* كيف يمكن تقييم البرنامج الحكومي خصوصا في الشق الاجتماعي والاقتصادي؟ في الواقع، لم يكن برنامجا ينطوي على شيء يمكن الاعتداد به كتصور خاص بحكومة سعد الدين العثماني. ليست هناك هوية مستقلة أو شبه مستقلة لبرنامج مليء بالفراغات، كما هو غارق في عدم الإيضاح لترابط الإجراءات. إننا إزاء حكومة تتشكل من 39 وزيرا، وبين قطبين إذا جاز التعبير، قطب يسيره التجمع الوطني للأحرار ويضم أربعة أحزاب، وما يشبه قطبا آخر يضم حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، ومن الواضح أن البرنامج المعلن لا يعكس سوى هذا التنافر القبلي بين القطبين اللذين وجدا نفسيهما جنبا لجنب في هذه الحكومة. بعبارة أخرى، يمكنني القول إن البرنامج الحكومي لم يكن سوى حل وسط بين النزعتين المتنافرتين لهذين القطبين المشكلين للحكومة، وبشكل ما، ارتضى الجميع أن يكون البرنامج مجرد ورقة تقنية عصبها الجوهري هو الاستمرار في ما كان معمولا به. إن برامج حكومة عبد الإله بنكيران تغطي الكثير من أوراق برنامج حكومة العثماني، وكأنها بصدد تصريف أعمال متبقية، وليس لإرساء تصورات سياسية في إدارة الشأن العام. وكي أكون صريحا، فإن العثماني قدم برنامج حكومته بطريقة تشبه إعفاء النفس من العتاب، ولذلك سيفشل الكثير من المراقبين الذين سيحاولون البحث عن هوية سياسية لهذا البرنامج. لقد اطلعت عليه، وظهر لي وكأنه مجرد قص ولصق من برامج سابقة تفتقد إلى الطموح المناسب لظرفية جديدة يجب توقعها في السنوات الخمس المقبلة. * لكن البرنامج قدم تعهدات بتحقيق أرقام لم تكن تبدو سهلة في حكومة بنكيران مثل تلك المتعلقة بالنمو وبالبرامج المرتبطة بالتعليم والسكنى.. بالعكس، تلك الأرقام لا تنطوي على أي تحد خاص، ويمكن القول إن الأرقام المعروضة حول النسب التي ستحقق في النمو مثلا لا تعدو أن تكون خالية من أي طموح. إنهم يطرحون نسبة تتراوح ما بين 4.5 و5.5 في المائة، وهذه نسب لا تلائم الحاجيات المطلوبة في الاقتصاد المغربي، كما تمثل بالنسبة لي نسبة يمكن تحقيقها بسهولة إن هبطت الأمطار الكافية في عام واحد. 5.5 في المائة ليست نسبة قد تعكس انتصارا، بل هي قبول بواقع خال من الطموحات المجيدة. إن الحكومة التي لا تسعى إلى نمو يفوق 7 في المائة أو يصل إلى 10 في المائة لا يمكن أن تكون حكومة تدبير حقيقي. لقد كان الاكتفاء بالحد الأدنى في نسبة النمو مجرد استسلام لعقلية سياسية غريبة تدفع إلى حث المسؤولين لعدم التعهد بنسب أعلى كي لا ينظر إليهم وكأنهم كانوا يستغفلون الناس، وحتى لا يتعرضون للمساءلة لاحقا. لكن كيف يمكن التحكم في نسب النمو أصلا؛ إننا نعمل داخل اقتصادي فلاحي بالأساس، ورهين بالسوق الخارجي، وبالتالي، فإن مستويات النمو قد لا تكون أمرا قابلا للتحكم، لكن السياسيين عليهم بذل المجهود الإضافي لدفع آمال الناس نحو الأعلى. ولا أعتقد أن بلادا تضع حكومتها سقفا يتراوح ما بين 4.5 و5.5 في المائة كنسبة نمو في 2021، ستكون بلادا تقدم فرصة نمو حقيقية للاقتصاد. ثم إليك برقم البطالة الذي وعدت بحصرها في 8.5 في المائة، وهو ليس رقما إعجازيا، إنه رقم متخاذل في ضوء أرقام البطالة الحالية. فأن تقلص نسبة البطالة بعد خمس سنوات ب1 في المائة فقط، ليس عملا بطوليا، إنما هو استسلام كبير. * برنامج حكومة العثماني تعهد أيضا بالاستمرار في تطبيق برامج الدعم الاجتماعي. ويعتقد أنها كانت معركة كبيرة لرئيسها لإدراجها ضمن الخطة الحكومة.. ليس صحيحا تماما. كاقتصادي، فإني وجدت الإجراءات المتعلقة بالدعم الاجتماعي بسيطة ومفتقدة للمساطر العملية التي تربط بينها وبين البرامج الأكثر شمولية. وكمثال على ذلك، فإن البرنامج تعهد بمواصلة إصلاح صندوق المقاصة، وهو ما يعني أن الغاز والسكر سيكونان مستهدفين أساسيين بالعملية، ووطأة فعل ذلك على الناس ستكون كبيرة، وفي مقابل ذلك ماذا فعل؟ قرر تحسين شروط الاستفادة من صندوق التماسك الاجتماعي. إن هذا الصندوق لا يمثل أي شيء في ميزانيات البرامج الاجتماعية والفئة المستهدفة منه قليلة للغاية. ثم هناك وعده بإجراء مراجعة شمولية لأنظمة التقاعد، لكنه لم يحدد كيف سيفعلها. لقد كانت مثل هذه الفراغات مثيرة للشك في نوايا الحكومة وكانت توحي بضعفها الداخلي. إذا كان بإمكاننا قول شيء في توصيف الشق الاجتماعي للبرنامج الحكومي، فيمكن أن أقول إن الغلبة كانت للرأسمال. وسيظهر تأثير هذا في الفترة المقبلة، حيث سيكون العثماني في وضع صعب لموازنة شركائه الرأسماليين، وطموحات حزبه ذات الخلفية الاجتماعية. باختصار، إن البرنامج مجرد ورقة شكلية تعكس كل الإشكالات التي طبعت تشكيل الحكومة. خبير اقتصادي