أصدر معهد «ريال الكانو» المختص في الدراسات الاستراتيجية تقريرا ضخما حول السياسة الخارجية للجارة الشمالية، والذي جمعه ونسق بين الخبراء المشاركين في إعداده الخبير الدولي المعتمد لدى الاتحاد الأوروبي «اغناسيو مولينا»، تقرير معهد الكانو والذي شارك فيه أكثر من مائتي خبير إسباني وأجنبي بإسبانيا، أكد في تقديمه على أهمية إسبانيا كجسر طبيعي بين شمال إفريقيا وأوروبا بما لديها من مصالح استراتيجية في البحر الأبيض المتوسط، تشكل مساحة جيو-سياسية لها ولكل الأطراف الفعالة، وضرورة توجيه انتباه الاتحاد الأوروبي إلى الضفة الجنوبية رغم صعوبة استيعاب التحولات الراهنة. وشدد التقرير على وجوب تعميق علاقات إسبانيا التي وصفها بالجيدة مع المغرب، وفي الوقت نفسه الانخراط في العمل المتوازن لتحسين العلاقات بين جميع دول المغرب العربي.
خطر الجمود تقرير «الكانو» أفرد مادة خاصة للنزاع حول الصحراء، واصفا قيام دولة صغيرة غير متجانسة وعرضة للتطرف جنوب المغرب بالأمر الصعب، وشجع إسبانيا على مواصلة العمل من أجل تحقيق حل عادل ودائم في الصحراء، داعيا إلى حل سياسي ينسجم مع المسؤوليات التاريخية لإسبانيا في المنطقة، ويرتبط مع القيم والمصالح ذات الصلة، والتي تقوم عليها إسبانيا وشعبها. واعتبر التقرير أن جمود القضية لفترة طويلة هو نتيجة لاثنين من الصراعات الطويلة الأمد والمستعصية على الحل. الصراع الأول هو تأثير القومية المغربية مقابل نزعات الصحراويين على الرغم من توقف الأعمال العدائية المسلحة منذ مدة طويلة، كما أن الآثار الناجمة عن ذلك الصراع لم تختف بعد، بل هناك نوع من المعاناة المتبادلة، التي تتجلى بشكل أكثر وضوحا في الصحراء. الصراع الآخر هو بين المغرب والجزائر من أجل الهيمنة في المغرب العربي، وهو ما انعكس بشكل واضح في تدهور العلاقات الثنائية. تقرير الكانو يعتبر مرور الوقت على الصراع قد أضاف تعقيدات جديدة، فساكنة الصحراء حاليا (التي توجد ضمن النفوذ المغربي)، بالإضافة إلى الصحراويين الأصليين، تشمل الآن العديد من السكان القادمين من شمال المغرب للإقامة ، فيما لم تعد مخيمات اللاجئين في تندوف مأهولة بالسكان، بل يتم ملؤها من قبل البوليساريو عمدا مثل انضمام أناس من مناطق أخرى من الساحل، بغرض جذب الإعانات الدولية (من بينها الإسبانية). وفي منطقة الساحل هناك حالة من انتشار الجماعات الجهادية والعصابات الضالعة في الجريمة المنظمة. وفي هذا السياق، فإن إمكانية قيام دولة جديدة تملؤها بضع مئات الآلاف من السكان، غير متجانسة وعرضة للتطرف سيشيع مناخا من عدم الاستقرار، ورغم ذلك فإن التقرير يشدد على أنه ينبغي دعم إيجاد وسيلة لحل النزاع.
موقف أكثر فعالية لإسبانيا يوصي التقرير بأن إسبانيا يمكن أن تتخذ موقفا أكثر فعالية، وعندما تكون الظروف مواتية، عليها أن تدفع إلى حل حقيقي بمضمون الحكم الذاتي بشكل يوافق رغبات المغرب وجبهة البوليساريو. على الرغم من أن موقف الطرفين إلى حدود اليوم لازال متشنجا، ويشدد التقرير على رغبة الأطراف في التطور والتقدم بالحلول، بدءا من تغيير الخطابات الحالية، وهو الاتجاه الذي يجب أيضا على إسبانيا الدفاع عنه، بما يتلاقى مع المصالح الاستراتيجية لإسبانيا وآثار التعاون الإقليمي في المغرب العربي. وفي الفقرة التي خصصها التقرير لمكانة إسبانيا في منطقة البحر الأبيض المتوسط وأهمية المغرب العربي وخطط الوصول إلى الأهداف الاستراتيجية بمنطقة المغرب العربي بشكل خاص ومنطقة البحر الأبيض المتوسط بشكل عام، تمت الإشارة إلى أن إسبانيا اختارت دائما توثيق العلاقات بين الجانبين ودعمها لقيام مختلف المبادرات (عملية برشلونة مطلع التسعينات، وكذلك الحوار المتوسطي لحلف الناتو ومبادرة 5 +5 ). مصلحة إسبانيا الاستراتيجية في البحر الأبيض المتوسط لا تكمن فقط في الحدود، ولكن في قيمة الفضاء الجيو-سياسي الخاص؛ وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق تجسيد مصالح الاتحاد الأوروبي، وتدعيم إطار شامل للمنطقة بأسرها، مشددا على ضرورة تمكين «الاتحاد من أجل المتوسط» ، والذي يوجد مقره في برشلونة، من رؤية استراتيجية وفعالة. وإسبانيا باعتبارها الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي لديها حدود برية مع العالم العربي( يقصد الأراضي المغربية)، عليها أن تتمكن من قيادة أوسع في هذا المجال الجغرافي والسياسي، والدفاع عن تعزيز تدفق الدعم فيما يخص سياسة الجوار الأوروبية والرؤية الأوروبية للتحرر السياسي في هذه البلدان. واعتبر التقرير أن مسؤولية إسبانيا داخل الاتحاد الأوروبي تتلخص في عملها على تجنب الانهيار الاقتصادي، وتدهور الأوضاع المعيشية في تلك البلدان، من خلال البرامج المدرجة في الميزانية، والتنظيم في الاتحاد الأوروبي برعاية معاهدات منظمة التعاون والتنمية، والتمويلات المحددة للمنطقة من قبل مصرف الإمارات الإسلامي، المصرف والبنك الدولي والبنوك التجارية وصناديق الاستثمار. وفي مستوى أبعد من ذلك، فإن إسبانيا مطالبة بضمان استخدام أموال الاتحاد الأوروبي لمثل هذه الأغراض، لتكون في نهاية المطاف أكثر أهمية لتعزيز العلاقات الاستثمارية والتجارية، بما في ذلك إعادة النظر في الاتفاقات الزراعية، وتسهيل تنقل المواطنين بين الضفتين مع هدف طويل الأجل، يتجلى في تحسين التواصل بين الشركات، وتسهيل اندماج المهاجرين الذين يدخلون لها اليد العاملة الخبيرة. أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن العلاقات التجارية والأعمال بين إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وإسبانيا تتزايد بشكل سريع، وهذا التقارب ينبغي أن يكون على نفس مستوى العلاقات السياسية وكافة التحركات، أيضا فإن التعاون بين إسبانيا والضفة الجنوبية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار إمكانيات النمو الهائلة التي توفرها مختلف أبعاد العمل الخارجي في الأمن والطاقة والبيئة في الهجرة والموارد الطبيعية ( مصايد الأسماك) .