قبل أيام فقط من موعد المؤتمر العادي لحزب الأصالة والمعاصرة، فاجأ عبد اللطيف وهبي، نائب رئيس مجلس النواب، الجميع حينما وجه نقدا قاسيا إلى حزبه، واصفا ما يحدث في مؤسساته بالاختناق. النقد الذاتي الذي وجهه وهبي أذكى نقاشا كبيرا حول هوية الأمين العام المقبل ل»البام»، وصل أقصاه إعلان بنعدي رفض تولي إلياس العماري منصب الأمانة العامة، وخروج معزوز القيادي في الحزب بمقال قاس ضد وهبي. في هذا الحوار يشرح وهبي وجهة نظره فيما يحدث داخل الحزب مدافعا بشراسة عن اختيار بكوري أمينا عاما للحزب. وكال وهبي في نفس الحوار المديح لإلياس العماري، مؤكدا أنه يملك شيئا من تحمل مقاتلي الخطابي دون أن ينسى أن نزعة العماري نحو جعل الريف أحسن منطقة في العالم هي التي أججت العصبية القبلية داخل «البام». – بكثير من الاختصار، لماذا يختنق حزب الأصالة والمعاصرة؟ يجب التأكيد، أولا، أن الأصالة والمعاصرة يضم بين ثناياه خليطا يجمع قوى اليسار والأعيان ورجال الأعمال، وهو ما جعل حزبنا يحظى بنوع من الجاذبية، غير أن تزايد أعداد هذا الخليط لم يواكبه عمل مؤسساتي داخل الحزب يمكن أن يستوعب كل هاته القوى، بالإضافة إلى أنه لم يطور أفكاره، بل تراجع حتى عن تلك التي أنشئ من أجلها. لذلك، قلت إن الحزب يختنق لأنه ما لم يتحول إلى حزب مؤسسات مسنود بالديمقراطية الداخلية، سيصطدم بهذا الكم البشري الكبير، وقد يفضي ذلك إلى حدوث نوع من الانفجار. وأود أن أزيد في هذا السياق بأن الحزب لم يواكب الدينامية السياسية الحاصلة في الساحة الآن. وبالرغم من أننا نمتلك إمكانيات أكبر من الفاعلين الآخرين، فإن الأحزاب الأخرى تتحرك أكثر منا، وهذا أمر معيب جدا. سيختنق «البام» كذلك، لأن فريقه البرلماني أصبح عاجزا عن مسايرة النقاش العام، وسيختنق أيضا لأنه سيجد نفسه في نهاية المطاف في مواجهة طموحات ذاتية متشابكة تبحث لها عن موطئ قدم. كما سيختنق لأن الحزب صار شيئا فشيئا، يتقلص جغرافيا – كان بالإمكان أن تقدم هذا النقد الذاتي قبل موعد المؤتمر، لاسيما أنك كنت عضوا بالمكتب السياسي، وشغلت منصب رئيس فريق، ألا يبدو لك التوقيت مريبا وباعثا على الشك؟ لا أبدا، ما كتبته كان مساهمة مني في نقاش أراه ضروريا حول وضعية حزبنا في الوقت الراهن، وأردت من خلال ما نشرته أن يفهم المؤتمرون أن الوضع يحتاج حقا إلى نقاش حقيقي، وأن تفهم القيادة السياسية للحزب أنه حان الوقت لإعادة ترتيب أوراقها لأنه ليس بالإمكان أن يسير الحزب بهذه الطريقة ويدار بالطريقة الحالية. وعلى العكس تماما مما قلت، فإن توقيت توجيه ما أسميته النقد الذاتي مناسب جدا لأنه يتزامن مع موعد المؤتمر، اللحظة الأساسية في تاريخ الحزب. – ألم يسبق لك أن واجهت القيادة السياسية للحزب بكل هذه الانتقادات؟ ثمة مرحلتان في مساري السياسي داخل حزب الأصالة والمعاصرة. الأولى حينما كنت رئيسا للفريق، وكنت عضوا بالصفة في المكتب السياسي. ساعتها كنت أستفرغ كل وقتي للعمل في الفريق، أما في المرحلة الثانية، فتراجعت قليلا، رغم أن كلا من الأمين العام، ونائبه إلياس العماري اقترحا علي استصدار قرار من المجلس الوطني من أجل تعييني عضوا بالمكتب السياسي، فرفضت ذلك لسبب بسيط، هو أني أرفض أن أصل إلى قيادة الحزب بمنطق غير ديمقراطي. لكن ذلك لم يمنعني بتاتا من أن أمارس قناعاتي وأعبر عما أؤمن به بكل حرية – أعود بك إلى ما قلته عن انحصار الحزب في رقعة جغرافية بعينها، هل أفهم من كلامك أن حزب الأصالة والمعاصرة أصبح «حزبا» ريفيا؟ الجميع يعرف أن إلياس العماري يلعب دورا قويا داخل الحزب. إنه صديق حميم وأعزه كثيرا، ومشكلته الوحيدة أن لديه إحساسا قويا بالذات يرافقه دائما بأنه ريفي، ويرغب في أن يحول الريف إلى أحسن منطقة في العالم، بل يشعر بأنه مسؤول عن كل المواطنين الذين ينتمون إلى تلك المنقطة، ويشعر تجاههم بنوع من الأبوة، لكن هذا الإحساس بدأ يتحول إلى ما يشبه العصبية القبلية في تبوؤ المراكز المتقدمة في الحزب. أنا أفهم جيدا العماري حينما يولي أهمية خاصة للريف لمحو آثار الظلم الذي تعرض له في لحظات مختلفة من القرن الماضي، إذ أتوفر على نفس الرغبة في خدمة منطقتي، أي منطقة سوس، لكننا نختلف في المنهج وفي الطريقة. البعض حاول، بكل الوسائل، أن يستثمر ما أسميه الحماس الجهوي لإلياس، والبعض الآخر سعى أيضا إلى تكريس توجه العماري، لينعكس ذلك سلبا على الحزب. ما أريد قوله أننا لا نريد من أحد أن يخاطر بالحزب، لأننا نريد حزبا وطنيا لا حزبا ينحو صوب القبلية، بيد أني متيقن بأن العصبية داخل الحزب لم تتأسس بسوء نية. – إذا لم تكن تأسست على سوء نية، فكيف تفسر تولي بنشماس رئاسة مجلس المستشارين وبنعزوز رئاسة الفريق والمكتب السياسي يضم ستة أعضاء ينتمون إلى الريف؟ هذا بالتحديد ما أسميه ضعف إحساس إلياس العماري تجاه أبناء منطقة الريف. إنه يدافع عنهم ليس من منطق أنهم مناضلون، بقدر ما يفعل ذلك لأنهم أبناء منطقته ويعطف عليهم. ما يخيفني، صراحة، أن يتحول العطف إلى نوع من الهيمنة القبلية على الأصالة والمعاصرة. أما حكيم بنشماس فنال رئاسة مجلس المستشارين لأنه مناضل حقيقي في الحزب، وكان أحد أقطابه المؤسسين، وكان في واجهة المواجهات مع الخصوم، وهو نفس الشيء الذي ينسحب على عزيز بنعزوز الذي تحمل مسؤولية التنظيم في الحزب لمدة طويلة. البعض أساء فهم ما قلته، أو تعسف في التأويل، غير أنني لم أقل على الإطلاق إن الانتماء الجهوي لمنطقة الريف يمنع المناضلين في الحزب من التموقع، وإنما قلت إن هيمنة النزعة القبلية قد تؤدي إلى عواقب وخيمة على الجميع أن يستشعرها قبل وقوعها. ثمة أشياء كثيرة تؤسس لهذه النزعة القبلية أهم بكثير مما طرحته في سؤالك. – وماهي بالتحديد؟ أولها، في تقديري، الاهتمام الزائد للحزب بمنطقة الشمال في الانتخابات الأخيرة، ففي لحظة من اللحظات أحسست بأن إلياس العماري، رئيس لجنة الانتخابات، ينظر إلى الشمال أكثر مما ينظر إلى المغرب ككل، علما أن تأثيره في الحزب كبير جدا. وحتى داخل الحزب، يساورك إحساس بأن هناك نوعا من التحالف الريفي المضبوط، وأنا كنت دائما ضد حزب جهوي وسأبقى. على العموم ثمة تفاصيل أخرى، سيحين الوقت للخوض فيها. – لم لا تخوض فيها الآن؟ ألم تقل قبل قليل فقط إنك تريد أن يعرف المؤتمرون حقيقة ما يجري؟ (يضحك) هذه عادتك، لا تكف عن السؤال عن مواضيع محرجة كثيرا. حان الوقت لنقول إن حزب الأصالة والمعاصرة لم يرتهن في سيرورة التأسيس لمشكلة الريف كما يعتقد البعض، بل هو حزب وطني كبير، ولا يمكن أن أنكر في هذا الصدد أن قيادات ريفية مدعومة بإلياس العماري، أعطت الشيء الكثير للأصالة والمعاصرة، لكن يجب أن تعطى الفرصة للجميع على قدم المساواة في بناء الأداة الحزبية. – طفت كثيرا ولم تجب بعد عن سؤالي. لقد قلت الكثير في هذا الصدد، وما أشرت إليه كان كافيا في تقديري. إلياس العماري، هذا الشخص الغامض الذي ينسب إليه كل شيء في المغرب، والذي يتحكم في دواليب الحزب، قول عن نفسه إنه ابن خديجة وابن الفقيه وصلاحياته لا تتجاوز عضوية المكتب السياسي. من أين له كل هاته القوة الخارقة؟ العماري شخصية قابلة للدراسة، ولو كان لدي الوقت كنت سأقتفي مساره لأدبج حوله كتابا كاملا. يمتلك قدرة كبيرة على التحمل، إذ لم أر في حياتي شخصا مثله في قدرته على التحمل في اللحظات الصعبة. يتوفر على ملكة خاصة في التعامل مع الأشخاص، ينفعل في القضايا الصغيرة جدا التي تهم الحياة اليومية، بينما يتعامل مع قضايا كبيرة جدا بهدوء ورزانة غريبين. هذه تناقضات شخصية العماري. هو له حضور قوي جدا في الحزب، ويؤثر في بعض الأحيان على العمل الحزبي، ولذلك تمسكت بمصطفى بكوري لمنحه فرصة أخرى لأسباب كثيرة. – وماذا كان موقف إلياس من موقفك حول تحول «البام» إلى حزب جهوي؟ (يبتسم) اتصل بي وقال لي إنه سمع أني قلت إن الأصالة والمعاصرة تحكمه العصبية القبلية، وبمزاحه المعهود، قال لي: لا شك أنك أيضا من مكرسي هذه العصبية لأن والدتك ريفية. وبالفعل أمي ريفية من بني وكيل – لكن التجربة أثبتت، خاصة في الانتخابات الجهوية والجماعية الأخيرة، أن العماري هو الأمين العام الحقيقي وليس بكوري.. إلياس العماري أصبح تعليلا سهلا لكل القوى السياسية، حيث إن كل الأحزاب السياسية تقريبا تعزو ضعفها أو صراعاتها إلى العماري، وحينما يثيرون اسمه لا يقصدونه بالتحديد، بل يرمزون به، وهذه طريقة سيئة جيدا، لكن قدرته على التحمل غريبة جدا. أما عن تولي بكوري الأمانة العامة للحزب مرة أخرى، فكان رأيا حول تدبير الحزب في المرحلة المقبلة، ولم أعقد أبدا أي مقارنة بين الرجلين لأن كل واحد منهما يمتلك مقومات ومؤهلات. ربما سيكون العماري أمينا عاما في المرحلة المقبلة لكن ليس الآن. – بنعدي الذي يصف العماري دائما ب»المسيح» قال إن «البيجيدي» لن يكون بحاجة إلى حملة انتخابية في حال ما تولى العماري منصب الأمانة العامة… بنعدي لا يمكن أن يكون أمينا عاما للحزب في الظروف