لم أشعر أبدا بالارتياح ل 8 مارس لسببين رئيسيين. أولا، لأنني أحس أنه في العمق يكرس، من حيث لا يدري ربما، وضع الدونية الذي يريد للمرأة أن تتحرر منه. فهي تبدو، بسبب هذا اليوم، مثل مرض من الأمراض التي تخصصُ لها الأممالمتحدة يوما، (اليوم العالمي للسيدا، اليوم العالمي للسل...). كما أحس أن هذا اليوم، الذي حدد بحسن نية على الأرجح لتكريمها، يجعلها تبدو مثل يتيم ضعيف تتكرم عليه يد عليا بيوم ..يوم واحد فقط، من بين ال87 يوما الموجودة على أجندة الأممالمتحدة للاحتفال بمختلف الظواهر والتحسيس بمختلف الأمراض.. يوم واحد من بين المئات من الأيام الوطنية التي تخصصها مختلف البلدان محليا للاحتفاء والتكريم والتحسيس بكل شيء تقريبا. السبب الثاني لعدم ارتياحي يتجلى في كون هذا اليوم، وهو جزء من تلك التركة المثيرة للجدل التي ورثها العالم عن لينين (كان أول من حدده للتذكير بأن المرأة هي التي أطلقت شرارة الثورة البولشيفية في 8 مارس 1917)، يوقظ فيّ ذلك الإحساس المؤلم بالشيزوفرينيا التي أعاني منها، أنا الذكر الذي ورث عن مجتمعه وضعا مهيمنا يدغدغ غروره الداخلي، ولكن في المقابل يضع عليه عبء ثقيلا يتمثل في جره لوحده عربة هذا المجتمع المثقلة بالتقاليد المتكلسة. نعم، هذا اليوم يعمق فيّ هذا الشعور المؤلم، أنا الذكر (ولعل آخرين يقاسمونني هذا الإحساس)، الذي يؤمن بمبادئ الحداثة التي تقوم على قاعدة ذهبية تقول إن الاختلاف بين الجنسين لا يعني التراتبية، ولا يعطى للذكر أي حظ يفوق حظ الأنثى، ولكن في الآن نفسه يجد صعوبة في تخليص «لا وعيه» من «مزايا» الوضع المهيمن الذي وجد نفسه في كنفه، مثل من ورث قلعة قديمة تتآكل جوانبها وتثقل كاهله بالمصاريف، ولكنه يخشى تأنيب أشباح الأجداد إن أقدم على هدمها ليشيد مكانها بناء عصريا. ولعل هذه الشيزوفرينيا هي التي تجعلنا نقف عند الإيمان بالمبدأ (مساواة.. احترام.. اعتراف حقيقي..) ولا نمر إلا قليلا إلى نفخ الحياة فيه، وهي التي تسجن القوانين المتعلقة بحقوق المرأة، مهما كانت متقدمة، في الحبر الذي كتبت به. لا أحب هذا اليوم كثيرا لأنه يجعلني أشعر، بيني وبين نفسي، بشعور غامض لعله ذلك الخجل الذي تحدث عنه الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز وسمّاه «الخجل من أن يكون المرء إنسانا»، أي ذلك الشعور الذي ينتاب المرء الذي يقف على تصرفات (des actes) تثير انزعاجه، ولكنه يقبلها على مضض ويعقد معها هدنة طويلة، ويتعايش معها مثلما يتعايش مع عاهة خِلقِية. من هذه التصرفات أن الكثير من الذين ينتمون إلى النخبة ويؤمنون مبدئيا بالمبادئ الأساسية للحداثة مازالوا يغلفون زوجاتهم بحجاب غير مرئي.. حجاب لغوي (مولاة الدار.. أم الدراري.. أولادي... إلخ) لأنهم يعتبرونهن في «لا وعيهم» عورة عليهم سترها. يقول دولوز إن مثل هذا «الخجل» محفز من المحفزات على الإبداع والفكر. قد يكون هذا صحيحا عند أولئك الذين استطاعوا التحرر من كثير من موروثاتهم المتكلسة، أما عندنا، نحن، فأرى أنه يكرس الإحساس بالعجز وحتى بنوع من الخصي.