يرى الخبير في العلاقات المغربية الإسبانية أن إسبانيا تراهن على المغرب للخروج من أزمتها الاقتصادية، بينما مطالب المغرب كثيرة من إسبانيا، وأكد أن حكومة راخوي ستحاول عدم إثارة قضية سبتة ومليلية في المستقبل. - ما هو الهدف الذي تسعى إليه إسبانيا من خلال زيارة راخوي للرباط في الوقت الراهن؟ إسبانيا تراهن اليوم على المغرب بشكل كبير، فهي تريد، بكل بساطة، أن يساعدها على الخروج من أزمتها الاقتصادية، وهذا ما لم يكن بالإمكان تصوره قبل عشر سنوات من الآن؛ فإسبانيا بعد عودة الديمقراطية راهنت على أوروبا، وأوربا لن تقدم الحل لإسبانيا وتتدخل لإنقاذ اقتصادها دون شروط يعتبرها البعض مهينة. كما أن الحضور الاقتصادي الإسباني يعرف كذلك تراجعاً في أسواقه التقليدية بأمريكا اللاتينية، مثل الأرجنتين وفنزويلا والبرازيل، حيث وضعت هذه البلدان قيوداً صارمة على الاستثمارات الإسبانية. في المقابل قدم المغرب لإسبانيا تسهيلات متعددة، تؤكدها الأرقام، فحجم الصادرات الإسبانية إلى المغرب ارتفع ب20 في المائة في أقل من ستة أشهر، وأكثر من ثلث الاستثمارات الإسبانية في إفريقيا توجد بالمغرب، وهي الأهم كذلك في العالم العربي، كما أن إسبانيا أصبحت الشريك الأول للمغرب، وهي الرتبة التي احتلتها فرنسا على امتداد أكثر من نصف قرن، والمغرب أصبح هو ثاني سوق خارج الاتحاد الاروبي بالنسبة للمنتوجات الإسبانية بعد الولاياتالمتحدة. - وماذا يريد المغرب من إسبانيا؟ ما يريد المغرب من إسبانيا متشعب ويتطلب مجهوداً كبيراً، بعضه يمكن المطالبة به الآن، وأظن أن واحدة من القضايا المهمة، التي لم تعرف أي تحسن، هي صورة المغربي في المجتمع الإسباني، فهي محكومة بمخلفات الماضي، وبأسطورة لم يعد لها أساس تقول إن «العدو يأتي دائماً من الجنوب». المغربي، حسب الدراسات المتخصصة، هو الأكثر رفضاً من بين جميع الأقليات، بمن في ذلك مهاجرو إفريقيا جنوب الصحراء، وهذا يعرقل اندماج الجالية المغربية في إسبانيا، ويخلق لها الكثير من الصعوبات. الحكومة المغربية إذن مطالبة بالعمل من أجل تحسين هذه الصورة، بتنسيق مع الحكومة الإسبانية. كما أن هناك موضوعا آخر يهم الجالية المغربية هو إمكانية تصويت المغاربة في الانتخابات البلدية بإسبانيا، فالدستور المغربي المعدل يقر بذلك، وكذلك الدستور الإسباني، ولا أعرف لماذا لم يتم لحد الآن تنزيل بندي الدستورين، علماً بأن المغاربة لو صوتوا لتحسنت وضعيتهم كثيراً، خصوصاً أن سياسة اندماج المهاجرين تشرف عليها الحكومات المحلية والمجالس البلدية أكثر مما تشرف عليها الحكومة المركزية، وهذه الحكومات لا تأخذ مطالبهم اليوم بعين الاعتبار لأنهم لا يصوتون في الانتخابات. - هل هناك علاقة بين الوضعية الداخلية لإسبانيا وانعقاد الاجتماع رفيع المستوى في هذه الظرفية بالذات؟ انعقاد الاجتماع في هذه الظرفية يسجيب، في تقديري، لأجندة مدروسة من طرف إسبانيا، فالمشاكل تنهال على حكومة راخوي من كل جانب، وهي في الأصل ذات طبيعة اقتصادية، لكن بسبب عدم إيجاد حل لها، تطورت وأصبحت مشاكل ذات طبيعة سياسية واجتماعية كذلك. كما تعلم، نظمت مؤخراً مظاهرة في برشلونة شارك فيها أكثر من مليون شخص يطالبون باستقلال كاطالونيا، والحكومة المحلية في هذه المنطقة، التي يقودها حزب قومي، أعلنت عن إجراء انتخابات سابقة لأوانها خلال الشهر المقبل. أما أصل المشكل فهو أن راخوي رفض الاستجابة لمطالب حكومة كاطالونيا، المتمثلة في الحصول على الاستقلال الاقتصادي التام، لأن كاطالونيا ترى بأنها تساهم في ميزانية إسبانيا أكثر بكثير من بقية الأقاليم، وبالتالي تعطي أكثر مما تأخذ. هناك مشكل آخر هو مشكل «حركة 25 سبتمبر»، التي قادت مجموعة من الاعتصامات أمام البرلمان الإسباني مؤخراً، وهي تطالب بسياسة اجتماعية أكثر إنصافاً، خصوصاً بين الشباب الذين تجاوزت البطالة بينهم 50 في المائة. في خضم هذا الجو المتوتر إذن يأتي راخوي إلى المغرب ويحصل على مكتسبات اقتصادية، ستساعده لا محالة في تهدئة الرأي العام. - ما هو مستقبل سبتة ومليلية في ظل حكومة راخوي؟ إننا أمام واحدة من أصعب القضايا في السياسة الدولية بشكل عام، لأن الأمر يتعلق بأقدم مستعمرتين في التاريخ. وأظن أن حكومة راخوي ستحاول ما أمكن، بسبب مصالحها الاستراتيجية في المغرب، عدم إثارة موضوع سبتة ومليلية إيجاباً أو سلباً، بمعنى أنه لن تكرر أخطاء من قبيل الموافقة على زيارة الملك خوان كارلوس للمدينتين، كما فعلت الحكومة الاشتراكية سابقاً. وفي نفس الوقت سيتم النظر بكثير من الحذر إلى معطيات جديدة، مثل تزايد الساكنة المسلمة في المدينتين، حيث إن عدد المتحدرين من أصول مغربية في مليلية تجاوز هذه السنة لأول مرة 50 في المائة، وهو رقم له دلالته، حيث لم تعرف مدينة خاضعة لحكم إسبانيا هذا الوضع منذ حروب الاسترداد. كما أن الحكومة الإسبانية تنظر بحذر إلى تزايد عدد المتحدرين من أصول مغربية في الجيش الإسباني بالمدينتين، والذي يتجاوز عددهم اليوم ثلث الجنود. أظن أن الاستراتيجية الأمثل تمر عبر معالجة قضية سبتة ومليلية من طرف المغرب وإسبانيا وفق مقاربة شمولية، من خلال إنشاء خلية تفكير مشتركة، فعلى الطاولة مجموعة من القضايا لا تتحمل الانتظار، مثل قضية التطرف الديني الحاضر بقوة في المدينتين، وكذا الوضعية الاجتماعية المزرية للجالية المغربية. - كيف تنظر الحكومة الاسبانية إلى مستقبل الصحراء؟ وهل ستدفع مصالحها مع المغرب إلى تأييد الحكم الذاتي؟ موضوع الصحراء المغربية أصبح قضية رأي عام في إسبانيا، وورقة انتخابية بامتياز، بل إن بعض الأحزاب السياسية، وعلى رأسها الحزب الشعبي الحاكم، كان يعتبرها إلى وقت قريب شأنا داخليا إسبانيا، وهذا ما أعلن عنه عدد من قيادييه أثناء أحداث مخيم اكديم إزيك، وكان موقف الحزب الشعبي من تلك الأحداث وراء خروج مظاهرة مليونية في الدارالبيضاء. يجب أن نعي بأن الحزب الشعبي مهما غير موقفه في الوقت الحاضر لا يستطيع أن يعلن عن ذلك بشكل مباشر ودفعة واحدة دون أن يهيء مسبقاً الرأي العام، لأن البوليساريو والجزائر اشتغلتا أكثر من ثلاثين سنة في إسبانيا، بتنسيق مع لوبيات معينة، لجعل الرأي العام الإسباني يتعاطف مع البوليساريو، وبالتالي ما تم بناؤه على امتداد مدة طويلة لا يمكن تفكيكه دفعة واحدة. وأظن أن مجرد إثارة راخوي موضوع الصحراء في كلمته أثناء انعقاد الدوة السنوية للأمم المتحدة في نيويورك مؤخراً، ودعوته إلى الاحتكام إلى توصيات مجلس الأمن وإلى الحوار يعد