طيلة عام 2016، وجه النواب البرلمانيون حوالي 200 سؤال كتابي إلى الوزارة المكلفة بالماء. كانت الإشكالات المطروحة تتلخص في أمر رئيسي: أزمة الماء. وفي ذلك العام، حيث كانت التساقطات ضعيفة للغاية، فقد كانت تلك الأسئلة تعكس قلقا محليا من النتائج المباشرة لعام من الجفاف النسبي. فمن أزمة الماء الشروب في دواوير منطقة اشتوكة آيت باها، إلى وضعية السدود، مرورا بأسئلة كثيرة عن متابعة تنفيذ مقتضيات البرنامج الحكومي في قطاع الماء بعدة أقاليم التي تنطوي على الكثير من النقائص. وليست هنالك أي أجوبة للوزارة المعنية عن كل هذا الكم من الأسئلة، كما يذكر تحديث لوضعية الأسئلة الكتابية على الموقع الإلكتروني لمجلس النواب. في تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول "الحكامة عن طريق التدبير المندمج للموارد المائية في المغرب" الصادر عام 2014، لاحظ معدوه أن المغرب يشهد منذ سنوات خلت، تفاقما في وضعية الضغط على الموارد المائية بسبب تضافر عوامل عديدة، منها عادات غير اقتصادية في استهلاك الموارد المائية، بل وغير معقولة أحيانا، والأنماط المتبعة اليوم في استغلال الموارد المائية، والتي صارت أحيانا تكتسي طابعا عدوانيا وضارا بسبب الخطوات التكنولوجية المحققة، والتي من شأنها أن تؤثر بطريقة لا رجعة فيها، بل ويمكن أن تقضي بالفناء على منظومات بيئية كاملة، ثم ازدياد غير متحكم فيه في تعداد ساكنة المدن والهوامش، ما يزيد من تعقيد مسلسلات تجميع وإفراغ النفايات المنزلية والشبيهة بها والتخلص من تلك النفايات، فكثيرا ما يتم إفراغها في مطارح عشوائية وفي مجاري المياه. كما أن الأنشطة البشرية تمارس ضغوطا تزداد قوة مع الزمن، مما يؤثر سلبا وبطريقة تكاد تكون نهائية على نوعية وكمية الموارد المائية. وبسبب حاجيات السكان والأنشطة الاقتصادية الإنتاجية، وكذا من أثر عمليات الضخ والاستغلال المفرط لبعض الفرش المائية غير المتجددة، أصبحت استدامة الموارد المائية معرضة لخطر حقيقي، إن لم تكن قد دخلت فعلا مرحلة الخطر. وفي الواقع، فإن الأنشطة البشرية بلغت مستويات مقلقة، ويجري اليوم استخراج أكثر من 900 مليون متر مكعب من الماء سنويا من المخزونات غير القابلة للتجدد في الفرش المائية بالبلاد. ومثل هذه المؤشرات كانت متوقعة، فقد انهارت حصة الفرد من المياه في المغرب بشكل مهول في 20 عاما. ووفقا لتقرير مندوبية المياه والغابات عام 2013، فإن الفرد المغربي تقلصت حصته من الماء من 2500 متر مكعب في العام في عقد الثمانينيات، إلى 1010 أمتار مكعب في عام 2000، ثم تدهورت أكثر لتصل في 2013 إلى 720 مترا مكعبا. وبشكل أكثر دقة، فإن توزيع هذه الحصة ليس متساويا على جميع مناطق البلاد. فحصة الفرد في المناطق الشمالية يمكن أن تتجاوز 2000 متر مكعب سنويا مقارنة مع 150 مترا مكعبا سنويا لكل فرد في الجنوب. ناهيك عن أن 70 في المائة من الموارد المائية الحالية تتوزع على 27 في المائة من التراب الوطني، ما يعني أن أكثر من 13 مليون شخص سيعانون من ندرة الماء في المغرب في أفق 2020. الندرة كطريق يبدو صعبا تجنبه! قبل هذه الفترة، كانت السلطات تمتلك صورة واضحة عن الخطر المحدق، فقد أنجز