تفيد عدة مصادر رصد ووسائل إعلام غربية وشرقية أن مئات المسلحين المنضويين تحت لواء تنظيم داعش والنصرة ومليشيات أخرى توصف بالجهادية تعمل في العراق وسوريا، يعبرون وخاصة منذ بداية سنة 2016 البحر الأبيض المتوسط بشكل منتظم شهريا في سفن مختلفة متجهين إلى السواحل الليبية حيث ينضمون إلى التنظيمات المسلحة "الجهادية" التي تقاتل على جبهات مختلفة وضمن تحالفات متبدلة، البعض من هؤلاء وبعد وصولهم إلى ليبيا يتسربون إلى الدول المجاورة وخاصة تونس ومصر. أعداد أخرى من ما يسمى المتطوعين الجهاديين الذين دخلوا نركيا للإنضمام إلى الصراع الدائرة في العراق وسوريا ولم يعبروا الحدود بعد لسبب أو آخر يتم إرسالهم إلى ليبيا وحتى دول أخرى في شمال أفريقيا. عملية عبور الجهاديين مياه المتوسط تتم تحت أعين سفن الأسطول السادس الأمريكي وعشرات السفن الحربية الغربية التي إتفقت دولها سواء في نطاق حلف الناتو أو دول غرب أوروبا على مواجهة عمليات تهريب البشر والسلاح في المنطقة، ورغم ذلك لم تسجل عمليات ضبط تذكر مما يعيد تعزيز الإتهامات الموجهة للعديد من القوى الغربية وخاصة الولاياتالمتحدة بإستخدام داعش وعدد من التنظيمات المسلحة الأخرى لنشر الفوضى في منطقة الشرق الأوسط جريا وراء تنفيذ مخطط المحافظين الجدد القاضي بإعادة رسم حدود دول المنطقة على أسس عرقية وطائفية ودينية لتشكيل ما بين 54 و56 دولة. تصدر في اشنطن ولندن وباريس وعواصم أخرى تحذيرات وأخبار عن انتقال جزء من ثقل التنظيمات الجهادية إلى ليبيا، ولكن غالبية تلك الدول لا تقوم بعمل جدي لدرء خطر الإرهاب الذي يهدد دول الشمال الأفريقي، ويتم التركيز على ما يسمى التهديدات الموجهة إلى أوروبا، والواضح أن جزء من التحذيرات يهدف إلى ذر الرماد في الأعين إبعاد تهمة تعاون أجهزة الإستخبارات مع التنظيمات الإرهابية. إبعاد الشبهات يذكر أنه ويوم الإثنين 8 فبراير 2016 حذر مدير وكالة المخابرات العسكرية الأميركية، فنسنت ستيوارت حسبما ذكرت وكالة رويترز، من أن تنظيم داعش "سيزيد وتيرة هجماته العابرة للحدود وقدرتها الفتاكة". وربط ستيوارت في خطاب أمام مؤتمر أمني تحذيره بتأسيس التنظيم "فروعا ناشئة" في مالي وتونس والصومال وبنغلادش وإندونيسيا. وقال "لن يفاجئني لو وسعوا نطاق" عملياتهم من شبه جزيرة سيناء المصرية إلى مناطق أعمق داخل مصر. وأضاف ستيوارت "في عام 2015 ظل داعش متحصناً في ساحات المعارك في العراق وسوريا، وتمدد على المستوى العالمي إلى ليبيا وسيناء وأفغانستان ونيجيريا والجزائر والسعودية واليمن والقوقاز". ومضى في القول "سيزيد داعش على الأرجح من وتيرة هجماته العابرة للحدود وقدرته الفتاكة". قبل ذلك وبتاريخ 27 يناير 2016 نقلت وكالة فرانس برس في خبر لها من العاصمة الأمريكية أن البنتاغون يدرس الخيارات العسكرية في ليبيا أمام تنامي خطر تنظيم "داعش" وتمدده، حتى وإن كان ما زال "من المبكر جدا" معرفة كيف سيتطور الوضع، حسب ما أعلن المتحدث باسمه، الأربعاء. وقال المتحدث بيتر كوك: "نواصل مراقبة الوضع ودرس الخيارات الموجودة أمامنا. يجب أن نكون مستعدين وكما نريد أن نكون دائماً في حال استفحل تهديد تنظيم داعش في ليبيا". كما أكد كوك أن "تشكيل حكومة مركزية أمر حاسم بالنسبة لمستقبل هذا البلد واستقراره في المستقبل". من جانبه صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الثلاثاء 16 فبراير 2016 إن الولاياتالمتحدة ستواصل محاولة منع داعش من ترسيخ موطئ قدم في ليبيا، حيث أوجد عدم الاستقرار السياسي ثغرة للجماعة المتشددة. وأضاف أوباما قائلاً في مؤتمر صحافي في كاليفورنيا "سنواصل اتخاذ إجراءات حيث يكون لدينا عملية واضحة وهدف واضح في أذهاننا." وقال إن الولاياتالمتحدة ستعمل مع شركائها في التحالف الدولي لضمان "انتهاز أي فرص نراها لمنع داعش من التخندق في ليبيا". "داعش" ينقل عناصره إلى ليبيا خلال شهر فبراير 2015 وقبل تبدل موازين الصراع على أرض الشام نتيجة التدخل العسكري الروسي لدعم دمشق، قالت صحيفة "التليغراف" البريطانية: إن تنظيم "داعش" يسعى لتحويل ليبيا إلى بوابة للجهاديين نحو الشمال الأفريقي وأوروبا. وتوقعت الصحيفة، دخول أنصار "داعش" إلى مصر وتونس على فترات. وأوضحت أن داعش سيطر على عدة مناطق في ليبيا وبعضها على بعد قليل نسبيا من السواحل الإيطالية، حيث يخطط التنظيم وبعد إرسال مقاتليه في سوريا والعراق إلى ليبيا، إرسال بعضهم للإبحار إلى أوروبا مع المهاجرين غير الشرعيين، لتنفيذ هجمات إرهابية في المنطقة أو خارجها، وضد السفن التجارية في البحر الأبيض المتوسط. أثناء الثلث الأول من سنة 2016 تحدثت مصادر استخباراية غربية، بحسب صحف أمريكية وألمانية، عن إرسال أمير التنظيم "داعش" أبوبكر البغدادي قياديا بارزا في التنظيم إلى سرت الليبية، لتعزيز وجود التنظيم وإدارته في ليبيا. وقدر مراقبون أن نقل "داعش" لأعماله القتالية إلى ليبيا لا تنحصر أسبابه في فقدان عدد كبير من مقاتليه بسوريا والعراق فقط، ولكن أيضاً بهدف تعويض مصادر تمويله التي فقدها جزئياً هي الأخرى ونقل عملياته إلى دول المغرب العربي. يوم 21 أكتوبر 2016 أرجع مسؤول أمني مصري، تصاعد هجمات جماعة "ولاية سيناء"، خلال الأشهر السابقة، إلى انضمام عناصر من التنظيم في سوريا وليبيا. وقال المصدر الأمني الرفيع، الذي رفض ذكر اسمه، لصحيفة "الحياة"، إن عناصر من التنظيم الأم كانوا يقاتلون في سوريا وليبيا عادوا إلى مصر مؤخرا وانضموا إلى فرع التنظيم في سيناء، بعد نحو شهرين من إعلان الجيش قتل زعيمهم "أبو دعاء الأنصاري". المسؤول الأمني، كشف عن رصد الاستخبارات "نجاح عدد من المصريين الذي انخرطوا في القتال ضمن تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وليبيا، في التسلل عبر الحدود المصرية والانضمام إلى عناصر التنظيم في شمال سيناء". وقال إن السلطات "رصدت سلسلة من الاتصالات بين قادة التنظيم في سيناء ونظرائهم في سورية وليبيا"، لافتاً إلى قصف مروحيات الجيش قبل أسابيع أربع سيارات رباعية الدفع كان يستقلها مسلحون، بعدما تمكنوا من اجتياز الحدود المصرية مع ليبيا. وأوضح أن "استراتيجية الجيش في سيناء كانت تعتمد خلال الشهور الماضية على عمليات نوعية تستند إلى المعلومات لتصفية قيادات وعناصر التنظيم، لكن مع وصول دعم لوجيستي لوحظ أن التنظيم يسعى إلى إعادة التموضع، وهو ما استدعى تنفيذ عمليات واسعة للجيش". وكانت جماعة "ولاية