المغرب جزيرة محصنة ضد العمليات الإرهابية، لكنها محاطة بمنطقة مشتعلة. هكذا صوّر التقرير السنوي الجديد الذي يصدره المعهد الجامعي للدراسات حول الإرهاب، الموجود مقره بالولايات المتحدةالأمريكية، منطقة المغرب العربي وجوارها الإفريقي. التقرير الذي بلغ نسخته السنوية الثامنة، قال إن المغرب يظل الدولة الأقل تعرضا للعمليات الإرهابية ضمن تسع دول تشملها الدراسة، حيث عرفت المملكة 9 عمليات إرهابية منذ أحداث 11 شتنبر 2001، مقابل 1329 عملية إرهابية بالجزائر، و578 عملية إرهابية بليبيا، و218 عملية إرهابية بمالي. لكن التطوّرات الأخيرة التي عرفتها منطقة المغرب العربي والساحل والصحراء، تفيد بأن النشاط الإرهابي عاد إلى مستوياته القصوى السابقة، حيث سجّلت سنة 2016 وحدها 235 عملية إرهابية في دول هذه المنطقة. الفقرة التي خصصها للمغرب، ضمّنها التقرير الجديد طبيعة التهديدات الإرهابية المحدقة بالمملكة. تهديدات تتمثل في استمرار أنشطة استقطاب المقاتلين والتهريب وتبييض الأموال، بالإضافة إلى أنشطة نشر التطرف عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومحاولات تأسيس خلايا تابعة ل"داعش" داخل المغرب. تهديدات أجمل التقرير إجراءات المغرب لمواجهتها في تفكيك عدد من الخلايا الإرهابية في 2016، واتخاذ قرار بمنع البرقع من طرف السلطات المحلية بداية السنة الحالية. "في المجمل، تبدو الاستراتيجية المتبعة من طرف المغرب، سواء منها الخاصة بالتعاون الدولي الموسع بما في ذلك العودة إلى الاتحاد الإفريقي، وتطوير مقاربة دينية متسامحة، نموذجا عمليا لمواجهة التهديدات الإرهابية المحتملة وجعلها في مستويات قابلة للتدبير". التقرير كشف كيف أن الجوار المغربي في كل من المغرب العربي والساحل والصحراء، أصبح يشهد ارتفاعا كبيرا في الأنشطة الإرهابية في السنوات الأخيرة، حيث بات يسجّل أكثر من 200 عملية إرهابية في السنة منذ 2013. عودة التهديدات الإرهابية إلى مستوياتها القصوى فسّره التقرير بالانهيار الذي تعرفه الدولة بليبيا وقسم من مالي، والانتشار الواسع للسلاح في المنطقة ومجيء أفواج جديدة من المقاتلين المتطرّفين المدرّبين على العمليات القتالية والإرهابية. ورغم تصدّرها ترتيب دول المنطقة من حيث عدد العمليات الإرهابية المسجلة منذ 2001، إلا أن التقرير خصّ الجزائر أيضا بالإشادة، حيث قال إن تسجيل 13 عملية إرهابية فقط في 2016، يدلّ على نجاح حكومة بوتفليقة في الحد من الخطر الإرهابي. الجزائر قامت بعدد من الإجراءات مؤخرا لتأمين مجالها الترابي، حيث تحدّث التقرير عن بنائها خنادق وجدارنا في حدودها مع كل من المغرب وتونس وليبيا، وإقامتها أنظمة للمراقبة الإلكترونية ومنعها عددا من مواطنيها من الالتحاق بمعسكرات "داعش". تهديد آخر يهم المغرب بشكل مباشر، يتمثل في نزاع الصحراء وما قال التقرير إنه مناطق غير خاضعة لسلطة الدول في المنطقة تسبّبها النزاعات الإقليمية. الخريطة التي رسمها التقرير للمجال الذي تتحرّك فيه الجماعات المقاتلة المتطرفة، والتي شملت أجزاء من التراب المغربي، هي تلك الواقعة شرق الجدار الرملي في الصحراء. التقرير الذي يوجّه خلاصاته وتوصياته إلى الإدارة الأمريكية من زاوية خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة المغاربية، قال إنه لا يدعو واشنطن إلى لعب دور الحكم في المنطقة، لكنّه شدّد على كون المصالح الأمريكية وتلك الخاصة بحلفائها، تتعرّض لتهديدات متنامية. وخلص التقرير إلى توصيات من بينها توسيع مجال التعاون والتنسيق العسكري والاستخباراتي عبر كل من حلف شمال الأطلسي والقيادة الإفريقية للجيش الأمريكي، مع تزويد حلفاء واشنطن في المنطقة بمزيد من الخبرات والتكوين في مجال مكافحة الإرهاب. التقرير أوصى الإدارة الأمريكية بالعمل على حلّ النزاعات الإقليمية الموجودة بالمنطقة، مقدّما مثال نزاع الصحراء، باعتباره واحدا من المداخل التي تستغلها الجماعات المتطرفة لتهديد الاستقرار والأمن ومعهما المبادلات التجارية والأنشطة الاقتصادية. التقرير توقّف أيضا عند موضوع الصحراويين المقيمين بمخيمات تندوف بالجزائر، ودعا واشنطن إلى العمل على حلّ هذا المشكل في أقرب وقت، "مع التنسيق مع المجموعة الدولية والمانحين لإنجاز إحصاء لسكان هذه المخيمات، وضمان عدم تغيير وجهة المساعدات الإنسانية الموجهة لهم وتسخيرها لأهداف عسكرية أو الاغتناء الشخصي". التقرير قال إنه يجدّد تأكيد توصيات نسخته السابقة، والخاصة بمواجهة الشرخ الاجتماعي وصراع الأجيال الذي يهددها بشكل شامل، في إشارة منه إلى الصعوبات التي يواجهها الشباب. وشدّد التقرير على وجود "قوس لعدم الاستقرار" يتجاوز حدود الدول التي يعبرها. قوس قال التقرير إنه يمتد من الساحل الأطلسي لغرب إفريقيا إلى غاية البحر الأحمر. وأوضح التقرير أن التهديدات الإرهابية الموجودة بالعراق وسوريا، لم تعد بعيدة عن دول المغرب العربي والساحل والصحراء. هذه الأخيرة تتوفّر على مئات المقاتلين المنضمين إلى صفوف كل من "داعش" وباقي التنظيمات المقاتلة في العراق وسوريا، كما تحوّلت ليبيا، حسب التقرير، إلى معقل جديد لهذه التنظيمات، من خلال وجود قرابة 6500 مقاتل على أهبة الاستعداد لتنفيذ عمليات إرهابية. "السؤال الآن هو ما توقيت ومكان الضربات التي سينفذها هؤلاء المقاتلين؟ وما هي الانعكاسات الاستراتيجية المحتملة إقليميا ودوليا لهذه الضربات؟".