المكتب الاستشاري الدولي «مونيتور» دراسة لصالح كتابة الدولة للماء – كما كانت تسمى آنذاك- عرضت فيه لكل الإشكالات المرتبطة بمستقبل الموارد المائية. وكرد فعل عملي، أقرت الحكومة برنامج مخطط استثماري يغطي الفترة ما بين 2010 و2020 بقيمة 8 مليارات درهم، يهم عقلنة استخدام الموارد المائية واقتصاد الماء في الفلاحة وإبرام اتفاقيات مع الجهات المتضررة من تناقص الماء، بهدف الحد من الاستغلال المفرط للطبقة المائية الجوفية. وخصصت الحكومة، أيضا، 3 مليارات درهم سنويا قصد تطبيق مقتضى الحكامة الجيدة في تدبير الماء بهدف توفير 5،2 مليار متر مكعب من الماء سنويا خلال الفترة المتراوحة بين 2010 و2030. لكن هذه الأهداف ليست كافية، كما قال المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فهو كان يرى بأن تعميم اقتصاد فعال للماء سيمكن من تعبئة 6.4 مليار متر مكعب من الماء سنويا، وهو ما يمثل أكثر من 25 في المائة من مجموع الموارد المائية للبلاد، وأكثر من ستة أضعاف المياه المستخرجة من الموارد غير المتجددة. وبحسب الخطة، فإن 31 في المائة من هذه المياه ستتحصل من معالجة 400 مليون متر مكعب من الماء سنويا من تحلية البحر وتخليص المياه ذات الملوحة العالية من الشوائب المعدنية، و27 في المائة من خلال مواصلة سياسة السدود، و25 في المائة من خلال إعادة التوجيه المكثف نحو السقي المركز أو السقي بتقنية الرش، و11 في المائة من خلال إعادة استعمال المياه العادمة واقتصاد الماء في الاستعمالات الصناعية والسياحية والمنزلية، و6 في المائة من خلال تحسين شبكات الربط والتوزيع. لكن حتى الآن، وبحسب الأرقام الرسمية، فإن قدرة الإنتاج عبر تحلية مياه البحر بالكاد تتجاوز 30 ألف متر مكعب يوميا للتزويد بالماء الصالح للشرب لمدن العيون وبوجدور وأخنفير، أي حوالي 10 ملايين متر مكعب سنويا، فيما برمجت مشاريع محطات تحلية جديدة في مدن أكادير (100 ألف متر مكعب يوميا)، وسيدي إفني وطانطان (10 آلاف متر مكعب يوميا)، أي إن مجموع قدرة الإنتاج المتوقعة ستصل إلى نحو 45 مليون متر مكعب سنويا، وهو رقم أدنى بكثير من الهدف المفترض. لكن الوزيرة المنتدبة في الماء شرفات أفيلال، لم تتوقف عن التصريح طيلة عام 2016، بأن المغرب بإمكانه تحلية 500 مليون متر مكعب سنويا في أفق العام 2030، بعدما ينجز محطات للتحلية في السواحل الأطلسية والمتوسطية، خاصة في المدن الكبرى مثل الدارالبيضاء وطنجة، إضافة إلى الحسيمةوأكادير. تقرير صادر عام 2014 من لدن البنك الدولي عنوانه «من أجل عالم خال من الفقر»، وضع هذه العناصر الرئيسية التي تأسست عليها وصايا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لاحقا قيد الفحص، فقد ذكر أن المغرب يتوفر على احتياطي محدود من الموارد المائية، وأن حجم المياه التي يمكنه تقنيا واقتصاديا استغلالها لا تتجاوز 80 في المائة من الموارد المائية المتوفرة حاليا، وأن نصف الكميات المتوفرة من المياه نصف جيدة، و4 في المائة فقط، منها تصنف بالجيدة على مستوى الجودة. كما شدد على أن كل المشاكل المرتبطة بالماء في المغرب لها علاقة بتدبير الموارد المائية، كاشفا أن نسبة إهدار الماء في