الضغط على بنكيران للخروج من أجل تبرئة الرباعي (الرميد، العثماني، يتيم والداودي) من التهم المنسوبة إليهم"، وأخطرها تلك التي تقول إن بعضهم كان على "علم بقرار إعفاء بنكيران قبل إعلانه، وقام بالتنسيق مع جهات في الدولة من أجل احتواء تداعياته".