سيناء"، التي أعلنت مبايعتها لتنظيم "الدولة الإسلامية"، قد تبنت سلسلة من الهجمات التي أسقطت عدداً من العسكريين أخيرا. التمدد حتى السواحل الأطلسية أثناء شهر يوليو 2016 أفادت مصادر رصد أن تنظيم داعش يوجه جزء من ثقله نحو الجنوب الغربي من الصحراء الليبية، في المنطقة المحاذية لحدود النيجر والجزائر، والقريبة من شمالي مالي، لتقترب من فرع "الدولة الإسلامية" في نيجيريا المعروف بجماعة "بوكو حرام". وتعرف منطقة الجنوب الغربي نشاطا واسعة للمهربين والجماعات المسلحة، وتتنازع مليشيات مختلفة في الجنوب الغربي على السيطرة على طرق التهريب التي تقطع الصحراء الكبرى حتى السواحل الأطلسية للمغرب وموريتانيا. وتمركز عناصر من داعش في الجنوب الغربي في ليبيا، سيسمح لهم بالتواصل مع تنظيمات "إرهابية" أخرى، منتشرة في المنطقة على غرار تنظيم "بوكو حرام" فرع "الدولة الإسلامية" في نيجيريا، والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم الموقعون بالدماء وجماعة "أنصار الدين"، وحركة "التوحيد والجهاد" في غرب إفريقيا. وترى الكاتبة الأمريكية المختصة في الجماعات المسلحة "اميلي استيل"، في تصريح لقناة "فوكس نيوز"، أن خطر تنظيم "الدولة الإسلامية" مازال داهما وموجودا، ومن الخطأ الاعتقاد أن القضاء على التنظيم في سرت سيضع حدا لتهديده في الشمال الإفريقي. وترى "استيل" أن "سرت ليست بهذه الأهمية للتنظيم، وهي مدينة صغيرة يمكن للتنظيم أن يتخلى عنها دون ندم، وأن هناك مصادر تفيد أن التنظيم كان يستعد منذ شهر أبريل 2016 للانسحاب من سرت، وحضر ملاذا آمنا جديدا جنوب غربي ليبيا". وتواصل "استيل" أن "التنظيم يعمل على التأسيس لنفسه قاعدة أخرى في الصحراء الليبية، تتقاطع فيها طرق التهريب والتجارة غير المشروعة الرابطة بين جميع أنحاء القارة الإفريقية، ولجنوب غرب ليبيا أهمية إستراتيجية أكبر بسبب هذا الأمر، فقد يستفيد التنظيم من هذه الطرقات ويمكنه أن يندمج في شبكات المتشددين في جميع أنحاء غرب أفريقيا". وبحسب المصدر نفسه، فإنه "يمكن للتنظيم تعميق علاقاته الحالية مع بوكو حرام في نيجيريا، وإقامة علاقات جديدة مع عدد من الجماعات المسلحة الناشطة شمال مالي، في الوقت نفسه، سيكون قادرا على زعزعة استقرار ليبيا ومواصلة هجماته الإرهابية في تونس والجزائر". لكن هذه القراءة تختلف عن عدد من التقارير الإعلامية الأمريكية والأوروبية ذهبت إلى القول أن خطر التنظيم في ليبيا سينتهي بعد معركة سرت، خاصة أن التنظيم سبق وأن هُزم أكثر من مرة في ليبيا، على غرار طرد تنظيمات إسلامية محلية ل"الدولة الإسلامية" من مدينة درنة، التي تبعد عن شرق بنغازي بنحو 300 كيلومتر في 2015، وفي صبراتة التي تبعد 170 كيلومتر غرب طرابلس. غير أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «جون برينان»، قال خلال شهر يوليو 2016، في تصريح إعلامي تناقلته وسائل إعلام أمريكية وأوروبية، أن "تنظيم الدولة اليوم أكثر تطورا وخطورة"، وأشار إلى أنه يسعى لتوسيع نفوذه في إفريقيا ومهاجمة أوروبا، وهي تصريحات قد يبدوا للوهلة الأولى أنها تتناقض تماما مع مجريات الأمور وصيرورة المعارك الحالية في سرت، و كذلك الأمر في العراق