في الواقع أي شخص يحق له ارتداء ما يشاء. ولكن لماذا يتواصل الجدال والنقاشات بشأن ارتداء النساء المسلمات للحجاب، رغم أن ملكة بريطانيا تواصل ارتداءه؟ ما الغرض من وراء كل هذا الجدال؟. هنالك نوع من النكت التي يتم سردها أحيانا في روسيا، والتي تتمثل في سؤال طريف وغريب، حيث يطرح أحدهم سؤال: "هل بإمكانك قيادة سيارة بسرعة 120 كيلومتراً في الساعة والدخول بها في نفق مغلق من الجانب الآخر؟"، الإجابة هنا هي "نعم، ولكن لمرة واحدة". في هذه الحالة كانت الإجابة بنعم، ولكن المعنى الحقيقي لها هو "لا"، باعتبار أنك إذا كنت تريد البقاء على قيد الحياة فإنك لن تدخل هذا النفق بسرعة 120 كيلومتراً في الساعة، وفق ما ذكرت صحيفة فرانكفورت تسايتنغ. بنفس المنطق، فإن الحكم القضائي الذي أصدرته محكمة العدالة الأوروبية حول ارتداء النساء المسلمات للحجاب في أماكن العمل جاء بدون أي معنى، فقد تقدمت اثنتان من النساء المسلمات بشكوى لأن مشغلهما طلب منهما القدوم للعمل دون ارتداء الحجاب، وقد كانت إجابة المحكمة الأوروبية على هذا الخلاف كالآتي: "نعم من حيث المبدأ يحق للنساء ارتداء الحجاب، ولكن بشرط أن يسمح لهن بذلك صاحب العمل". مثل هذا القرار قد يسمح لأرباب العمل بمنع ارتداء الرموز الدينية في مؤسساتهم، ولكن من الناحية الأخرى فإن المسيحيين لا يواجهون نفس التضييق، حيث إن هناك من يحملون شارة الصليب معلقة في سلسلة على رقابهم، ويمكنهم بكل بساطة إخفاؤها تحت القميص وبالتالي مواصلة ارتداء هذا الشعار. الحجاب لا يمكن إخفاؤه وفي المقابل فإن الحجاب لا يمكن إخفاؤه تحت القميص ومواصلة ارتدائه، لأنه يغطي الشعر ويكون ظاهراً. لذلك يواجه العديد النساء المسلمات الآن حتمية الاختيار بين نزع غطاء الرأس، أو خسارة العمل، رغم أن تعرية الرأس بالنسبة لهن هي أمر لا يشعرهن بالراحة، بل يسبب حرجاً كبيراً، تماماً مثل شخص يجبر على المشي في الشارع عارياً. ويعني هذا الاختيار أيضاً أن النساء المجبرات في هذه الحالة على ترك العمل سيصبحن في حالة تبعية مالية للعائلات أو للزوج، خاصة أنهن لن يحصلن على أية تعويضات أو مساعدة من الدولة بعد فقدان وظائفهن. كما يجب أيضاً الإشارة إلى أن الحياة بدون عمل غالباً تكون مملة وتسودها الوحدة، إذ إن كل إنسان يتمنى القيام بشيء مفيد في هذه الحياة حتى يشعر بالفخر، وهذا الشعور بقيمة الذات هو ما يحققه الإنسان من خلال الوظيفة. ولكن ما مشكلة هؤلاء الناس مع الحجاب؟ بينما نرى أن هنالك امرأة عجوز، وهي ملكة بريطانيا إليزابيث، ترتدي غطاء الرأس دائماً، وخاصة عند خروجها من القصر. الملكة البريطانية تقوم بهذا الأمر ربما يكون الاختلاف هنا هو أن الملكة البريطانية تقوم بهذا الأمر لأسباب عملية وليست عقائدية، أو ربما هي تحب ارتداءه لأنها تجده جذاباً، وهذا الأمر مسموح به. أما الحجاب الإسلامي في الجانب الآخر فهو يمثل رمزاً دينياً، حيث إنه يظهر بكل وضوح أن المرأة التي ترتديه تنتمي للدين الإسلامي. والآن نحن نتمتع بالحرية الدينية في ألمانيا، وهو ما يعني أن كل فرد له الحق في اختيار ديانته وممارسة شعائره كما يشاء. في نفس الوقت فإن الدولة الألمانية ملتزمة بمبدأ الحياد الديني. وللوهلة الأولى قد يبدو أن هذين المبدأين متناسبين بشكل تام، ولكن عندما ترتدي امرأة مسلمة الحجاب وتعمل كمعلّمة في المدارس الألمانية، أي أنها في وظيفة حكومية، ألا يعني ذلك أنها تمثل الدولة؟ وهل يكون ذلك قانونياً؟ هذا السؤال بالضبط هو ما أنتج هذا الجدال خلال العقود الماضية. لكن بالنسبة لأرباب العمل الذين يعارضون ارتداء الحجاب، فإن الأمر لا يتعلق بالقوانين أو باحترام الدولة، بل هم يفكرون في المسائل التجارية. إذ إن بعض هؤلاء يخشون من أن الحرفاء الذين يتبنون موقفاً معادياً للإسلام قد يقاطعونهم، لأنهم لا يريدون أن يتم تقديم الخدمات لهم من قبل مسلمين، مثل أن تقوم طبيبة مسلمة محجبة مثلاً بعلاج مريض. كما أن بعض أرباب العمل يذهبون أبعد من ذلك، حيث يعتقدون أن الحجاب هو لباس خطير، يعبر عن دعم المرأة التي ترتديه للتطرف والعنف. كما أن هناك أشخاصاً يعانون من حالة ارتياب من كل شخص مختلف عنهم في المظهر. ومرة أخرى يتبين لنا أن السؤال المطروح هو "هل الحجاب رمز لاضطهاد المرأة في الإسلام"؟ خاصة أن النساء فقط ملزمات بارتدائه دوناً عن الرجال. ففي الدين الإسلامي يعتبر شعر المرأة عورة، وبالتالي من الأفضل تغطيته. كما أن هناك رجالاً يطلبون من زوجاتهم وبناتهم ارتداء الحجاب، وبعض هؤلاء النساء ربما يكنَّ غير راغبات في ذلك. ولكن في المقابل هنالك مسلمات يرتدين الحجاب عن قناعة، ولسن مكرهات من قبل رجل في العائلة.