قضت المحكمة الدستورية بمخالفة 9 مواد في النظام الداخلي لمجلس النواب للدستور، من بينها المادة 48 التي منحت رئيس المجلس لوحده سلطة على المحاسبين بالمؤسسة، واللذين يشرفان على التسيير المالي والإداري للمجلس. قرار المحكمة الدستورية الذي أفرج عنه أول أمس اعترض على منطوق المادة المذكورة التي نصت حرفيا على أنه «يتولى المحاسبان، تحت سلطة رئيس المجلس، الإشراف على التسيير المالي والإداري للمجلس»، واعتبرت أنها «غير مطابقة للدستور». وحول مبررات هذا التوجه، ارتكز قرار المحكمة على الفقرة 4 من الفصل 62 من الدستور، التي تنص على أن أعضاء مكتب مجلس النواب ينتخب على أساس التمثيل النسبي لكل فريق، ما يستفاد منه أن مكتب المجلس «ذو طبيعة جماعية»؛ كما استند القرار إلى المادة 38 من النظام الداخلي للمجلس التي نصت على أن مكتب المجلس هو من يضع الميزانية السنوية، وهو من يسيّر شؤونه المالية، علاوة على المادة 36 التي أناطت بمكتب المجلس، وليس الرئيس لوحده، «ممارسة مهام تدبير وتسيير شؤون المجلس»، ومنها «مهام تتعلق بالتسيير الإداري كالموارد البشرية والمحافظة على ممتلكات المجلس». وبناء عليه، خلص قرار المحكمة الدستورية إلى أن المادة 48 من النظام الداخلي إذ يستفاد منها أن «إشراف المحاسبين على التسيير الإداري والمالي للمجلس يتم تحت سلطة رئيس المجلس النواب وحده، ما يجعل ممارسة المكتب لمهامه المتعلقة بالتسيير المالي والإداري للمجلس على النحو المبين في المادتين 36 و38 أعلاه، أمرا متعذرا، قانونا وعملا»، فإن المادة المذكورة «غير مطابقة للدستور». ومن بين المواد التي قضت المحكمة الدستورية بمخالفتها للدستور كذلك، هناك المادة 30 (الفقرة الثانية) من النظام الداخلي التي نصت على أنه «تجري عملية التصويت على كل قائمة بالاقتراع العلني»، والمادة 89 (الفقرة الأولى)، التي نصت على أنه «ينتخب المجلس رؤساء اللجان الدائمة عن طريق الاقتراع العلني»، في تناقض صريح مع أحكام المادة 157 من النظام الداخلي التي نصت على «أن التصويت يكون سريا، إذا تعلق الأمر بتعيينات شخصية»، كقاعدة عامة. وذهبت المحكمة إلى القول بأن «التصويت السري» هو أحد «مظاهر حرية الاقتراع المقرة في الفصلين 2 و11 من الدستور»، وبالتالي، فهو «يظل المبدأ الأساسي الذي يتعين أن يسود حين يتعلق الأمر بالتصويت على أشخاص». وبناء عليه رأت المحكمة أن ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 30 والفقرة الأولى من المادة 89 من النظام الداخلي لمجلس النواب «غير مطابق للدستور». واعترضت المحكمة الدستورية على تخصيص دعم مالي ل»مجموعات العمل المؤقتة»، واعتبرت أن المادة 39 (الفقرة الأولى) مخالفة للدستور، على اعتبار أن «معايير توزيع الغلاف المالي» المنصوص عليها في الفقرات (2 و3 و4 و5) من المادة نفسها من النظام الداخلي «تتعلق بالفرق والمجموعات البرلمانية، دون مجموعات العمل المؤقتة». قرار المحكمة توقف، كذلك، عند المادة 130 و131 حول إحداث القناة البرلمانية، إذ تنص المادة 130 على أن «تحدث بتنسيق مع مجلس المستشارين، والحكومة، والهيأة العليا للاتصال السمعي البصري..»، في حين تقول المادة 131: «يقوم مكتبا المجلسين بتنسيق مع الحكومة، والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بإعداد الإطار القانوني والمالي والمؤسساتي للقناة البرلمانية». وتعليقا على ذلك، شدد قرار المحكمة الدستورية أنه «لئن كان لمجلس النواب صلاحية التنسيق مع مجلس المستشارين، والحكومة، من أجل إعداد الإطار القانوني والمالي والمؤسساتي بغرض إحداث قناة برلمانية»، فإن هذا «التنسيق المسبق لا يمكن أن يتم مع هيأة حكامة جيدة وتقنين تتمتع بالاستقلالية المنصوص عليها في الفصل 159 من الدستور»، ما يجعل المادتين 130 و131 من النظام الداخلي لمجلس النواب «غير مطابقتين للدستور». وبخصوص آخر مادة في النظام الداخلي قضى قرار المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها، فتتعلق بالفقرة الأولى من المادة 252، التي تنص على أنه «يودع ملتمس الرقابة لدى رئيس المجلس في شكل مذكرة مفصلة يسلمها له أحد الموقعين على الملتمس، تتضمن دواعي تقديم الملتمس ومبرراته، مرفقة بقائمة تضم أسماء أصحاب الملتمس وتوقيعاتهم، والفرق والمجموعات النيابية التي ينتمون إليها أو ينتسبون إليها، وعند الاقتضاء، إذا كانوا من الأعضاء غير المنتسبين». ورأت المحكمة أن تنصيص المادة بأن تكون مذكرة ملتمس الرقابة تتضمن دواعي تقديم الملتمس ومبرراته، قد يفيد «وجوب تضمين المذكرة المذكورة لهذه الدواعي والمبررات مما يتجاوز نطاق تقديم مضمون الملتمس والتوقيعات الضرورية للتأكد من النصاب المنصوص عليه في الفقرة الأولى من الفصل 105 من الدستور»، وهو ما «يعد قيدا، لا سند له في الدستور، على إعمال آلية أقرها الفصل 105 المذكور في نطاق العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، تطبيقا لمبدأي فصل السلط وتوازنها». وقال عبدالمنعم لزعر، باحث في القانون الدستوري، إن قرار المحكمة الدستورية بعدم دستورية مواد معينة في النظام الداخلي، معناه «وقف العمل به إلى حين ملاءمة المواد غير الدستورية منه مع الدستور»، وأكد أن تعديل المواد غير الدستورية «يكون بالمسطرة نفسها التي اتُبعت في سنّ النظام الداخلي، بما فيها المصادقة عليها في جلسة عامة»، على أن تعرض مرة أخرى على المحكمة الدستورية للنظر في مدى دستوريتها مرة ثانية. وكان رئيس مجلس النواب، الحبيب المالكي، قد أحال النظام الداخلي للمجلس على المحكمة الدستورية يوم 11 غشت الماضي، عملا بأحكام الفصل 69 من الدستور، بعدما صادقت عليه الفرق البرلمانية في جلسة عامة بالإجماع.