وسوريا، حيث أصبح ملاحظا أن التنظيم اليوم يخسر مساحات ومدن ولم يعد يتقدم. كما لا تنسجم تصريحات مدير الاستخبارات الأمريكية كذلك مع تصريحات عدد من المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين من بينهم "جون كيري"، الذي سبق وأشاد بجهود حكومة الوفاق الوطني في ليبيا في مواجهة التنظيم، واعتبر المبعوث الأمريكي الخاص "بريت ماكجورك" أن القوات الموالية لحكومة السراح الليبية تحقق "تقدما حقيقيا" ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". وحول إمكانية أن يتحول التنظيم إلى الجنوب الليبي ليتمركز فيه، يطرح «"السنوسي البسيكري" رئيس المركز الليبي للبحوث والتنمية رؤية مخالفة ل"استيل"، قائلا ل"الأناضول" إنه "على عكس ما يُتصور أو يُصور، من الصعب جدا إحداث اختراق اجتماعي في الجنوب الليبي، صحيح الجنوب الليبي يمكن اعتباره منطقة أمنية رخوة نسبيا وهو ملاذ للمهربين وللهجرة غير الشرعية، غير أنه من الصعب أن يجد فيه التنظيم موطئ قدم ليستقر فيه، ليس هناك مكون اجتماعي في الجنوب الليبي مستعد لاستقبال التنظيم أو التعامل معه، زد على ذلك الجنوب الليبي عاش ومازال يعيش صراعات بين مكوناته الاجتماعية والقبلية، ومناخ الصراعات جعلته صلبا ويصعب اختراقه". غير أن "البسيكري" لم يستبعد أن يكون هناك عناصر من تنظيم "الدولة الإسلامية" هربوا من سرت باتجاه الجنوب، ولكن كعناصر أو خلايا صغيرة تبحث عن ملاذ آمن، وليس على مناطق تعيد التمركز فيها والسيطرة عليها وإقامة إمارة كما رأينا هذا في سرت، أو الرقة. ويضيف "البسيكري": "تاريخيا، يعتبر الجنوب الليبي من مناطق نشاط القاعدة، و حتى في السنوات القليلة الفارطة عندما وصل تنظيم الدولة ذروته في العراق وسوريا وليبيا، لم تخسر القاعدة هذه المنطقة لحساب التنظيم". أما "بشير الجويني" الباحث في المركز الليبي لدراسات الجنوب، فيرى أن القضاء على "الدولة الإسلامية" في سرت "مسألة وقت لا أكثر"، وأن التنظيم "لا يملك المقدرات التي تسمح له بالاستمرار هناك". وتابع: "عسكريا التنظيم تبين أنه ضعيف وأن قدراته القتالية أضعف بكثير مما كان متوقعا، وكذلك اجتماعيا وقبليا التنظيم الآن معزول في سرت وفي كل ليبيا ولا يملك حاضنة بإمكانه أن يلجأ إليها للحصول على الدعم والمدد البشري والمادي". وبوجه عام، رأى "الجويني" في تصريح ل"الأناضول"، أن "القضاء على التنظيم في سرت لا يعني القضاء عليه بالكامل في كل ربوع ليبيا، هناك عناصر تابعة للتنظيم نجحت في الفرار من سرت وقد تعمل على إعادة بناء خلايا في مدن ليبية أخرى ولكن من الصعب أن يعود التنظيم للسيطرة على مدينة ليبية مرة أخرى تكون منطلقا له ولعملياته، كما وقع في سرت أو في درنة، ولكن هذا لا يعني أن خلايا التنظيم كلها انهارت في كل المناطق الليبية". واختتم: "ليبيا مازالت تعاني من ضعف أمني وانقسامات وصراعات قد تتيح لبعض الخلايا الإرهابية النشاط هنا وهناك والقيام بعمليات إرهابية من حين لآخر في ليبيا أو في دول الجوار". تونس في الواجهة يوم الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر 2016 حذرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية، من مخاطر أن يلجأ أفراد