المغرب تبلغ 35 في المائة من المياه المتوفرة. ولذلك طالب بمراجعة قانون الماء، وملاءمة أنظمة التزود بالماء في المدن مع التغيرات المناخية. هذا، ويتوفر المغرب على 138 سدا، إضافة إلى حوالي 12 سدا جديدا في طور الإنجاز. غير أن هذه السدود تعاني من الوحل والتبخر الذي يضيع على المغرب سنويا 70 مليون متر مكعب من الموارد المائية. ويشير التقرير لتقرير آخر أصدرته مؤخرا منظمة الأممالمتحدة للتغذية والزراعة – فاو- يصنف المغرب من بين 19 دولة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعاني سكانها من نقص في الغذاء بسبب ندرة الماء. وهذا يعني أن المغرب بالرغم من التساقطات المطرية، معني أكثر بمشكلة ندرة الماء. فقد عانى خلال الثلاثين سنة الماضية من 20 فترة جفاف استثنائية تميزت بضعف شديد في المياه. وتشير التوقعات إلى أن درجات الحرارة سجلت ارتفاعات قياسية في المغرب. وسيصاحب ذلك تدني معدلات التساقطات المطرية. وكشف التقرير أن الطلب على الماء سيعاني من عجز بالنظر لأن الحصة الكبرى من الموارد المائية -13مليارا و942 مليون متر مكعب- استفاد منها القطاع الزراعي خلال العشرية الأولى من هذا القرن، ومليار متر مكعب للاستعمال المنزلي، و395 مليون متر مكعب للاستعمال الصناعي، بما يمثل 15مليارا و740 مليون متر مكعب، مقابل 13مليارا و648 مليون متر مكعب من المخزون المائي الإجمالي في المغرب، ما يعني عجزا يفوق ملياري متر مكعب خلال الفترة نفسها. وحسب تقرير البنك الدولي، من المتوقع أن يرتفع العجز من الماء في المغرب في أفق 2025 إلى أكثر من ملياري متر مكعب بموازاة مع ارتفاع الطلب على الماء، إلى أكثر من 19مليار متر مكعب، لا سيما مع التقلبات المناخية الناجمة عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وارتفاع درجة الحرارة في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط بنسبة 50 في المائة. الموارد المائية كرافعة يجب إنقاذها! يواجه المغرب إذن، مشكلة كبيرة فيما يتعلق بموارده المائية، ولذلك، ومنذ 2014 على الأقل، دشنت السلطات سلسلة تحديثات على القوانين والإجراءات المتبعة لحماية البلاد من خطر الندرة. لكن هذه العملية تسير ببطء شديد. فقد أحدثت السلطات لجنة بين وزارية للماء، مهمتها دراسة وتفعيل التدابير الضرورية لتأمين تنمية منسجمة ومتفق عليها لقطاع الماء، والحرص على ضمان تتبع تفعيل توصيات المجلس الأعلى للماء والمناخ. لكنها لم تعد تشتغل منذ سنوات عديدة لغياب أي آلية إجرائية لتنظيم قطاع الماء، كما أن تعدد المتدخلين والفاعلين والتداخل بين صلاحياتهم في بعض الأحيان أصبح إكراها يقف في وجه الحكامة الجيدة لقطاع الماء سواء على المستوى الوطني أو الجهوي أو المحلي. الترسانة القانونية بدورها كانت في حاجة إلى تحديث وتحسين؛ فقانون الماء 10-95 لم يجد طريقه إلى التطبيق بصفة كاملة، بسبب التأخر في نشر أو حتى غياب بعض النصوص التطبيقية مثل الملوث المؤدي، والحدود العليا لكميات النفايات الصناعية المسموح بها، وتدبير الماء في فترات الجفاف، والإعلان عن حالة النقص في الماء، وأنماط تقديم المساعدات المالية من أجل استعمال المياه العادمة المصفاة وغير