أجرت الزميلة ليبراسيون الأسبوع الماضي (عدد 6125 - الخميس 9 دجنبر 2010) حوارا مع الحبيب المالكي عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي ورئيس المركز المغربي للظرفية، تطرق فيه لمختلف الملفات التي تهم المنطقة المتوسطية، والتوتر الأخير بين المغرب واسبانيا، الذي توقع نهايته بالنظر للعلاقات التي تربط البلدين والشعبين. وأشار إلى أهمية الاتحاد من أجل المتوسط بالنسبة لمستقبل المنطقة والعراقيل التي تعيق تطوره، وفي مقدمتها تصرفات الجزائر تجاه المغرب ووحدته الترابية، والصراع العربي والاسرائيلي... { في رأيكم، أين تكمن الأزمة المتوسطية، وما هي خصوصيتها بالمقارنة مع مناطق أخرى؟ الأزمة العالمية الحالية أظهرت هشاشة المنطقة المتوسطية، لاسيما في الميادين الاقتصادية والاجتماعية، كما أظهرت أيضا التناقضات السياسية الكبرى التي تهز المنطقة منذ عدة سنوات، و المنطقة المتوسطية تشكل مجموعة متفككة، قليلة الجادبية بالنسبة للاستثمارات المباشرة والتي تمثل أقل من 4% من مجموع الاستثمارات على مستوى العالم. كما أن هذه الأزمة كان لها انعكاس مختلف على مستوى دول الضفة الشمالية، حيث كانت الأزمة مباشرة. بينما بالنسبة لدول الضفة الجنوبية كانت لهذه الأزمة آثار غير مباشرة وذلك لأن أغلب هذه الدول غير منفتحة بدرجة كبيرة على أسواق رؤوس الأموال العالمية، ولاسيما على مستوى المبادلات التجارية، وهذا ما يفسر لماذا بقيت هذه الدول محمية نسبيا من الأزمة بالمقارنة مع دول الضفة الشمالية، وهذا يطرح سؤالا مهما: هل الانتماء إلى حوض المتوسط في ضوء الأزمة الحالية يشكل فرصة للتفكير في سبل الخروج من الأزمة؟ ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار الاتحاد من أجل المتوسط الذي أطلق في يونيه 2008 إطارا بإمكانه أن يسمح بالتقييم والتحليل وأيضا وضع الاستراتيجيات الممكنة لجعل المنطقة منطقة تقدم واستقرار. { ما هي هذه الاستراتيجيات؟ النقاش تركز بشكل أساسي على مفهوم النمو، والأزمة أظهرت بأن النمو، كما مورس في السنوات الأخيرة، هو نمو إحصاء، وهو ما يفسر تنامي البطالة التي مست الشرائح الإجتماعية الأكثر هشاشة وخاصة الشباب والنساء، وهو ما يفسر أيضا استفحال الفوارق من خلال توزيع سيء للمداخيل، وهو ما يفسر في النهاية تنامي الفقر، سواء في دول الضفة الشمالية أو في دول الضفة الجنوبية. وبالتالي هناك أزمة اجتماعية قوية، ولذلك فإن أي استراتيجية لا تدمج البعد الإجتماعي للخروج من الأزمة لا يمكن أن تعطي كل النتائج المرجوة إذا لم نقل أنها محكومة با لفشل. والفكرة الرائجة هي عقد مؤتمر قمة في إطار الاتحاد يخصص لمسألة الهجرة والتشغيل من أجل إعطاء «الاتحاد من أجل المتوسط» بعدا اجتماعيا حتى تصبح التنمية تنمية إدماج وليس تنمية إقصاء، تكون استراتيجية اجتماعية فعلية تتوفر على آليات التدخل في ميادين الهجرة والشغل. وهو ما سيؤدي إلى وضعية جديدة بمقاربات مجددة وإيجابية مقارنة مع المقاربات الكلاسيكية. البعد الثاني للاستراتيجية هو البعد التمويلي، ومهما كانت المشاريع المعتمدة فإن محيط المتوسط يفتقر لآليات التمويل المرتكزة على التنسيق