مؤشرا إيجابيا. أظن كذلك أن المغرب عليه أن يستفيد من الظرفية الحالية، فاختطاف متعاونين إسبان في تندوف، وتورط بعض المحسوبين على البوليساريو في ذلك، وإلحاح الحكومة الإسبانية على رعاياها بعدم السفر إلى هناك هي مؤشرات إيجابية. وفي تقديري، فإن الرأي العام الإسباني يهتم اليوم أقل مما كان عليه الأمر من قبل بقضية الصحراء وبدعم أطروحة البوليساريو، لسبب بسيط هو أن هذا الرأي العام له أولوية أخرى هي الظروف الاقتصادية الصعبة التي يجتازها، حيث إن أكثر من مليون ونصف بيت لا يشتغل أي أحد من أفراده، لذا فكل شيء غير تحسين وضعيته الاقتصادية لم يعد يهتم به. -هل إسبانيا تريد فعلا أن تجعل من المغرب دركيا في محاربة الهجرة السرية، خصوصا تدفق الأفارقة إلى المدن المحتلة بشمال المغرب؟ اتفاقية 1992 بين المغرب وإسبانيا والمتعلقة بالهجرة تقول إن المغرب يوافق على إعادة إسبانيا للمهاجرين المغاربة الذين يدخلون أراضيها بطريقة غير شرعية، وكذا المهاجرين الأفارقة الذين يدخلون عبر المغرب، لكن الاتفاقية مرت عليها الآن 20 سنة، ولا أحد كان يتخيل بأن الهجرة من إفريقيا جنوب الصحراء ستصل إلى الأهمية العددية التي وصلتها؛ فأعداد الأفارقة الذين يستعملون التراب المغربي للوصول إلى «الفردوس الأوروبي» كبير جداً، والمغرب لا يمكنه أن يقبل بأن تعيد إسبانيا كل الأفارقة إلى أراضيه، وله سند قانوني؛ فمهاجرو إفريقيا جنوب الصحراء الذين يتم ضبطهم يكونون في عرض البحر أو في السواحل الإسبانية. وبالنسبة إلى الأفارقة الذين يصلون إلى سبتة ومليلية، يطرحون مشكلاً داخلياً بالنسبة إلى إسبانيا، فالحكومة المركزية تقول إن الذي يتكفل بهم مادياً وبإيجاد مكان لهم في المخيم المخصص للمهاجرين، هما حكومتا سبتة ومليلية. -ماذا يمكن أن يقدمه المغرب لإسبانيا في مجال محاربة الإرهاب؟ محاربة الإرهاب مسؤولية الجميع، وليس فقط مسؤولية المغرب وإسبانيا. الجميع اكتوى بنارها، والمغرب وإسبانيا راكما تجربة سنوات في هذا الإطار؛ فمنذ تفجيرات مدريدوالدارالبيضاء لم يتوقف هذا التعاون، وقد كان هناك ارتباط بين التفجيرين، مما زكى ذلك، لكن اليوم نحن أمام معطيات جديدة مع امتداد هذا الإرهاب إلى منطقة الساحل والصحراء. هنا يجب أن يكون التعاون بين المغرب وإسبانيا، بل حتى بين بلدان ضفتي المتوسط، التي تلتقي في إطار ما يسمى ببلدان 5+5، كافياً، بل يجب أن يكون التعاون مع بلدان الساحل والصحراء كذلك، وهو تعاون لا يمكن أن يتحقق بسلاسة، لاعتبارات متعددة، على رأسها الخلاف بين المغرب والجزائر، حيث الحدود البرية لا تزال مغلقة، كما أن الجزائر ترفض أن يحضر المغرب للقاءات التي تنظم على ترابها مع بلدان الساحل والصحراء للتدارس حول قضية الإرهاب. هناك مشكل آخر هو أن بلدان الساحل والصحراء تعرف عدم وجود استقرار سياسي، وانعدام الأمن، وغياب مراقبة الحدود، مما يعني أن وصول عناصر إرهابية إلى المغرب وعبره إلى إسبانيا متخفية وراء غطاء الهجرة غير الشرعية أمر وراد. وأظن هنا أنه يمكن التفكير في وضع مراكز للمراقبة المشتركة في المناطق الحدودية بين مختلف بلدان منطقة المغرب العربي والساحل والصحراء، على غرار المراكز التي تم وضعها بين المغرب وإسبانيا مؤخراً.