إن الاحتفال هذه السنة باليوم العالمي للغة العربية يطرح عدة تحديات تتعلق بالنهوض بلغة الضاد في خضم ثورة الذكاء الاصطناعي. " رسالة 24 " جمعها حوار مع فؤاد بوعلي رئيس الإئتلاف الوطني من أجل اللغة العربية لمناقشة هذه التحديات بداية كيف حال لغة الضاد في عز ثورة الذكاء الاصطناعي؟ يحتفي العالم شرقا وغربا وجنوبا وشمالا باليوم العالمي للغة العربية. والغاية منه التذكير بقيمة هذه اللغة وأهميتها في الذاكرة والحضارة الإنسانية. وتنبع أهمية الاحتفاء بها من هذه الزاوية لكن، تمتد الأهمية إلى التحسيس بدور المؤسسات والمنظمات في النهوض باللغة العربية، باعتبارها ليست لغة عرق ودين إنما هي لغة كونية. ولقد أثارت منظمة اليونسكو قضية الذكاء الاصطناعي والتي تسائل المؤسسات والمعاهد ودور البحث والنشر لإثراء المحتوى الرقمي العربي. فكما تعرفون، ما زالت اللغة العربية متخلفة في هذا الجانب عن ركب اللغات العالمية، فمثلما تخلفت اللغة العربية في ميدان الترجمة، تخلفت كذلك في الذكاء الاصطناعي. لكن، هناك جهود معتبرة من طرف مجموعة من المعاهد والمراكز العربية والمغربية. فهناك مجموعة من المؤسسات الجامعية، خاصة مؤسسات البحث العلمي في كليات العلوم والمعاهد التقنية تهتم بهذا الجانب وتقدم مجموعة من البرامج والبدائل التي تطور اللغة العربية وتجعلها حاضرة في الفضاء العنكبوتي. ماهي أبرز التحديات التي تواجه اللغة العربية اليوم؟ تواجه اللغة العربية عدة تحديات… فهناك التحدي العلمي والتقني المرتبط بعصر الذكاء الاصطناعي والرقمنة، والتحدي الاجتماعي المتعلق بالوعي باللغة العربية والتحدي الثقافي واللغوي مع الافتراس الذي تمارسه اللغات الأجنبية وكذا تحدي التعريب. لكن، اعتقد أن أهم تحدي تواجهه اللغة العربية هو التحدي السياسي، لأنه إذا كانت أي دولة تريد أن تنهض بلغاتها، ينبغي أن تكون لها سياسة لغوية واضحة المعالم تحفظ للغة العربية مكانتها الرئيسية والجوهرية مع الانفتاح على اللغات الأجنبية التي تحتاجها أو مع تلك التي تعد الأكثر تداولا في العالم. وخارج هذا السياق، اعتقد بأنه لا يمكن أن نصل إلى تحقيق أمن لغوي وسيادة لغوية. وإلى جانب التحديات السالفة الذكر نجد تحديات النشر ومشاكل التنسيق بين الدول العربية في قضايا الترجمة وفي قضايا النهوض باللغة العربية. فكل دولة لها سياستها الخاصة وتغض النظر فيما أنجزته الدول الأخرى، إذن هناك إشكالات، ولعل فشل منظمات العمل العربي المشترك في عدم القيام بأدوارها هي خير دليل على ذلك. كنتم قد صرحتم سابقا أنه لا يوجد نص قانوني يحمي استخدام اللغة الرسمية في التواصل الرسمي. لماذا لا تطالبون بذلك كائتلاف وطني؟ منذ تأسيس الائتلاف، ونحن نطالب بأن يكون هناك قانون تنظيمي لحماية اللغة العربية، لأنه لا يكفي أن يقر النص الدستوري برسمية اللغة العربية، ولا يكفي أن يكون الإيمان باللغة العربية واعتبارها لغة دين وهوية وانتماء. لكن، لابد أن يظهر إلى حيز الوجود قانون تنظيمي من أجل حمايتها. وقد كانت هناك مجموعة من المشاريع التي طرحتها مجموعة من الفرق البرلمانية مثل الفريق الاستقلالي وفريق العدالة والتنمية. لكن، كلها همشت وحوصرت لذلك مازلنا نطالب بهذا القانون الذي يحمي اللغة العربية من التجاوزات التي تجعل الإقرار الدستوري برسمية اللغة العربية إقرارا شكليا في حين من المفروض كباقي اللغات الدستورية أن تُطبق ويُتعامل بها في الفضاءات الرسمية وفي التواصل الرسمي والإداري الذي لا زالت نعيش فيه التهميش. بل أكثر من ذلك، تتعمد بعض الجهات الإساءة للغة العربية باعتبارها لغة متخلفة وخارج السياق الحداثي، بل هناك من يعتبرها لغة إرهابية. فإذا كنا نؤمن بأن اللغة العربية هي لغة النص الدستوري فينبغي أن نحميها. أين يتجلى التقصير الحكومي في الاهتمام بلغة الضاد؟ مظاهر التقصير الحكومي في حماية اللغة العربية عديدة، وأكثر من أن تُحصى مع هذه الحكومة. فلأول مرة في تاريخ الحكومات المغربية، يُصبح المجلس الحكومي أو لجنة من اللجان الحكومية يدار باللغة بالفرنسية، وأول مرة نجد رئيس حكومة لا يتقن الحديث باللغة الرسمية للبلد ونلمس إصرارا على تهميش اللغة العربية في كل المحافل. كما أن الإصرار على التواصل في الرسمي والإداري باللغة الفرنسية يدل على عدم وعي سادة القرار السياسي بالمغرب بأهمية اللغة العربية في تعبيرها عن السيادة الوطنية، فاللغة عنصر أساسي من عناصر السيادة الوطنية وليست مجرد آلية للتبليغ والتواصل ولدينا أمثلة كثيرة حول ذلك: تتذكرون جاك شيراك عندما غادر مؤتمرا أوروبيا لأن أحد المسؤولين الأوروبيين تحدث باللغة الإنجليزية، ووزير الخارجية الألماني عندما رفض الجواب عن سؤال باللغة الإنجليزية في برلين، وقال نحن هنا في ألمانيا وليس في بريطانيا. هذه بعض الأمثلة عن السيادة اللغوية لذلك عدم وعي المسؤولين بهذا الأمر هو الذي يجرنا إلى تجاهل اللغة العربية والاستعمال اللغوي والتداول بلغة الضاد. فعندما يخطئ رئيس الحكومة في اللغة العربية، فماذا تنتظر من باقي الوزراء أو باقي الإدارات التي تعمل تحت إمرتها. هذه مشكلة حقيقية تمس عمق الفهم السياسي للمسؤولين.