يتألم العالم وهو يشاهد الثيران بإسبانيا تخوض حربا غير متوازنة تنتهي بموتها وهي تبحث عن الحياة، لكن مشاهد آلاف الأفارقة يقومون ، بشكل متكرر، بعمليات انتحارية، من أجل تسلق أسوار مليلية للوصول إلى الفردوس الأوروبي، لا تحرك غالبا نفس الأحاسيس. سنة 1998 كانت سنة فارقة في تاريخ المدينةالمحتلة «مليلية»، بل كانت كذلك بالنسبة لمدن الشرق المغربي، ستشهد فيها المنطقة تدفقا ملحوظا لحركة الهجرة، تدفق اعتبرته إسبانيا يستهدفها بالدرجة الأولى، فأطلقت في نفس السنة سياجها العازل بين مليلية وباقي الأراضي المغربية، حتى تمنع المهاجرين من دخول المدينةالمحتلة وطلب اللجوء بها. في البداية، وضعت السياج مزدوجا وبارتفاع لا يتجاوز 3 أمتار، لكن الأحداث التي عرفها هذا السياج في 2005 أي بعد 7 سنوات من تشييده، والمتمثلة في مقتل عدد من المهاجرين الذين حاولوا اقتحامه، سيدفع بالحكومة المحلية وبالتوافق مع مدريد إلى تثليثه والرفع من طوله إلى ستة أمتار وفي بعض المناطق يتجاوز ذلك الطول. ولم ينتهي الأمر عند هذا الحد فالداخلية الإسبانية حاولت خلال السنة المنصرمة وضع شفرات فوق السياج.
سياج الموت «حاولت أكثر من ثلاث مرات أن أعبر هذا السياج إلا أني فشلت في الأمر»، يقول إسماعيل وهو مهاجر مالي شارك في عملية الاقتحام التي نفذها أزيد من 500 مهاجر، ينحدر معظمهم من مالي وبوركينافاسو للوصول إلى مليلية. إسماعيل يتحدث وعلامات الإحباط بادية على وجهه، ويضيف: «قبل أن نقدم على عملية اقتحام السياج حاولنا الاختباء في المناطق المجاورة بين الأشجار، لكن العدد الكبير كان عائقا بالنسبة لنا، وتم كشف العملية من قبل السلطات الأمنية رغم ذلك اقتحمنا السياج، وتمكن عدد من المهاجرين من اقتحام الحدود والدخول إلى مليلية». عاد إسماعيل إلى الغابة من جديد في انتظار فرصة أخرى لاقتحام السياج، فالمهاجرون في غابة كوروكو يعيشون على تحقيق هدف واحد هنا، «الدخول إلى مليلية، ولا يهم الثمن الذي يمكن أن يدفعه المهاجر»، يقول زميل إسماعيل، قبل أن يضيف: «نحن نعرف بأن هذا السياج يمكن أن يكون قاتلا بالنسبة لنا، لكن نحن قطعنا مسافات طويلة لتحقيق حلمنا، لا يمكن أن نتنازل عن ذلك». الكثير من المهاجرين يؤكدون أنه بعد المحاولة الأخيرة التي قام بها اللاجئون السوريون لاقتحام بوابة مليلية، كانت لها آثار عكسية على محاولاتهم دخول المدينةالمحتلة، فالإجراءات الأمنية التي تفرضها المصالح الأمنية على المنافذ الحدودية، جعل من المهاجرين يحولون ضغطهم أكثر فأكثر على السياج. وهذا ما يفسر وفق تصريحات العديد منهم ارتفاع عددهم في عملية اقتحام دفعة واحدة، وهي العملية التي قادوها مؤخرا، حيث وصل عددهم أثناء ذلك إلى 500 مهاجر.