ذلك. كما لم تطبق بعض فصول قانون الماء، لا سيما تلك المتعلقة بإحداث واحترام مناطق المنع التي يتم الإعلان عن أن مستوى أو وجود المياه فيها معرضة لخطر الاستغلال المفرط أو التردي، وإقامة مناطق حماية وتجميع الماء الصالح للشرب مثل المنابع والآبار وعمليات الحفر والمطريات أو المطافي وغيرها. وهناك أيضا العجز في تطبيق القانون كتحديد الملك العام المائي، وإقامة واحترام مناطق للحد من الأضرار. وحتى على المستوى التنظيمي كانت هناك ثغرات كبيرة، كالآجال الطويلة جدا التي تفصل بين كتابة محاضر المخالفات التي يقف عليها أعوان شرطة الماء وبين تنفيذ تلك الأحكام من قبل المحاكم، وغياب محاكم متخصصة في الماء، وغياب خبراء في مجال الماء مستقلين ومحلفين. الوزارة المنتدبة في الماء، أعلنت عام 2013، عن الشروع في صياغة مخطط وطني جديد للماء، وهو المخطط الذي يحدد الأولويات الوطنية في مجال تعبئة واستعمال الموارد المائية، وبرنامج وآجال تنفيذ أعمال التهيئة المائية على المستوى الوطني. لكن حتى أواسط عام 2016، كان هذا المخطط مازال في طور الإعداد، قبل أن تعلن الوزارة المكلفة عن استكماله، لكنها لم تطرحه بعد لأي مناقشة عمومية. ويعاب دائما طول الآجال المطلوبة لإعداد والمصادقة على المخطط الوطني للماء، ناهيك عن نقص الانسجام والالتقائية بين الاستراتيجية الوطنية للماء وبعض المخططات الوطنية الصناعية والسياحية، والتفاوت بين تواريخ إنجاز السدود وتواريخ التجهيز المائي- الفلاحي للمناطق المسقية الواقعة في الأراضي العليا للأحواض، واختيار إنشاء بعض السدود في مناطق تعاني هشاشة في مواجهة تآكل التربة في الأحواض النهرية، ما يفضي إلى ترسب الأوحال في قاعها، وبالتالي انخفاض قدرتها الاستعجالية. الضعف القانوني في البلاد كان موجودا، أيضا، في قانون الماء نفسه، ولذلك، قررت السلطات تغييره بقانون آخر، لا سيما أن القانون الحالي تغيب فيه أي مقتضيات تتعلق بتحلية البحر، والذي "لا يمكن من إنجاز مشاريع التحلية إلا بناء على إطار قانوني واضح دقيق"، كما يقول مشروع القانون الجديد. وقد أدرج المشروع ضمن المخطط التشريعي 2012-2016، لكنه لم يصادق عليه حتى الآن في البرلمان. وقد سعت السلطات من وراء تحسين قانون الماء، إلى تقوية الإطار المؤسساتي من خلال إحداث مجلس الحوض المائي، ودعم وتوضيح اختصاصات المجلس الأعلى للماء والمناخ، ووكالات الأحواض المائية ولجن الأقاليم والعمالات للماء، وتعزيز آليات حماية موارد المياه، وإسناد شرطة المياه بقانون عمل محسن، وتشديد العقوبات المطبقة. وحتى يرى النور كلا من المخطط الوطني للماء وقانون الماء على الأقل، فإن كابوس ندرة المياه سيبقى مستمرا لفترة أطول، حتى وإن كانت وزيرة الماء نفسها لا تشعر بالقلق، ففي شهر ماي الفائت، أرادت في حوار صحافي مع جريدة "المساء" أن تخفف من تأثير التقارير المنذرة المتتالية وقالت: "إن هذه التقارير تحمل فقط، توقعات وفرضيات، ولا يتعلق الأمر بمعطيات يقينية.. في المغرب ليس هناك خوف من ندرة المياه، على الأقل حتى حدود عام 2030. إننا نتوفر الآن على استراتيجية واضحة المعالم. بالنسبة إلى المغرب أؤكد لكم بأنه لن يعرف أزمة ماء".