الصحافة في المغرب صحافات. إذ هناك الإعلام الجاد وشبه الإعلام وصحافة الاسترزاق. وقد زاد طين الصحافة بلة ظهور وسائط إلكترونية وفوضى النشر وغياب التقنين. وهكذا صار كل من يطلق موقعا، مدير نشر وكل من "يخربش" بعض الجمل، صحافيا، وكل من يطلق الكلام على عواهنه وراء ميكروفون، إعلاميا أو منشطا. وقد تعاملت السلطات مع هذه الظاهرة باستخفاف غريب، بل يمكن الجزم أنه كان مقصودا لوضع "ضرة" لإعلام جدي صار مزعجا. وهكذا تفشت الرداءة، ونزل المستوى إلى درجات غير مسبوقة واختلط الحابل بالنابل. فصار أي موقع وأي صفحة فايسبوكية وأي "بلوغ" مرادفا لما سموه ظلما الإعلام الجديد. الخطورة في الأمر هي أن جهات دفعت إلى القضاء على الإعلام الجدي اقتصاديا عبر خنقه ماليا مقابل النفخ في بعض المواقع لأغراض ليست بريئة، لعبت في ذلك بعض وكالات الإشهار دورا خبيثا. وهكذا تعرض رجال أعمال معروفين من قبيل عثمان بنجلون والمرحوم ميلود الشعبي وأنس الصفريوي وعزيز أخنوش وغيرهم لحملات تجريح لتصفية حسابات بطرق "مافيوزية" لعبت فيها مواقع بعينها دورا مارقا لأنه لا علاقة بما كانوا يقومون به بأي جنس من الصحافة أو الإعلام. المصير نفسه واجهه سياسيون من مختلف مواقع مسؤولياتهم الحزبية والحكومية، لأغراض متعددة ومختلفة، كعبدالإله بنكيران وإلياس العماري وعبدالعزيز الرباح والمصطفى الرميد وحميد شباط ومحمد يتيم وعبدالله بوانو وغيرهم. لكن، انقلب السحر على الساحر، وصار هذا "الإعلام البديل" خطرا داهما يهدد المجتمع وحتى الدولة. إذ في غياب المحاسبة، مادام غير خاضع لضوابط النشر، أصبح الجميع ضحية للإشاعة والتجريح والتشهير، إما بتصفية لحسابات بالوكالة بين جهات معينة، وإما بحثا عن الربح السريع عبر اختلاق "البوز" وكسب أكبر عدد من "اللايكات". والأخطر من كل ذلك، أن بعض المواقع صارت مختصة في ابتزاز الشخصيات العمومية والمؤسسات التي عليها، إما أن تخضع لطلباتها المادية أو تصير عرضة لاختلاق أخبار كاذبة وإشاعات حاطة من الكرامة تضرب في الصميم صورة الضحايا. وفي الأخير صارت الدولة، التي طالما أغمضت الأعين عن هذا المنحى الخطير، هي الأخرى محط الابتزاز نفسه أحيانا، وفاقدة للسيطرة عليها في أحايين أخرى. ولما أحست الدولة بهذا الخطر الداهم تحركت، بعد تأخر كبير رغم النداءات المتكررة للمهنيين، لتقنين القطاع ووضع دفتر تحملات هو نفسه الخاص بالنشرات الصحفية الورقية. وهكذا سيصير لكل موقع إخباري مدير نشر معلوم، وليس سريا، وفريق عمل مهني يخضع فيه الجميع لقانون النشر وأخلاقيات المهنة. بالطبع الأمر لم يرق العديد من أصحاب الدكاكين – المواقع، وخاصة أولئك الذين تعودوا التغذي على مآسي الناس وعلى الإشاعة والافتراء، فحاولوا الضغط على وزارة الاتصال ومؤسسة النيابة العامة بتنظيم وقفات احتجاجية بالرباط ينددون فيها بما أطلقوا عليه التعدي على حرية التعبير. والواقع أن مهنيي القطاع يتبرؤون منهم ويؤكدون على أن معركة حرية التعبير يخوضها المهنيون المتوفرة فيهم أهلية الصحافة والنشر وبأن شعارات أولئك مطية لقضية خاسرة. في المقابل لا بد من التذكير أن هناك العديد من المواقع المهنية اعتمدت على معايير حرفية من تلقاء ذاتها…