من تنظيم داعش في خاصة من سرت الليبية إلى الفرار نحو تونس. وكان تنظيم داعش قد أعلن في مارس 2016 عن تبنيه لما أسماه "غزوة بن قردان" وهي الهجوم الإرهابي الفاشل الذي شنه على مدينة بن قردان التونسية على الحدود مع ليبيا، أيام قليلة بعد استهدافه في مدينة صبراطة المحاذية للحدود مع تونس. وقد تكبد "داعش" في هجومه على بن قردان خسائر كبيرة تمثلت في القضاء على 55 فردا من أتباعه، إضافة إلى خسارة عتاد كبير ومتطور. كما تمكن حينها الجيش التونسي وكل القوات الأمنية من تحقيق انتصار على "داعش" ودحره. وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي منذر ثابت إن الحدود بين تونس وليبيا تبقى وبرغم اليقظة الأمنية "رخوة"، وأشار الى أن كل تشديد للخناق على الجماعات الإرهابية في ليبيا سيجعلها تفكر في حلول بديلة تتمثل بالأساس في الهروب نحو الدول المجاورة ومنها تونس. وقال ثابت إن ما حصل في بن قردان في مارس 2016 كشف عن وجود خطة لتحويل بن قردان إلى إمارة داعشية كمقدمة للهيمنة على الجنوب التونسي المحاذي للغرب الليبي، حيث تنشط بحرية جماعات إرهابية منها "داعش" و"القاعدة". وقد حذرت "نيوزويك"، في تقرير نشرته السبت 29 أكتوبر، من انتقال خطر "داعش" إلى دول جوار ليبيا خاصة تونس، وقالت إن السلطات التونسية تواجه خطرا جديدا مع إشتداد العمليات العسكرية ضد تنظيمات متطرفة في ليبيا. وتتردد أصداء المخاوف نفسها داخل تونس، إذ رفعت حالة الإنذار إلى حالة التأهب القصوى خوفاً من عودة المقاتلين التونسيين الفارين من المعارك والانضمام إلى مجموعات متشددة أخرى مثل تنظيم "القاعدة". وأشارت "نيوزويك" الى أنه "يسهل لعناصر داعش التونسيين التحرك بحرية عبر الحدود الليبية الطويلة غير المحكومة مع تونس، إذ ينتحلون صفة تجار بضائع أو وقود، ويمكن للمقاتلين دفع أموال إلى مهربي البضائع والسلاح لمساعدتهم في عبور الحدود". وقال مراقبون، نقل عنهم التقرير، إنه رغم الإجراءات الأمنية المشددة التي طبقتها تونس لحماية الحدود، وبناء حاجز بطول 125 ميلاً، فإن عناصر "داعش" ينجحون في عبور الحدود من وإلى تونس. أمريكيين في صفوف داعش يوم الثلاثاء 25 أكتوبر 2016 ذكر مسؤول أمني تونسي إن الشرطة اعتقلت أمركييين اثنين "بشبهة الإرهاب" بعد أن عثرت لديهما على تسجيلات فيديو وصور تمجد تنظيم الدولة في مدينة جندوبة بشمالي البلاد. وأضاف المسؤول الذي رفض نشر اسمه أن الرجلين البالغة أعمارهما 23 و29 قالا إنهما جاءا لتونس لدراسة الإعلام، مضيفا أن أحدهما اعترف بأنه تزوج تونسية كانت في سوريا. وذكرت وسائل اعلام محلية أن فرقة أمنية بمدينة جندوبة الشمالية تمكنت من إيقاف شقيقين يحملان الجنسية الأمركيية للاشتباه في انتمائهما إلى جماعات إرهابية وذلك على اثر مداهمة منزل استأجره المشتبه فيهما وقد عثر لديهما على حاسوب ومخططات لعمليات إرهابية ودعاوي للجهاد. وبحسب اذاعة موزاييك المحلية الخاصة، اعترفا المشتبه فيهما بحضور مترجم بأنهما اعتنقا الإسلام مؤخرا وأنهما يريدان تطبيق الشريعة. وهذه هي المرة الاولى التي تعتقل فيها السلطات التونسية عناصر ارهابية أجنبية. ولم تنشر تفاصيل حول المشتبه بهما الأمريكيين غير أن