التسابق على المواقع والشرعيات بين داعش والقاعدة، يجري في أكثر من مكان. في أفريقيا وبعد أن تحولت ليبيا إلى ملاذ آمن ومتّكَأ لشتى أنواع التيارات المتطرفة، أصبحت المعركة على النفوذ بين التنظيمين تجري بعناوين شتى؛ بدءا من الاستقطاب والبيعة واستمالة التيارات الصغيرة، وصولا إلى تنفيذ المزيد من العمليات الإرهابية بحثا عن النفاذ إلى أراض جديدة تسجل مجالا حيويا لهذا التنظيم أو ذاك. بعد تبنيه لعملية فندق كورنثيا يوم 27 يناير 2015 وسط العاصمة الليبية طرابلس، بث تنظيم داعش شريط فيديو لمنفذي العملية التي أطلق عليها "غزوة أبي أنس الليبي" قال إن أحدهما تونسي الجنسية يدعى أبوإبراهيم التونسي والآخر أبوسليمان السوداني. ويضاف أبوسليمان السوداني إلى لائحة طويلة من السودانيين الذين قاموا بعمليات انتحارية في ليبيا إلى جانب تنظيم داعش من قبيل أبي عبدالله السوداني الذي نفذ عملية انتحارية على نقطة تفتيش تابعة للجيش الليبي في منطقة هراوة جنوب سرت، وأبي جعفر السوداني الذي فجر نفسه في يوليو 2015 على تجمع لمجلس شورى ثوار درنة الذي تمكن من إخراج داعش من وسط المدينة. يؤشر الانتحاريون السودانيون، الذين يظهرون عادة ملثمين ويُكنون بأسماء مستعارة، إلى ارتفاع أعدادهم في الفرع الليبي لداعش. ويعود ارتفاع أعداد السودانيين إلى سهولة دخولهم إلى الأراضي الليبية من المناطق الصحراوية المفتوحة على المناطق الشرقية لليبيا، والتي تشهد قتالا عنيفا بين داعش وخصومه خاصة في درنة وبنغازي. اتهم الجيش الليبي في أكثر من مناسبة السلطات السودانية بالتساهل مع من يرغبون في عبور الحدود والقتال إلى جانب التنظيمات الإسلامية المتطرفة في ليبيا. من ذلك أنه وفي أغسطس 2015 اتهم الناطق باسم الجيش الليبي الرائد محمد حجازي دولا بعينها بأنها داعمة للإرهاب في بلاده، من بينها السودان. كما اتهم عيسى عبدالمجيد، مستشار رئيس البرلمان الليبي في طبرق، جهات لم يذكرها في السودان بتسهيل مرور المقاتلين الراغبين في الانضمام إلى داعش في ليبيا عبر المثلث الحدودي مع مصر، وخصوصا من منطقة جبل العوينات، وقال المسؤول الليبي إن ما بين 40 و50 سيارة تدخل من هذه المنطقة مشحونة بالأسلحة والمقاتلين، وتتجه من الطرق الصحراوية الجنوبية إلى مدينتي بنغازي وسرت حيث توجد معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا. ونتيجة التضييق على السفر إلى تركيا وإيقاف السودانيين المشتبه بهم للالتحاق بداعش في سورياوالعراق إثر اتفاق أمني بين حكومتيْ الخرطوم وأنقرة، لجأ العديد من السودانيين الراغبين في الهجرة إلى الأراضي التي يسيطر عليها داعش بليبيا. ويسهم وجود عديد من شيوخ السلفية الجهادية المؤيدين لداعش من قبيل عمر عبدالخالق رئيس جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة، والشيخ السلفي محمد علي الجزولي، في دفع الشباب السوداني للهجرة إلى الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في العراقوسوريا وليبيا. ومثلما غيرت "قضية البيعة" للدولة الإسلامية وجهة الجهاديين التونسيين من حواضن القاعدة إلى حواضن داعش في ليبيا، حدث أمر مشابه للجهاديين السودانيين الذين تخلى عدد كبير منهم عن بيعته السابقة للتنظيمات الجهادية الموالية للقاعدة في مالي، وتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وانضم إلى الدولة الإسلامية بليبيا. ومن المهم القول في هذا المجال إنه لا يعرف عدد السودانيين تحديدا الذين يقاتلون إلى جانب تنظيم الدولة الإسلامية بليبيا، غير أن التقديرات التي أصدرها المركز الليبي لدراسة الإرهاب ضمن دراسة نشرها في يناير 2016 تقول إن عددهم يصل إلى 455 مقاتلا. ولئن يشكل الجهاديون السودانيون أحد أهم مكونات "المهاجرين"، في صلب الفرع الليبي للدولة الإسلامية، فإن بوجودهم في سرت ودرنة وبنغازي عادة ما يقع الخلط بينهم، بسبب لون البشرة، وبين الجهاديين الأفارقة خاصة من مالي، الذين توافدوا على شمال ليبيا للانضمام إلى الدولة الإسلامية. يشكل أفارقة جنوب الصحراء أعدادا معتبرة للمنضوين ضمن مسلحي داعش في ليبيا، وينحدرون من ماليوالنيجر وتشاد ونيجيريا وموريتانيا. لا توجد أعداد دقيقة لكل بلد على حدة، غير أن المركز الليبي لدراسات الإرهاب يقول إن الماليين يشكلون غالبية المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء في المناطق التي يسيطر عليها داعش في ليبيا. بعد بيعة تنظيم بوكو حرام في نيجيريا لتنظيم داعش، أصبحت النيجر وتشاد ومالي خطوط إمداد للمقاتلين والعتاد من تنظيمي بوكو حرام وجماعة أنصار الدين في شمال مالي المبايعة لداعش (الفرع الليبي)؛ وكانت البيعة تمت في 8 مارس 2015 وهي الفترة التي تمكن فيها تنظيم الدولة الإسلامية الليبي من السيطرة على سرت. وأسهمت البيعة التي أداها محمد الأنصاري زعيم جماعة أنصار الدين إلى تنظيم البغدادي في تمتين علاقات الجهاديين الماليين بفرع داعش في ليبيا. غير أن بيعة أنصار الدين، شمال مالي للبغدادي، لم تؤثر في تنسيقه مع التنظيمات الجهادية الأخرى العاملة في المنطقة كجماعة المرابطين التي يقودها مختار بلمختار، والتي تعمل بين ليبيا وشمال ماليوجنوبالجزائر. تنسيق برز في عملية فندق "راديسون" بالعاصمة المالية بامكو، والتي تبنتها جماعة "المرابطون" بالتنسيق مع جماعة "إمارة الصحراء" التابعة لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي مستعينين بعناصر تلقت تدريبها في معسكرات للجهاديين جنوب ليبيا. عملية فندق راديسون جاءت في سياق سلسلة من العمليات التي نفذها تنظيم القاعدة في عدة مناطق من أفريقيا، ومن بينها عملية فندق "سبلنديد" في العاصمة البوركينية واغادوغو في يناير 2016. كان واضحا أن القاعدة وأذرعها سعت من خلال العمليات المتتالية في المدن الأفريقية جنوب الصحراء إلى التقليل من نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة، والحد من الجاذبية التي أصبح يشكلها الفرع الليبي لداعش. يتعلق الأمر بمعركة نفوذ بين تنظيمي داعش والقاعدة، أصبحت فيها ليبيا منطلقا بالنسبة إلى داعش للولوج وجذب المقاتلين من أفريقيا جنوب الصحراء.