حمل خطاب زعيم داعش "أبوبكر البغدادي" ،الذي أذاعته مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي في الأيام القليلة الماضية تحت عنوان "ولو كره الكافرون " ،إشارات خطيرة تؤشر على أن المنطقة المغاربية مقبلة على تحولات استراتيجية مرتبطة بتمدد مفترض لتنظيم الدولة ، فإعلان "البغدادي" قبول مبايعات عديدة لفرادى وجماعات من الجزائر ليس حدثا عاديا ،وإنما واقع جديد تدخله الجزائر ،فزعيم تنظيم الدولة لا يمكنه أن يجازف بهذه التصريحات إذا لم تكن مبنية على معلومات استخباراتية قوية لأجهزة التنظيم ،حيث تشير معطيات ميدانية إلى التحاق أزيد من 300 جزائري بداعش خلال الشهور الأخير ،بات البعض منهم يستعد لقيادة التنظيم ،مما يرجح فرضية اعتماد "البغدادي" على هذه المجموعة الجديدة من الملتحقين لتقييم الأوضاع في الجزائر وإعلانها "ولاية" تابعة لداعش . الجزائر "ولاية" لداعش بعد الرقة وسيناء ودرنة . وبذلك ،باتت الجزائر ولاية جديد تابعة لتنظيم الدولة بعد مبايعة جزائريين ل" ابي بكر البغدادي "، لكن المثير ،هو دعوته أعضاء التنظيم القريبون من الجزائر الى الإلتحاق ب"الولاية الجديدة "لداعش ،فالنداء موجه لكل تنظيمات الساحل والصحراء وغرب إفريقيا ، والى مختلف الحركات الإرهابية داخل الجزائر ،وهو ما يشرح موجات نزوح إرهابيين من ليبيا ومالي نحو الجزائر خلال الشهور الأخيرة ،ف"البغدادي" يؤكد بذلك واقعا يجري على الأرض ،حيث أن أفراد التنظيم في ليبيا و الساعون للإندماج فيه من شمال مالي باتوا يرهقون الجيش الجزائري على الحدود الليبية -الجزائريةوالمالية -الجزائرية ،فتنظيم داعش بدأ في تطبيق تكتيك حربي داخل الأراضي الليبية ومن التوقع أن ينقله إلى الجزائر بهدف استنزاف قوة الجيش الجزائري على جبهات الحدود وفي الداخل بعد إعلان جند الخلافة بيعتها ل "أبي بكر البغدادي" . و تكمن خطورة تركيز "البغدادي " على الجزائر مدفوعة بمرجعية جغرافية وبشرية تجمع بين إرث القاعدة وواقع تنظيم داعش الحالي ،وهي مرجعية تدفع "البغدادي" نحو الجزائر لاعتبارات تتعلق بالاختراق السابق للجزائر من طرف قاعدة بلاد المغرب الإسلامي وعدد الجزائريين الملتحقين بالموارد البشرية القتالية في التنظيمات الإرهابية سواء في أفغانستان أو العراق أو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي بلغ عدد الجزائريين في مكوناته حوالي 75 في المائة مقابل 25 في المائة موزعة ما بين الموريتانيين والماليينوالتونسيين والمغاربة ،أيضا عدد الجزائريين الذين قاتلوا في تنظيم "ابي مصعب الزرقاوي "بالعراق التي وصلت الى حوالي 15 في المائة من مكونات التنظيم .ويبدو أن السلطات الأمنية الجزائرية غير قادرة على تحديد عدد الجزائريين في تنظيم داعش نظرا للغموض الموجود في التصنيف لديهم بين القاعدة وداعش ولكون خارطة الجزائريين الداعشيين لازالت مجهولة ،وإن كانت بعض الاحصائيات تشير الى ما بين 800 و1000 زيادة على الداعشيين الأوروبيين من أصول جزائرية الذين التحقوا بسوريا من أوروبا ،خاصة من فرنسا ،يضاف الى ذلك الملتحقون الجدد خلال الشهور الثلاثة الماضية والداعشيون المحليون، فالجزائر هي الدولة الثانية بعد ليبيا التي أعلن فيها متطرفون بسرعة مبايعتهم ل "البغدادي "وعمدوا الى خلق حدث إندماجي مع داعش تمثل في اختطاف وإعدام الرهينة الفرنسي "قوردال بيار ". وتشير العديد من المعطيات الميدانية أن الجماعات المتطرفة انخرطت في عملية استقطاب كبيرة خلال الشهور الأخيرة على الحدود الليبية الجزائرية المشتركة في الجنوب ، فالجماعات المتطرفة تقدم مبلغ 500 أورو شهريا لكل ملتحق مستخدم في العمليات الإرهابية أو التهريب، ويزداد