الحالية، ويبدو أنه يقرأ الجرائد كثيرا، ولا أرى أن هناك مبرر كي لا يصل العماري، الشخصية الوطنية التي لها مكانتها واحترامها، إلى الأمانة العامة للحزب. المشكل فقط أن المرحلة ليست مناسبة كي يتبوأ هذا المنصب. بكوري حينما جاء إلى الحزب لم يكن لديه إلمام بتفاصيل السياسة بشكل دقيق، بقدر ما كان يعرفها بشكل عام، بيد أن أربع سنوات كانت كافية ليعرف كل شيء، وبالتالي يتوفر على تجربة مهمة لإدارة الحزب بطريقة قوية وأفضل من السنوات الماضية. الحزب تحمل تكوين مصطفى بكوري لمدة أربع سنوات كاملة، إذ أصبحت لديه قدرة على التواصل وتأسيس خطاب سياسي، فلماذا سنفرط به؟ هل نكون الشخصيات السياسية لنلقي بها إلى الهامش؟ – رغم كل النقاش المثار حاليا حول المؤتمر، والسجال بين قيادات الحزب، لم يستطع الحزب إلى حدود اليوم أن يتخلص مما يسميه الخصوم خطيئة النشأة، أقصد أن الحزب ما يزال يصنف في خانة أحزاب الدولة. أتحدى الجميع أن يثبت أن الدولة تقرر في شؤون الحزب، وبيان ذلك أنني أعبر عن آرائي بحرية، ولا يسألني أحد عما أقول وعما أصرح به. أين تغيب الدولة في الأحزاب الأخرى، وأين تحضر في «البام»؟ ادعاء أن الدولة تتدخل في «البام» هو نوع من الترياق لباقي الأحزاب الأخرى التي لا تجد أجوبة عما يحدث داخلها، أو لديها مشكل في فهم المشهد السياسي، ثم ماذا نعني بالدولة؟ أتصور أن كل هذه الادعاءات مجرد مشجب لتبرير ضعف تلك الأحزاب التي تمسح كل خساراتها في «البام»؟ النقاش الحقيقي في حزبنا من سيكون الأمين العام المقبل: هل إلياس أم بكوري؟ لا أحد يتدخل في النقاش، والأغرب أن العماري يتنازل لبكوري وبكوري يتنازل لنائبه. – يبدو الصراع ممسرحا قليلا، هل تعتقد أن هناك من يصدق أن العماري وبكوري يتصارعان على منصب الأمانة العامة؟ أنت بالذات قلت إن إثارة اسم فاطمة الزهراء المنصوري من لدن البعض لا يعدو كونه سوى بحث عن أرنب سباق. نعم قلت ذلك. إذا لم تعلن المنصوري عن ترشيحها لن يثير كل من بنشماس والعماري اسمها. إنه تكتيك سياسي لا أقل ولا أكثر. يجب أن يفهم الكثيرون أن النقاش الدائر الآن حول هوية الأمين العام مفيد وضروري لمسار الحزب، ومن الأفيد كذلك طرح السؤال حول من يمتلك المقومات ليقود المرحلة المقبلة. نحن في نهاية المطاف داخل حزب يؤمن بالاختلاف وليس داخل ثكنة عسكرية. – لكن من كان يعرف مصطفى بكوري قبل أربع سنوات، فقد كانت جميع التوقعات تشير إلى فوز بنشماس بمنصب الأمانة العامة لولا حسابات الدقائق الأخيرة؟ مهما كانت الأحوال، فالناس يعرفون الآن مصطفى بكوري، ويعرفون أنه شخصية وطنية تستحق الاحترام. والذي لا يعرفه كثيرون عن الرجل أنه شخصية هادئة ومنفردة وفوق ذلك لا يثق في أحد، ويثق في نفسه فقط، ولذلك لا يثير اهتمام الناس لأنه كثير الصمت وقليل الكلام، ورغم أنه كان حاضرا دائما في جميع المحطات السياسية التي عرفها الحزب، فقد كان يمر دون ضجيج. بكوري لا يمكن أبدا أن تتوقع ردود