صدمت مرتين في حادثة رفض كولونيل القوات المساعدة مصافحة الوالي(ة) الجديد على القنيطرة، زينب العدوي، أثناء حفل تنصيبها كأول امرأة تصل إلى هذا المنصب في تاريخ المغرب. يجب أن نعترف بأن رفض الكولونيل ميسور وضع يده في يد الوالية للسلام العابر، كما هي عادة الأغلبية الساحقة من المغاربة، متدينين وغير متدينين، كان سلوكا صادما وغير مألوف من قبل مسؤول كبير، وليس من قبل أصولي متطرف يعيش في الكهوف بعيدا عن ثقافة مجتمعه وقواعد المجاملة فيها... فلو رفض سلفي السلام على سيدة، فقد نتفهم هذا الأمر، باعتبار صاحبه يعيش في «قطيعة» نفسية وثقافية وفقهية مع مجتمعه، لكن أن يأتي هذا السلوك من قبل كولونيل، المفروض أنه يعطي القدوة في الانفتاح والاعتدال وتكريم المرأة والنظر إليها كإنسان وليس كأنثى في الفراش، فهذا ما يصدم، ويطرح أسئلة عميقة حول المنظومة الفقهية في بلادنا، ومدى اختراقها من قبل الحنبلية الوهابية، التي نشرت تراثا فقهيا بدويا ومتعصبا وحاطا من كرامة المرأة في بلادنا في غفلة من المجالس العلمية، ومن تيار الوسطية والاعتدال في مجتمعنا. لقد رأينا كيف أن رئيس الحكومة، وهو خطيب مسجد سابق وواحد ممن تربوا في حضن الحركة الإسلامية المغربية، يسلم على النساء ويضحك معهن ويحكي لهن النكت، ويتحدث عن زوجته نبيلة، ولا يتحرج من كشف جزء من حياته الخاصة معها في المجال العام، ويوم اضطر إلى تقبيل زوجة السفير الأمريكي السابق في المغرب توماس رايلي، عندما وجد وجهها أمام وجهه علق ساخرا: «وماذا أفعل إنها امرأة مسنة وهل تريدون مني أن أخلق أزمة دبلوماسية مع الأمريكيين». أما سعادة الكولونيل، فترك السيدة أمامه تمد يدها، وأحرجها بالامتناع عن السلام عليها، وكأنها رجس من عمل الشيطان وجب تجنبه... طبعا، أعرف أن هناك آراء فقهية متشددة تنهى عن السلام عن المرأة، لكن هذه الآراء ولدت في بيئة البداوة الصحراوية وفي ظروف الانحطاط، حيث اتجه العقل الفقهي إلى التشدد والتطرف مخافة الخروج عن الدين، وللأسف، هناك اليوم من يجعل من فقهاء القرون الوسطى مرجعية للإفتاء في ظروف غير الظروف وأحوال غير الأحوال، حتى صار الأموات يضعون «مدونة سلوك للأحياء». أما الصدمة الثانية، فهي إقدام المفتش العام للقوات المساعدة في الشمال، الجنرال حدو حجار، على معاقبة الكولونيل المحافظ، بل والتشطيب عليه من الخدمة وإحالته إلى التقاعد المبكر، دون عرضه على المجلس التأديبي، إن كان ضروريا في الأصل محاكمة أفكار وقناعات الأشخاص. هذا سلوك سلطوي غير مقبول من الوجهة الحقوقية، وهذا شكل من أشكال الظلم والاعتداء على مواطن له حق اعتناق الأفكار والمبادئ والرؤى والقناعات التي يرى أنها تلائمه مادامت لا تمس بحرية وسلامة الآخرين... ليس في القانون العسكري ولا المدني المغربي ما يسمح للجنرال بعقاب الكولونيل لأنه لا يريد أن يضع يده في يد سيدة. هذا يتعارض مع جملة من المبادئ الدستورية مثل الفصل 25 الذي ينص على أن «حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها» ومبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص والفصل 41 من الدستور الذي ينص على أن «الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية»، هذا علاوة على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تكفل حرية الاعتقاد وحرية الشؤون الدينية للفرد والجماعة، فلو ذهب الكلونيل إلى المحكمة الإدارية وطعن في قرار الجنرال فإنه سيربح القضية لا محال... كولونيل المخازنية خرق قواعد المجاملة والذوق في التعامل مع الجنس الناعم، والجنرال خرق الدستور والقانون ومبادئ حقوق الإنسان، والمشكلة أن الحقوقيين وقفوا يتفرجون على هذه الحادثة وكأنها تجري في بلاد «الواق واق».