والتشاور. وقد اتفق المشاركون في الندوة السادسة حول المتوسط على ضرورة إحداث بنية لضمان وتمويل الاستثمارات في أقرب وقت ممكن، داخل البنك الأوربي للاستثمار لأنه ليس ممكنا خلق هيئة جديدة بالموازاة مع المؤسسات الموجودة، وأذكر هنا بتجربة خلق البنك الأوربي لإعادة البناء والتنمية (BERD) في التسعينيات من القرن الماضي. وهذه المؤسسة كانت تصاحب عددا من الدول الأوربية وسط وشرق الاتحاد الأوربي. هذان البعدان اللذان ذكرت، يلخصان بعض التوجهات التي من شأنها أن تعطي محتوى ملموسا للاتحاد من أجل المتوسط، يحظى بالمصداقية ويجعله قادرا على التعبئة وإعطاء نفس جديد لاسيما وأنه من قيامه في يونيه 2008 لم تنعقد أية قمة رغم المحاولتين اللتين جرتا في يونيه ونونبر الماضيين. فالاتحاد من أجل المتوسط مشروع سياسي كبير وهو في مرحلة التأسيس من خلال احداث أمانة عامة في برشلونة. ولكن لابد من استراتيجية تكمن في اطلاق مشاريع جديدة و في نفس الوقت لابد من ايجاد وسائل التموين الضرورية. { إلى جانب الشق الاقتصادي والاجتماعي، ما هي أهمية انخراط السياسيين في هذا الرهان المتوسطي الكبير؟. أمام الاتحاد الأوربي، فإن دول الضفة الجنوبية تبدو معزولة لأن كل بلد يعمل بمفرده. وإنه لابد غدا من وضع شرط جديد للاندماج الجهوي، فأي مشروع لا يجب تمويله إذا لم يكن ينخرط في ديناميكية إندماجية جهوية. واعتقد أن هذا الشرط بالاندماج الجهوي يمكن أن يساعد دول الجنوب على تجاوز مشاكلهم التي أصبحت غير مقبولة في سياق العولمة. فلا يمكن أن نكون منافسا ومستثمرا إذا لم نضع التنمية ضمن استراتيجية إندماج جهوي. وهذه إحدى الشروط التي تفرض نفسها والتي تفسر بطء تنمية المتوسط، خاصة وأن هذه المنطقة ملغومة بالصراعات وتتميز بنسبة ضعيفة للتنمية البشرية، وهي أيضا منطقة تناقضات خانقة تشل حركتها. وهو ما يجعلها منطقة مهددة بأن تبقى في مؤخرة الركب بالمقارنة مع مناطق أخرى من العالم. وهذا ما يطرح ضرورة بلورة استراتيجية حقيقية متجهة نحو المستقبل وبالأخص إرادة سياسية حقيقية. لقد حان الوقت لتجاوز ثقافة «الجمود» والحفاظ على الوضع القائم الذي يعتبر العدو الحقيقي للتقدم. وبعبارة أخرى فإن زمن سياسة التنمية الفردانية قد انتهى، خاصة وأن نسبة 1% من التنمية في الجنوب يخلق 0,2% من التنمية في الشمال، وبالتالي الترابط بين الدولتين قوي، والعرقلة تأتي، للأسف من الجزائر التي ترفض حل مشكل الحدود مع المغرب. وهي وضعية وموقف ينتمي لفترة سابقة. { هل يمكن أن نقول بأن المواقف السياسية للجزائر تجاه المغرب وديمقراطيتها المتعترة تعرقل تطور الاتحاد من أجل المتوسط؟ بالفعل، الجزائر تعرقل تطور الاتحاد من أجل المتوسط، وذلك باتخاذ مواقف متجاوزة ولا علاقة لها بسياق بداية القرن 21. فديمقراطيتها متخلفة، واغلاق الحدود يجسد الإنحصار السياسي الذي تعانيه الجزائر، وبالتالي فالجزائر محكومة بأن تنفتح من خلال دمقراطيتها تحت ضغط الشعب الجزائري. فالديمقراطية وحسن الجوار أمران متلازمان. { ألا تعتقد أن التوتر الحالي بين المغرب واسبانيا في أعقاب مصادقة البرلمان الأوربي والإسباني على توصيتين أثارتا غضب الرباط، يؤثر