بات مؤكدا أن من دفع حميد شباط وإلياس العماري إلى صدارة المشهد السياسي بالمغرب، أصبح أكثر من غيره يستعجل رحيلهما، بعد أن فشلا في "الالتزام" بدفتر التحملات الذي التزما بتنفيذيه، أو فشل، بالأحرى، من دفعهما وألزمهما بدفتر تحملات غير مضمون النتائج والعواقب، فكانت النتيجة عكسية؛ نجاح حزب العدالة والتنمية في انتخابات 7 أكتوبر بمقاعد أكثر حتى مما كان "البيجيدي" نفسه يتوقع. وكانت العاقبة ما يعيشه حزب الاستقلال من مشاكل وقلاقل داخلية لم تحل به منذ 1959، وما يعيشه "البام" من عزلة لا أعتقد أن حزبا عاشها في التاريخ؛ حزب يحتل المرتبة الثانية ب102 نائب برلماني، لكنهم نواب ينتمون إلى فريق أكثر مما ينتمون إلى حزب، حتى إن المقولة الساخرة التي أطلقها بنكيران في 2011: "عمركم شفتو حمامة كتجر تراكتور"، تبدو الآن أكثر حقيقة من ذي قبل، بعدما جرّ عزيز أخنوش نواب البام "المعارضين" للتصويت على الحبيب المالكي، ومساندة جزء من الأغلبية ضد جزء من الأغلبية. لكن، يبدو أن من دفع بالرجلين، شباط والعماري، إلى قيادة حزبين كبيرين، لم يقم بتحليل كاف لسيكولوجيتهما الانتحارية، واعْتقدَ، في فورة انبهاره ب"فهلوتهما"، أنه يسهل التخلص منهما بسهولة، بعد أن يؤدي الأول (شباط) مهمة "التشويش البهلواني" على حكومة بنكيران وإرباكها وتمييع المشهد السياسي، الذي بدأ بدفعه للانسحاب منها، وهو ما اعترف به شباط وخصومه الجدد، أخيرا، وبعد أن يؤدي الثاني (العماري) مهمة "التشويش الإيديولوجي" الذي انتهى بحملات التحذير من أخونة الدولة، والتي كانت أشهرها مسيرة "جينا نجريو على بنكيران من الصحرا ديالنا" بالدار البيضاء ! إن كلفة حميد شباط وإلياس العماري، لن تكون سهلة، فالرجلان، على اختلاف مساريهما، وصلا إلى صدارة المشهد السياسي بالمغرب، دون سند عائلي أو أكاديمي، بل باقترابهما من جهة نافذة وتحيُّن الفرصة لإبهارها بإبداء الاستعداد لها للقيام بكل المهمات "القذرة" التي لم تخطر لها على بال، وإن خطرت فلم تجد من ينفذها لها دون شعور بالذنب، من قبيل القتل غير الأخلاقي للخصوم السياسيين، وهذا ما قام به شباط مع عبد الرزاق أفيلال ومحمد بنجلون أندلسي وعباس الفاسي، وها هو يقوم به الآن مع كل من يحاولون إنهاء مساره السياسي، مثل مخاطبته ياسمينة بادو، بغمز بذيء، خلال المجلس الوطني الأخير: "سكتي أ بنهيمة". أو ما قام به إلياس العماري من إذابة للكثيرين في "أسيد" الدولة، وأدواره الغامضة محليا، وعلى المستوى الإفريقي والأمريكي اللاتيني، والذي لم يرشح منه، نظرا لطابعه "السري"، سوى القليل. فضلا عمَّا قام به إلياس مع عدد من اليساريين، الذين جرهم مباشرة لمشروع "البام" أو الذين موّلهم ودعّمهم فأصبحوا يشكلون، عن بُعد، الذراع الدعوي ل"البام" بتعبير الاتحادي محمد الطالبي. إن الخرجتين الغامضتين لإلياس العماري، مؤخرا على الفايسبوك، عن صحافي مغربي يملك إمبراطورية إعلامية ويشتغل على "القضية" وعلاقة ذلك الصحافي بمخبرين، وأنه يخشى "انكشاف حقائق أخرى"… تؤكد أن إلياس المعروف بأنه لا يتسرع في رد "دقّته"، يدقّ على "جهة كبيرة" في الدولة، كما تؤكد أن الرجل لم يكن فقط، أمينا عاما لحزب سياسي يستقبل الانخراطات ويدعو إلى الاجتماعات، بل رجلا كُلف بأدوار كبيرة ويعرف حقائق "حسّاسة"، وهو مستعد لهدم البيت على من فيه إذا أحس أنه مستهدف. الشيء نفسه، مع الفارق طبعا، يقال عن شباط، الذي أربك خصومه الذين يوقعون العرائض ضده بيدٍ، ويهرولون للسلام عليه باليد الأخرى. وبالفم نفسه الذي يهاجمونه به يقبلون رأسه، فيما هو يذهب نحو المؤتمر بخطى ثابتة، وهو يقول للمقربين منه، لكنه يُسمع "الجهة" التي صنعته وأوصلته والقادرة وحدها على إنهاء أدواره: "أنا أحمل دائما في جيبي "كينة ديال السم"، وإذا ما أحسست أنني مستهدف فسأفضح كل شيء، ثم أبتلعها وأنتهي مثل الشهيد الزرقطوني! احذروا، من يزرع شباط وإلياس يحصد العاصفة.