لا يمكن أن نظل دركيين منذ أحداث سبتة ومليلية في خريف 2005 التي راح ضحيتها 16 مهاجرا، نظمت الجمعيات الحقوقية المهتمة بشؤون الهجرة، 9 قوافل تضامنا مع الضحايا، لكن رغم ذلك فإن السلطات المغربية والإسبانية والاتحاد الأوروبي قد استمروا في «نهج نفس السياسة في مجال الهجرة المحكومة بهاجس حماية الحدود دون أية اعتبارات إنسانية، وفي تجاهل تام لأصوات المنظمات غير الحكومية المهتمة بحقوق المهاجرين». هذا ما استخلصته على الأقل شبكة جمعيات الشمال وقوارب الحياة، بعد مقتل 15 مهاجرا جديدا نفذوا عملية اقتحام سياج سبتة، هذه الأحداث دفعت بالجمعيات المهتمة إلى المطالبة بالتحقيق، وذلك بمشاركة مراقبين دوليين»، حتى لا يتحول المغرب إلى دركي لأوروبا. صفة الدركي التي ينعت بها المغرب نتيجة سياسته اتجاه هذا الملف من قبل الفاعلين الحقوقيين، يرى نورالدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، أنه حان الوقت لينتهي هذا الوضع ويتحول المغرب من موقف المتفرج إلى موقع المهاجم، ويرى مضيان أن هذه المسألة مفروضة على المغرب، لكن أصل المشكل يكمن في حدوده الشرقية مع الجزائر، «هذه الدولة التي أصبحت تنقل المهاجرين إلى الشريط الحدودي وتدفع بهم لدخول الأراضي المغربية، قبل الانتقال إلى الناظور»، يقول مضيان الذي طالب الحكومة المغربية بالتوجه بداية إلى المحفل الأممي لوضع شكوى للحد من ممارسة السلطات الجزائرية؛ حتى لا يصبح الضغط فقط على المغرب. رأي لا يختلف معه كثيرا أشرف بقاضي، رئيس مركز النكور، حيث أكد أن السياج الذي شيدته سلطات الاحتلال يكرس طابع الدركي للمغرب، ويرى بأن الحل يكمن في التعامل بالندية مع الجارة الشمالية على الأقل لفرض عدم تسلم المهاجرين الذين يتم القبض عليهم في مدينة مليلية، حتى لا يتحمل المغرب تكلفة مزدوجة في هذا الملف، وأكثر من ذلك فإسبانيا ملزمة باحترام الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها، خاصة اتفاقية 1951 المتعلقة باللاجئين.
السياج والتحديد سياج المدينةالمحتلة يضيف لمفهوم الاحتلال مفهوما آخر، بحسب خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول، هو مفهوم «التحديد والتنطيق»، الذي أصبح سمة للعلاقات الدولية الراهنة، حيث أنه من المعلوم أن الدول، بعد انتهاء الحرب الباردة، ولا سيما الدول الغنية منها اتجهت نحو صياغة معايير جديدة للحدود؛ «بمعنى أن الحدود لم تعد تلك التي تفصل بين كيانات سياسية، بل لقد أصبحت تتخذ معاني متعددة من قبيل الفواصل الداخلية للدول نفسها القائمة على معايير مادية أو ثقافية أو غيرها». الفواصل التي يجسدها الحاجز الذي يقيمه الإسبان من خلال السياج الذي يفصل المدينة عن المغرب فيه -وفق نفس المتحدث- دلالة لمعيارين، «معيار الانتقال الذي يحد من تدفق متوازن وفي اتجاهين للأشخاص والسلع، ومعيار سياسي يحيل على انتماء لفضاء مختلف تحدده ثقافة مغايرة»، لذلك فالذهاب إلى الثغر المحتل ليس هو الخروج منه،»الانتماء لا يتم بمجرد الانتقال المادي، لكن حتى هذا الأخير ممنوع على فئات تنتمي للجنوب الفقير».
اقتحام للضغط إلى غاية الشهر الجاري يكون أزيد من 2000 مهاجر وفق الحكومة المحلية بمليلية المحتلة قد حاول اقتحام المدينة. ففي الآونة الأخيرة رصد المهتمون بهذا الملف تزايدا ملحوظا في عمليات الاقتحام وأعداد المهاجرين الذين يشرعون في هذه العمليات، حتى بلغ عددهم في عملية الاثنين المنصرم 500 مهاجر، لم تتمكن القوات العمومية من التغلب على الموقف إلا بعد تفريقهم إلى مجموعتين. حسن عماري الحقوقي والباحث في شؤون الهجرة يرجع الرفع من الوتيرة والكم، إلى رغبة المهاجرين أنفسهم في خلق نوع من الضغط على سلطات الاحتلال بالمدينةالمحتلة لنقل المهاجرين المتواجدين بمركز اللاجئين إلى باقي المدن الإسبانية لتسوية وضعيتهم، حتى يستقبل مهاجرين آخرين، بدل القبض عليهم وتسليمهم إلى المغرب بدعوى أن المركز لا يأوي سوى 800 مهاجر. ووفق نفس المتحدث، فإن المهاجرين يكثفون من اقتحاماتهم في هذا الوقت بالتحديد، نظرا لأن عملية التسليم الأخيرة التي أقدمت عليها سلطات الاحتلال، وهو ما خلق جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية والسياسية الإسبانية وصلت إلى حد المساءلة البرلمانية والقضائية، وهو ما خلق جوا مناسبا لتكثيف العمليات، وضمان من يدخل المدينةالمحتلة لبقائه من دون ترحيل.