على تطور الاتحاد الأوربي. أبدا، فالتوتر الحالي بين المغرب واسبانيا سرعان من سيتبدد، خاصة وأن البلدين الجارين مرتبطان بعلاقات متينة. فتاريخ وثقافة البلدين تتقاطعان والمجتمعان قريبان من بعضهما البعض وهو ما يعطي للعلاقة بين المغرب واسبانيا خصوصية تتميز برغبة الشعبين وليس برغبة السياسيين، وبالتالي فإن البلدين اساسيان بالنسبة للمتوسط، ولا يجب أن ننسى بأنهما يشكلان أقرب نقطتين بين ضفتيه. ولذلك يجب التحرك بسرعة لوضع حد للصراعات السياسية التي تشعلها رغبات شريرة من طرف جيراننا في الشرق. يتعين العمل على استقرار المنطقة برسم الحدود نهائيا وتبديد أي سوء فهم. وهذا هو الدور المنتظر من جميع دول المتوسط لإعطاء وعاء متين لاتحاد هذه الدول، خاصة وأن منطقة المتوسط يمكن أن تصبح في ظل الاتحاد، قاطرة حقيقية للتنمية على المستوى الدولي. { ما هو في رأيكم إسهام دول الجنوب في الاتحاد من أجل المتوسط وفي تطور المنطقة؟ المغرب كان دائما مثالا، خاصة وأنه حقق نجاحا مهما في رهان التنمية وإعادة الهكيلة والتأهيل على المستوى الحضري في مناطقه الشمالية. ولذلك ينظر للمغرب كبلد يعمل على استعادة بعده المتوسطي. اكثر من ذلك، المغرب نموذجي بفضل مختلف مشاريعه المرتبطة بالاقتصاد البيئي. ووضع مخططه الجديد للطاقة الشمسية في إطار مخطط متوسط تحت اسم «ديزيرتيك». والمغرب نموذجي أيضا بفضل الوضع المتقدم الذي يربطه بالاتحاد الأوربي. لكن كل هذا لا يكفي، فلا يمكن تحقيق التنمية بشكل منفرد، كما لا يمكن المطالبة بمكانة خاصة دون أن يكون ذلك ضمن مجموعة جهوية متجهة نحو الاندماج. و هذه أحد أكبر التساؤلات التي تفسر الوضعية التي تعيشها المنطقة. إلى جانب كل هذا هناك الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، هذا الصراع التاريخي الذي يعيش حاليا انحسارا أكثر من أي وقت مضى، والذي يعرقل تحقيق الاتحاد من أجل المتوسط حتى يصبح كيانا حيا قادرا على أن يصبح فاعلا دوليا، يمارس تأثيرا واضحا على مجمل القرارات المتعلقة بالمنطقة والعالم. { وماذا عن البعد المتوسطي للمغرب؟ البعد المتوسطي للمغرب بقي في الظل لعدة سنوات. وقد كان إحداث مجموعة الدراسات والبحوث حول المتوسط (GERM) سنة 1990، وأول فضاء لتبادل الأفكار والتفكير والتحليل لإعادة الاعتبار للبعد المتوسطي للمغرب. وقد لعب شمال المغرب كما الصحراء دورا جوهريا علي المستوى التاريخي، تشكيل هوية مغربية وأيضا في التقدم الذي شهده المغرب عبر عدة قرون. واحتلال مدينتي سبتة ومليلة يفسر هذا الاقتطاع. وفي الختام، يجب الابتعاد عن الإحساس السائد بالتشاؤم. فتاريخ المتوسط تاريخ عميق تميز بفترات أزمات من خلال صراعات مفتوحة، وبالتالي لابد من تهييء فترة جديدة من النمو والاستقرار والسلم، يجب الاستثمار في هذا الأفق. ولم يسبق لمنطقة المتوسط أن كانت بحاجة لذلك مثل اليوم. وأحد الجوانب الإيجابية للاتحاد من أجل المتوسط يكمن في امتلاك دول حوض المتوسط لمجالهم الجيوستراتيجي الخاص، يجب بشكل خاص ممارسة واقعية خلاقة عن طريق إرادة سياسية قادرة على امتصاص كل الصدمات وتجمع حولها كل المكونات من أجل نجاح حوض متوسطي جديد.