هذا المبلغ إذا استطاع الملتحقون من الليبيين والجزائريينوالماليين تهريب سيارات إلى داخل الأراضي الليبية . حجم ميزانية السلاح يتزايد والتنظيمات الإرهابية تتزايد. والمثير ،أنه رغم حجم التسلح الكبير الذي عمدت إليه السلطات الجزائرية في السنوات الأخيرة ،إذ وصلت ميزانية الدفاع إلى مبلغ 10.570.000.000 في سنة 2014 وهو مبلغ كبير إذا ما قورن مع طبيعة الأسلحة وعدد العسكريين الممارسين الذي يصل الى 512.000 فرد ،فإن الاختراق لازال متواصلا على جبهات الحدود ولازالت التنظيمات الإرهابية تنفذ عملياتها في مناطق جغرافية موزعة على كل أطراف الجزائر ، فالتنظيمات موزعة ما بين بومرداس ومحيط العاصمة وولاية البويرة وجنوب الجزائر وشرق الجزائر على الحدود مع تونس، فالأمر يتعلق بإثني عشر جماعة منظمة موزعة على محاور كبرى مثل كتيبة "الهدى" و"جند الاعتصام" و"الفاروق" و"عثمان بن عفان" و"الارقم" و"الفتح "....إضافة إلى جماعات صغيرة مشتتة في الشرق وتنظيمين كبيرين عابرين للحدود هما القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي واتحاد إرهابي يقوده "مختار بلمختار "تحت مسمى "جماعة المرابطين" ،فميزانية التسلح الضخمة لم تستطع الحد من عمل الحركات المتطرفة داخل الجزائر وقدرتها على اختراق الحدود ،فإلى حدود عملية "عين اميناس "ظل تنظيم "عبدالحميد ابوزيد" ( الذي قتل في شمال مالي) يخترق يوميا الحدود الجزائرية في الجنوب، بل أن معلومات وردت في التحقيق بعد الحادث كشفت أن هذا التنظيم مارس أكبر عملية تمويه ،لازالت تثير التساؤلات ، وذلك بعمل أتباعه طيلة السنوات السابقة على أحداث "عين اميناس" كممولين ومستأجري سيارات للشركات الدولية في المنطقة. النفطية ليبيا مستودع و"عش دبابير" لمرحلة جديدة من الإرهاب وتزداد صعوبة الجزائر التي تسابق الزمن لجمع الليبيين على طاولة حوار ،يبدو أنه يستحيل جمع فرقائها ،فالجزائريون يعرفون أن ليبيا دولة مهملة في النظام الدولي ومتخلى عنها منذ توقف ضربات الحلف الأطلسي وسيكون وضعها أخطر من العراقوسورياوأفغانستان، فليبيا استعملت في سنوات 2012 و2013 كمركز لتدريب "الداعشيين المغاربيين والأوروبيين" وممر لنقلهم نحو الموانئ التركية لإدخالهم إلى سورياوالعراق ،بل أن "عبدالحكيم بلحاج" الزعيم السابق للجماعة الليبية المقاتلة وقائد قوات تحرير طرابلس إبان الثورة على نظام القدافي تم إعداده وتحضيره للدخول إلى سوريا وقيادة نفس عملية ليبيا ضد "بشار الأسد" قبل أن يتم التراجع عن هذا المخطط ،ويبدو أن الجزائر اعتمدت على "عبدالحكيم بلحاج" لتسهيل عملية الحوار بإشراك جزء من ميليشيا فجر ليبيا ،لكن لا أحد يعرف اليوم ماهي علاقات "عبدالحكيم بلحاج "داخل الجزائر و ماهي طبيعة العلاقات التي قد يكون نسجها بين الخيط الممتد من "إمارة درنة" في ليبيا إلى عمق الجزائر . وستكون ليبيا مصدر إرهاق كبير لدول الجوار ،فهي اليوم ،بعد أن استعملت كمركز للتدريب وممر لنقل المقاتلين تعود لتلعب دور المحتضن لشتات الداعشيين ،فالأرقام المتداولة باتت مخيفة ،إذ استقبلت ليبيا أزيد من ألف مقاتل خلال الثلاث أشهر الأخيرة إما عائدون من سورياوالعراق أو داعشيون مفترضون لم يتمكنوا من الالتحاق بالتنظيم في الأراضي السورية نتيجة انطلاق ضربات التحالف ،إضافة الى الداعشيون الممنوعون من دخول دولهم وأغلبهم أوروبيين وأسيويين ،ومن المتوقع ،أن يتم الشروع في تنفيذ استراتيجية "عش الدبابير" بدفع مزيد من المقاتلين نحو الأراضي الليبية، لكن هذه الاستراتيجية لن تنجح بنفس الطريقة التي نجحت بها في بداية الصراع داخل سوريا قبل انتقاله إلى العراق ،لكون المسافة بين القاعدة