أفعاله، يسمع أكثر مما يتكلم، غامض. لقد قيل عنه الكثير وشتمه بنكيران وبعض الأحزاب الأخرى، لكنه لم يأبه بذلك أبدا، ولم يكلف نفسه عناء الرد أصلا. زد على ذلك أن بكوري شخصية لا تحب الأضواء ولا الصحافة، وقد حدث مرات كثيرة أن حاولنا إقناعه بضرورة التواصل مع وسائل الإعلام، لكنه كان يرفض دائما، بخلاف باقي أعضاء المكتب السياسي الآخرين الذين تغريهم الصحافة، والحال أن علاقة بكوري بالصحافة سيئة جدا، وفي الكثير من المرات طلبنا منه الانفتاح أكثر على الإعلام. وبينما يعتقد كثيرون أنه لا يتقن الخطاب السياسي، فهو يحب الاستماع أكثر، وبات يعرف الآن مواقع القوى في الحزب وفي المشهد السياسي ويعرف طبيعة شخصية إلياس أيضا وباقي القيادات الأخرى. – بعض من يعرفون خبايا الحزب، كانوا يتحدثون دائما عن صراع صامت بين بكوري والعماري، ما حقيقة هذا الصراع؟ علاقة الرجلين فيها شد وجذب وكل أعضاء المكتب السياسي لاحظوا ذلك. العماري شخصية قوية جدا، ويستمد هذه القوة من طباعه الشخصية، ويمتلك بعض صفات مقاتلي عبد الكريم الخطابي، وهو رجل يحب الصراع، وينبغي دائما أن تحفظ حدوده لأن أي شعور بالضعف تجاهه يمنحه الفرصة للاستيلاء عليك. أما بكوري فقد كان يقاوم سطوة إلياس العفوية. إنهما شخصان مختلفان: الأول هادئ والثاني مواجه وله علاقة غريبة مع الصحافة. وعلاقة الشد والجذب بين الرجلين ظلت دائما صامتة ولم تخرج إلى العلن، بيد أن المتتبع يفهم أن ثمة خلافا بينهما – بدا هذا الخلاف واضحا في معركة رئاسة الفريق البرلماني، إذ كان يعتقد أن بكوري دافع عنك حتى آخر رمق أمام محاولات بعض أعضاء المكتب السياسي لوضع حد لمهمتك على رأس الفريق النيابي. بكوري لم يكن أبدا يساندني فيما أسميته معركة الفريق البرلماني، بل كان مترددا جدا لأنه كان حديث العهد بالحزب ولا يعرف مواقع القوى، فتارة يدافع عني وتارة لا، ولذلك كان تردده مفهوما، وقد قلت له يوما على سبيل المزاح إنك تتمدد وتتقلص حسب درجة الحرارة. كانت هناك جهات كثيرة تريد رأسي إما بسبب الطموح الشخصي أو لعدم قدرتهم على فهم طبيعة البرلماني الميال نحو الانفتاح والاحتفاظ بقدر من اللباقة السياسية. – المرشح الذي تريده على رأس حزب الأصالة والمعاصرة، وأقصد مصطفى بكوري، لم يعلن إلى حدود اللحظة، عن نيته الترشح لخلافة نفسه. أعلن لبعض الأشخاص داخل الحزب بأنه سيترشح، والحقيقة أنه أعلنها بطريقته الغريبة، فهو يطلب تقييما لما قام به في ولايته السابقة، وكنت أبتسم حقا من طبيعة الطلب، وعلى هذا الأساس قلت له أعلن عن ترشيحك ولا تبحث عن أي مسوغ لتبرير ترشيحك. – هل تعتقد أنه يخشى من «سطوة» العماري؟ لا أعتقد ذلك، فبقدر ما هما مختلفان هما منسجمان جدا في القرارات الكبرى التي تهم الحزب، وأخمن أنهما سيستقران على توافق قبل الدخول إلى المؤتمر. دعني أتحدث معك بصراحة، إلياس العماري لا يريد أن يصبح أمينا عاما للحزب، وإذا كنت أعرف شخصا داخل «البام» معرفة دقيقة، فهو العماري نفسه. هو فقط يريد الدفع بالحزب إلى الأمام بقوة كبيرة ويعتقد أنه لا أحد قادر على فعل ذلك غيره، وفي لحظة ما قلنا له إن ما تريد أن تقوم به سيجعل الهوة كبيرة بينك وبين الحزب، ولذلك يتوجب التريث والتفكير والعمل الجماعي – ما حدث في الانتخابات الجهوية والجماعية الأخيرة أكد بما لا يدع مجالا للشك أن الحزب يتوفر على دعم غير مفهوم، إذ كيف يعقل أن يقيم الحزب تحالفات من داخل أحزاب الأغلبية لينتصر في جهات لا يتوفر فيها إلا على مقاعد قليلة..مرة أخرى، يقول عنكم خصومكم إنكم تعيشون ب«الدوباج»؟ أقول لك بصراحة إن من أفاد الحزب في الانتخابات الماضية هو شخصية عبد الإله بنكيران وليس جهة أو شخصا آخر. كيف ذلك؟ بنكيران يمتلك قدرة كبيرة على خلق الأعداء السياسيين، ومكونات الأغلبية الحكومية ليسوا حلفاء، بل منبطحون سياسيا لأنهم يرغبون فقط في الحصول على المناصب الحكومية. رئيس الحكومة مستعد للدخول في صراع مع الجميع، ويهمه أن يبقى رئيسا، وعلى هذا النحو أجل المؤتمر إلى ما بعد الانتخابات التشريعية المقبلة. حينما وصل موعد الانتخابات كان قد وصف الجميع بأنهم فاسدون واتهم الجميع بالتآمر عليه، ولم يفهم لحظة واحدة أن التحالفات الانتخابية لا علاقة لها بتاتا بما يتم تقريره في المركز. وعلى العماري أن يشكر بنكيران لأنه ساهم بشكل كبير في رئاسته لجهة الشمال. – وفي البيضاء ومراكش، من سيشكر «البام»؟ لماذا من حق البعض أن يقول إن استعداء «البام» ل»البيجيدي» هو الذي بوأه الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية الماضية وليس من حقنا نحن أن نقول العكس؟ ما حدث في الانتخابات الماضية هو أن بنكيران قوى حزب الأصالة والمعاصرة دون أن يعي ذلك – الرابح يبقى وحيدا، مقولة بدت أكثر جلاء في انتخابات رئاسة مجلس المستشارين، فرغم أن الحزب استطاع حسم معركة كسر العظام مع الاستقلال بفارق صوت واحد فقد فَقَدَ حلفاءه السياسيين..هل سيبقى «البام» وحيدا؟ لن يبقى وحيدا يوما لأنه معادلة حاضرة بقوة في المشهد السياسي والانتخابي، والجميع سيكون في حاجة إليه، بما في ذلك حزب العدالة والتنمية، وأنا متيقن بأننا سنحصل على المرتبة الأولى في الانتخابات المقبلة، بل مقتنع بذلك اقتناعا تاما. – وما مبعث هذا اليقين؟ لأنه لا يمكن استبلاد المواطن المغربي، بالإضافة إلى أن بنكيران خلق عداءات جهوية وسياسية وقبلية، ثم إنه أسهم في خلق مجموعة من الأزمات الاجتماعية في المغرب لا أقل ولا أكثر. رأيي في هذه الأسماء: إدريس لشكر: أعرفه منذ أكثر من 30 سنة، أدعوه إلى التصالح مع محيطه الحزبي، ولو فعل ذلك، سيسدي خدمة كبيرة لتاريخ حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية صلاح الوديع: أعتقد أنه يجب أن يتواضع شيئا ما مصطفى بكوري: شخصيته تحيرني وتخيفني في نفس الوقت، طبعه غريب، لا يثق في أحد، صموت إلى أقصى حد، يحلل السياسة بالمعادلات الرياضية وهو الأمر الذي لا ينجح كل مرة.