ألغت محكمة الاستئناف بمدينة طنجة، مؤخرا، قرارا قضائيا غير مسبوق في تاريخ القضاء الوطني، كان أصدره رئيس قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية، شهر يناير الماضي، وقضى بإثبات نسب مولودة من علاقة غير شرعية، أثبتت الخبرة الطبية الأبوة البيولوجية للشخص المدعى عليه من طرف أم عازبة، وقضت كذلك بالتعويض المادي للمدعية بسبب الأضرار التي لحقتها. ونص منطوق الحكم الصادر باستئنافية طنجة، يوم الثلاثاء الماضي،على "إلغاء الحكم المستأنف في القضية وتصديا رفض الطلب"، في حين لا تزال المحكمة تعكف على تحيين حيثيات القرار النهائي وتعليل حكمه، وفق ما أكده أكثر من مصدر قضائي ل "أخبار اليوم"، بعد محاولة الحصول على نسخة من القرار المذكور. وكشف أحمد كنون، محامي المدعية في هذه القضية التي أثارت نقاشا واسعا على المستوى الوطني، لكون قرار محكمة الأسرة هو أول حكم قضائي يعطي الحق في البنوة لطفل مزداد خارج عش الزوجية، أنه سيقوم بالطعن في القرار الاستئنافي ل"عدم صوابيته" حسب تعبيره، مؤكدا "أن هيئة الدفاع ما تزال متمسكة بكل ملتمساتها في الدعوى". وأضاف كنون في تصريح للجريدة، أنه بعد الاطلاع على تعليل القرار وحيثيات الحكم، سيتوجه إلى محكمة النقض بالرباط لتقديم الطعن، مبديا أمله في أن يتدارك جهابذة فقهاء القانون قرار محكمة الاستئناف، ويردوا الاعتبار لحكم المحكمة الابتدائية الذي عكس مسايرة القضاء لتطور المجتمع ومقتضيات الحداثة، وتماشيه مع الوثيقة الدستورية والمواثيق الدولية الخاصة بالطفل التي صادق عليها المغرب. عائشة الشنا، رئيسة جمعية التضامن النسوي، والفاعلة الحقوقية المدافعة عن الأمهات العازبات والأطفال المتخلى عنهم، استغربت تراجع القضاء المغربي عن اجتهاد سابق لاقى ترحيبا حقوقيا، وإشادة حتى من الأوساط الفقهية والقانونية، لكونه سيساهم في حفظ حقوق المواليد من علاقات خارج إطار الزواج. تجدر الإشارة إلى أن القرار الابتدائي في قضية إثبات البنوة لمولود من علاقة جنسية خارج إطار الزواج، أثار نقاشا موسعا وسط المهتمين بمجال الأسرة والأحوال الشخصية، بين مؤيد ومعارض، خاصة وأن محكمة قسم قضاء الأسرة لجأت من أجل إثبات النسب للمدعى عليه، إلى اعتماد نتائج الخبرة الجينية بعد فحص عينات ADN، والتي أثبتت وجود علاقة بيولوجية بين الأب الذي ينكر نسبه للمولودة. وكان أحمد الريسوني، الفقيه المقاصدي المعروف، أيد قرار الحكم الابتدائي لمحكمة الأسرة بطنجة في الشق المتعلق بإثبات البنوة للأب، معتبرا أن هذه النازلة لم يكن لجمهور الفقهاء قديما إمكانية التحقق العلمي الجازم لنسب المولود، وبالتالي فإن علاقة الأب بالمولودة خرجت من دائرة الشك ودخلت دائرة اليقين، لكن الريسوني في المقابل استغرب قرار تعويض الأم لكونها متضررة، معتبرا أنها شريكة أيضا في العلاقة غير الشرعية.