مصادر تونسية أشارت أن المتهمين سبق وأن عملا في وحدة خاصة تابعة لقوات مشاة البحرية الأمريكية. تهديد منطقة الساحل يؤكد ملاحظون أن السلطات الأمنية الموريتانية "باتت متوجسة من وجود خلايا تابعة لداعش على التراب الموريتاني"، ولفت مصدر أمني إلى أنه "رغم أن مناطق تواجد التنظيم بعيدة حتى الساعة جغرافيا عن موريتانيا، إلا أن ثمة مؤشرات أمنية قوية تدل على أن التنظيم يستخدم أدوات متعددة من أهمها التكنولوجيا الرقمية من أجل تكون خلايا بموريتانيا". مع ذلك ذهب محللون إلى أن تهديد "داعش" للقارة الأفريقية لا ينبغي أن يؤخذ على أنّه تهديد وشيك، بل كخطر مستبعد، وفقا لشهادات متفرّقة. ففي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تسببت حرب الناتو ضد ليبيا وإسقاط نظامها وما تبعه ذلك من فوضى، في ظهور مجموعات إرهابية من جديد، جعلت من منطقة الساحل أحد معاقل الإرهاب الدولي… وهي الخطوة التي ثببت وجود تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، حيث أن تمركزه بات يشمل بعض أجزاء الساحل الأفريقي التابعة لكل من موريتانيا ومالي والنيجر… والأمر نفسه بالنسبة لجماعة "التوحيد والجهاد في غرب افريقيا" "ميغاو" المتمركزة في الشمال المالي، و"بوكو حرام" في نيجيريا، وحركة "أنصار الدين"، أبرز المجموعات المسلّحة شمالي مالي. هذه المجموعات المسلّحة التي تتوحد أحيانا، عبر إقامة تحالفات تدعمها أهداف مشتركة أو قرابة أو جوار إيديولوجي معين، وتنشط بشكل منفصل في أغلب الأحيان، تعكس وجها متطرفا في منطقة الغرب الأفريقي يقترب فكريا من "داعش"، ويتخذ من القارة الأفريقية عموما "هدفا سهل المنال، بسبب ضعف الوجود الأمني والعسكري لدوله فوق مساحات شاسعة من الأراضي"، بحسب مدير "مركز التحليل السياسي والاقتصادي" في مالي إيتيان سيسوكو، والذي خلص إلى وجود "تهديد تمثّله داعش في منطقة الساحل والمغرب العربي"، و"خصوصا على مستوى الشكليات". وأوضح سيسوكو أنّ "المجموعات المسلّحة قادرة اليوم على ارتكاب أعظم الفظاعات"، لافتا الانتباه إلى أنها كانت "في السابق تبحث عن التوسّع أي ضم مساحات إلى نفوذها، لكنها في الوقت الراهن تستوحي على المستوى الشكلي أساليب عملها الجديدة من داعش" أي إقامة دولة داخل أخرى. وأشار إلى أن هذه المجموعات تبدو وكأنّها سقطت تحت "سحر" أو "إغراء" طرق عمل داعش وأساليبها في العراق وسوريا، في إشارة إلى عمليات ذبح رهائن غربيين في منطقة الساحل. ورغم أن زعيم تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" عبد المالك دردوكال المكنّى أبو مصعب عبد الودود رفض لفترة، مبايعة "داعش"، لأسباب تتعلق بحرب الزعامات والقيادة، إلاّ أن العديد من أطر التنظيم قرروا الانضمام إلى صفوف تنظيم "الدولة" في الشرق الأوسط. وبحسب الباحث في مركز "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" في مونتريال الكندية أديب بن شريف، فإن تأثيرات صعود "داعش" مقابل الخسارة التي أصابت أسس تنظيم "القاعدة" بنوع من الهشاشة، كانت "سطحية" على المجموعات المسلحة في غرب أفريقيا. وقال بن شريف، في قراءة لهذا الجانب، "حذاري من الإفراط في منح داعش خصالا هيكلية لا تتوفر عليها"، إذ "من الخطأ تصور داعش في شكل مؤسسة أو شركة تمتلك فروعا إقليمية بعلاقات وأدوار محددة بوضوح". ولفت الخبير إلى أنّه ينبغي التعامل مع "الولاءات بين المجموعات المسلحة على غرار أنصار الشريعة وميغاو، إضافة إلى تنظيم جند الخلافة، بشكل متصل ومتسلسل". وتابع قائلا "تماما مثلما هو الشأن بالنسبة لظهور المجموعات المرتبطة بالقاعدة، فإن بعض الولاءات لا تتجاوز نطاق خطابات الدعم، ما يعني أنها رمزية فحسب، أي أنها جزء من إستراتيجية الاتصالات المعتمدة"، إلاّ أن ذلك لا يمنع وجود "بعض المجموعات التي تتبنّى أساليب وطرق عمل داعش"، فمقتل متسلّق الجبال الفرنسي "إيرفيه غورديل" الذي خطف وقتل في سبتمبر 2014، على أيدي تنظيم "جند الله" يوحي بنفس عمليات قطع الرؤوس التي تقوم بها "داعش". ومع ذلك، يبقى من غير المؤكّد أن يتبنى التنظيم في المستقبل هذا الأسلوب ويكرر فعلته. أما بالنسبة ل "سيسوكو"، فإنّ الإشكال الحقيقي يبقى، بغض النظر عن أسلوب العمل، متعلّقا ب "غياب التنسيق والموارد أو الوسائل اللازمة للتصدي لتلك المجموعات المسلحة"، والتي من الممكن أن تبسط نفوذها، في المستقبل القريب، على مساحات متزايدة من المنطقة والقارة الأفريقية عموما، وهو ما يعني أن هناك تهديدا من بعيد ل"داعش"، وان كان الخطر مستبعدا في الوقت الحالي. وكمثال على تلك الإشكالية، أشار الخبير إلى "ما تتكبّده القوات الأممية "المنيسما" المنتشرة شمالي مالي، من خسائر في أرواح جنودها، جراء ظروف العمل والنقص الحاصل على المستوى العددي لقواتها، إضافة إلى سوء حالة معداتها المستخدمة، دون أن يثير ذلك رد فعل من أي طرف خاصة الدول الغربية التي تتشدق بحربها المقدسة على الإرهاب". الحروب الصغيرة لتفكيك الدول ونشر الفوضى جاء في بحث صدر يوم 30 أكتوبر 2016 ونشرته عدة وكالات: "منذ حربها في أفغانستان اخترعت المؤسسة الحاكمة في أمريكا نموذجا فعالا لشن ما يعرف بحروب صغيرة يمكن السيطرة عليها و توظيفها لتمرير سياسات امريكية معينة، وكذلك إعادة إنتاجها في مناطق جديدة من العالم الثالث اذا ما اقتضت المصلحة وتوسيعها بما يخدم مصالحها والتي عادة ما يكون الجشع الاقتصادي هو محركها الرئيس.. في كتابه "مدار الفوضى.. تغيير المناخ والجغرافيا الجديدة للعنف" الصادر ضمن سلسلة "عالم المعرفة" عدد ابريل 2014 ، يقدم الصحفي الأمريكي كرستيان بارينتي، في واحدة من فصول هذا الكتاب صورة مختزلة ومحكمة لمراحل مشروع واحدة من حروب أمريكا الصغيرة في افريقيا يتمثل في تفكيك الدولة الصومالية وتحويلها الى مركز لنشر فوضى السلاح وزعزعة الامن في القرن الافريقي ووسط افريقيا، وهو نفس المشروع الذي ينفذ اليوم بكل تفاصيله في ليبيا التي تحولت بعد فبراير 2011م الى بؤرة لنشر السلاح والفوضى والاضطراب في شمال افريقيا، سواء في مراحل تبلوره السياسي المبكر والمتمثل في احتواء نظام القذافي وتقليم أظافره، او في مرحلة تفجير قنبلة فبراير كإشارة لقص شريط بداية المشروع والذي هو اليوم في أهم مراحله والمتمثلة في تفكيك المفكك من الدولة الليبية تمهيدا لتقسيمها على أسس تصلح لإبقائها كبؤر دائمة للعنف والتوتر والعداء المتبادل، الى جانب جعلها المركز الرئيس لانطلاق