وتنظيم داعش باتت قريبة ف"جبهة النصرة" تنسق مع داعش في سوريا ،كما أن القاعدة تنسق مع داعش في اليمن ضد جماعة الحوثيين ،وقد تنتج هذه الاستراتيجية خطرا أكبر من تنظيم "البغدادي" فوق الأراضي الليبية ،لأن التنظيمات الإرهابية باتت منتبهة وتعرف متى تدخل في الصراع ومتى تنهيه ،ويبدو أن فكرة صراع تنظيم القاعدة الأم مع تنظيم الدولة ليس صحيحا ،والحجة في ذلك أن القاعدة نفسها في خطتها الاستراتيجية لما بين سنة 2000 و 2020 تتضمن في مرحلتها الخامسة الممتدة بين 2013 و2016 مشروع "إنشاء دولة إسلامية" على أن تكون المرحلة السادسة بين 2016 و 2020 مرحلة "المواجهة "،كما تشير الى ذلك الخطة الاستراتيجية لتنظيم القاعدة لما بين سنة 2000و 2020 ،وفق ما كشفت عنه بعض المراكز الامريكية التي حصلت على وثائق الخطة بدخولها مقرات القاعدة في أفغانستان . ويبدو الصراع مجرد مناورة فالتقارب حاصل بين شتات التنظيمات الإرهابية في المنطقة المغاربية والساحل والصحراء وبين داعش للدور الذي يلعبه "سيف الله بن حسين "الملقب ب"أبو عياض " زعيم أنصار الشريعة في تونس والذي دعا في بيان موجه للتنظيمات المغاربية إلى الاندماج في مشروع تنظيم داعش ،فتنظيم الدولة وصل إلى مرحلة إعلان دولة مفترضة على مناطق في العراقوسوريا وبعض المواقع والممرات الحيوية ،وهو ما جعل له جاذبية لكونه جزءا تطبيقيا لمشروع "القاعدة الأم " المحدد في الخطة الاستراتيجية لسنة 2020 . وبالإعلان الخطير لزعيم داعش "أبوبكر البغدادي" عن "ولاية الجزائر" تكون ملامح الحزام الداعشي الممتد في شمال إفريقيا من سيناء إلى العمق الجزائري قد بدأت في الوضوح، هذا الحزام الذي يتم تحريكه في خط يمتد من "درنة" في أقصى شمال ليبيا إلى الجنوب الغربي الليبي على الحدود الجنوبية الشرقية الجزائرية، وهو ما يفسر الصراع الذي يدور في هذه المنطقة وبداية تغير الخارطة الديمغرافية في الجنوب الجزائري المحاذي لليبيا بسبب النزوح على شريط المناطق الحدودية نتيجة الرقابة على الحدود. على المغرب أن ينسى فتح الحدود مع الجزائر ويقرأ مؤشرات ما يجري . وأمام هذه التطورات الجديدة في منطقة شمال إفريقيا، يبدو أن المغرب يستفيد من موقعه الجيو-استراتيجي الذي يجعله قادرا على تقليص درجة المخاطر، لكن شريطة تخليه عن فكرة المطالبة بفتح الحدود مع دولة الجزائر، فالمخاطر المحيطة بالمنطقة تجعل تكلفة هذا المطلب في حالة استمرار المغرب في إثارته مرتفعة الخطورة ، فالجزائر نفسها تعتبر حدودها مع المغرب حدودا أمنة وان كانت تعمد بين الفينة والأخرى الى اطلاق نار على مواطنين مغاربة يقرأ نفسيا بدرجة الارتباك الحاصل للسلطات الجزائرية التي لا تعرف إلى أين تتجه . ويبدو أن مناورة الجزائر في ملف الصحراء ستكون تكلفتها غالية أمام هذه التحولات الاستراتيجية الجديدة المرتبطة بتحالف الإرهاب ،لكن هذا لا يمنع من إمكانية إقدامها على مغامرة عسكرية غير محسوبة بأن تعيد تجربة "مختار بلمختار "لسنة 2009 لما كان يتهيأ لشن هجومات على الجيش المغربي على مقربة من مخيمات البوليساريو ،فأي عمل عسكري جزائري ضد المغرب سواء بطريقة مباشرة أو بطريقة مشتركة مع البوليساريو سيكون عملية انتحارية لأن المساحة التي سيفرغها جيش "عبدالعزيز بوتفليقة " سيتم ملؤها من طرف مقاتلي "أبي بكر البغدادي" داخل الجزائر ،ومن يدري فالفراغ الحاصل في السلطة والفراغ الديني في الجزائر قد يدفع تنظيم داعش الإرهابي إلى رفع سقف أطماعه في الجزائر ،فلا أحد كان يتوقع سقوط عراق "المالكي "بتلك السهولة ،فالمؤشرات متقاربة بين جزائر "عبدالعزيز بوتفليقة " وعراق "المالكي ". *خبير في الدراسات الاستراتيجية والأمنية.