مراحل تنفيذ المشروع الاكبر لجغرافية نشر العنف في منطقة شمال أفريقيا والذي يستهدف بالدرجة الأولى مصر والمغرب والجزائر باعتبارهم أكبر كتل بشرية يمكن ان تنتج دولا قوية منافسة للغرب في حربه الجشعة حول الموارد. يقول كرستيان بارينت في وصفه المركز لمشروع تفكيك الدولة الصومالية وتحولها الى بؤرة لتصدير الفوضى وانتشار السلاح الى دول الجوار: "اجبرت مجموعات المتمردين ذات التنسيق الضعيف في يناير 1991 الرئيس سياد بري على الفرار. انهار جيش الرئيس بحسب الانتماء القبلي، وأطلق مخزونه من السلاح الذي تخلى عنه موجة جديدة من البنادق في الصومال وشمال كينيا والقرن الأفريقي بأكمله. ويرتبط زوال الدولة ضمنيا بانهيار التجانس الاجتماعي على نطاق واسع مع عدم قدرة المجتمع المدني على خلق الدعم والحاجات التي تشكل أسس المجتمع وتجميعها والتعبير عنها . ومن دون الدولة ينهار المجتمع ، ومن دون بنية اجتماعية لا يمكن للدولة أن تبقى. تداعى هيكل متهالك منذ زمن ولم تمتلك الصومال حكومة فاعلة ، والأسوأ أن وباء الحرب وعدم الاستقرار المستمر أصاب المنطقة بكاملها. خلق تدافع السلاح والذخيرة والتهريب والرجال المسلحين عبر الحدود منطقة ينعدم فيها القانون شملت بصورة متزايدة كينيا. لم تشعل القوى الكبرى الحرب في اوغادين واجتياح أوغندا لتنزانيا أيام الحرب الباردة ، لكن اندفاع هذه القوى لتسليح وكلاء لها سعر هذه الصراعات بشكل سيء. ببساطة جعلت الأسلحة المستوردة أفريقيا تركع على ركبتيها ". هذا المقطع المتعلق بدور مشروع تفكيك الدولة الصومالية وما سبقه من إعداد وأنتجه من بؤر توتر وفوضى لا زالت قائمة حتى اليوم يكاد ينطبق بشكل تام على الحالة الليبية الراهنة وما سبقها من مراحل إعداد وتمهيد، ابتداء من جرهما "ليبيا والصومال" ليكونا أدوات في الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفييتي خلال النصف الثاني من القرن الماضي وما اقتضاه تحول الدولتين الى اكبر مستودع للسلاح التقليدي والذخائر التى وظفت بعد انهيار النظامين في نشر الفوضى وزعزعة الأمن في الدولتين والدول المجاورة لهما كما نرى اليوم. وقبل انهيار النظامين تمكنت أمريكا في التغلغل في مفاصل النظامين من خلال استثمار بؤر خلاف داخلية بين مراكز القوة في الحالة الليبية، وتخلي موسكو عن حليفها السابق بري في صراعه ضد اثيوبيا الذي دفعه للارتماء في أحضان واشنطن التي سارعت لتفكيك نظامه كخطوة على طريق تنفيذ مشروعها الحالي مشروع مدار الفوضى المتناسق مع تغيير المناخ العالمي وما أنتجه من أزمات غذاء وجوع في المنطقة والواقعة بين مداري الجدي والسرطان، وتوظيف هذه الأزمة لصالحها وصالح حلفائها في اوروبا على حساب الشعوب الفقيرة نتيجة تحالف المناخ مع هيمنة القوة الغاشمة الغربية.. يقدم هذا الصحفي الأمريكي في كتابه المشار اليه أعلاه صورة أوضح وأشمل لتفاصيل وارتباطات وخلفيات لصراعات جرت وأخرى لا زالت جارية تعطي مش الحقيقية العميقة لهذه الأزمات المفتعلة وتورط الغرب حد التوحش في استثمار أزمات شعوب العالم الثالث البيئة والسياسية لخدمة مشاريعه التي تصب في صالح الشركات الاحتكارية التي تسيطر على إدارة اللعبة السياسية في دول الغرب.