قالت «ترانسبارنسي المغرب» إن الشكايات التي تصل إليها من المواطنين المتضررين من الرشوة والفساد تراجعت خلال سنة 2013 بنسبة 6%... الشكايات هي التي تراجعت في المغرب وليس الرشوة. وهذا معناه أن المغاربة الذين كانوا يحررون شكايات ويبعثون بها إلى الجمعيات أو إلى القضاء، يبلغون فيها عن الرشوة والفساد في الإدارة والمقاطعة والكوميسارية والوزارة... لم يعودوا مقتنعين بأن شكاياتهم تفيد في شيء، وبدلا من ذلك صاروا يرفعون أكفهم إلى الله ويشتكون ويدعون على الفاسدين في الدنيا والآخرة... في سنة 2012، كانت المملكة تجلس على الرتبة 88 في سلم الفساد، وفي سنة 2013 نزلت إلى الرتبة 91، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، سنجد أنفسنا في المرتبة 100 هذه السنة... أي أمامنا مائة دولة سبقتنا في محاربة الفساد بكل أنواعه (الرشوة، استغلال النفوذ، الزبونية، اختلاس المال العام، انعدام الشفافية والوضوح، التلاعب بالقوانين...). يحدث هذا في ظل حكومة يقودها حزب بنى مجده السياسي على شعار: «صوتك فرصتك للقضاء على الفساد والاستبداد»، ثم لما دخل السيد بنكيران إلى المشور السعيد أضاف إليه: «عفا الله عما سلف»، ثم لما أحرجته المعارضة والصحافة في موضوع الفساد رفع الراية البيضاء، وقال في البرلمان: «الفساد أقوى مما كنت أتصور، ولا يمكنني لوحدي أن أقضي عليه»... لا أحد كان يتصور أن حكومة بنكيران ستقضي على الفساد في 100 يوم الأولى من عمرها.. هذا وهم لا يقول به عاقل، وفي الوقت نفسه لا يعقل أبدا أن تحارب الحكومة الفساد «بالشفوي» فالذي يعض لا يظهر أسنانه طوال الوقت، لا يعقل أن تتراجع البلاد في عهد حكومة دستور 2011 ثلاث خطوات إلى الوراء على سلم الشفافية... هذا معناه أن حزب الفساد في المغرب، وهو أكبر حزب على الإطلاق، يسود ويحكم دون الدخول إلى الانتخابات. هذا الحزب يعاقب المغاربة عقابا جماعيا لأنهم اختاروا حزبا وعد الناخبين بمحاربة الفساد والمفسدين... الفساد أحد أكبر مشاكل الدول المتخلفة، أو المسماة تأدبا نامية، وهو فيروس ذكي يطور مناعة كبيرة ضد الدواء، خاصة إذا كان دواء غير فعال، ومبنيا على النوايا لا على استراتيجيات مضبوطة. الفساد في بلادنا لم يعد انحراف أشخاص، بل صار، ومنذ عقود، نموذجا في الحكم والإدارة والاغتناء... ولكل فساده.. للغني فساده وللفقير فساده. للسياسي فساده وللقاضي فساده. للوالي والعامل فسادهما وللمستشار الجماعي والعمدة فسادهما. للشرطي فساده ولمقدم الحومة فساده.. للصحافي فساده وللمحامي فساده. للطبيب فساده وللصيدلي فساده. لماذا تقف الحكومة عاجزة عن الاقتراب من الفساد وعن دفعه إلى التراجع حتى تتقدم البلاد؟ أولا، عندما وعد حزب المصباح بالقضاء على الفساد في برنامجه الحكومي، فإنه كان يتحدث عن آفة لا يعرفها حق المعرفة، وإذا لم تعرف عدوك فلا يمكنك أن تقضي عليه. حزب العدالة والتنمية كان «بوجادي» في هذا المستوى. ثانيا، حزب المصباح لما دخل إلى السلطة وتعرف على جزء من الفساد، ورآه رأي العين، لم يعرف كيف يواجهه، ولا بأي سلاح يقضي عليه. ثالثا، لما عرف بنكيران الفساد وعرف طرق القضاء عليه، وجد نفسه عاجزا عن دفع كلفة هذه الحرب، فرجع إلى الوراء متصورا أنه سيعقد صلحا مع الفساد، بمقتضاه سيعفو هو عما سلف، وسيكف الفساد عما سيأتي، أي أن الفساد سيتوب إلى الله على يد بنكيران. الذي حصل هو أن الفساد عرف أن المسدس الذي في يد بنكيران فارغ من الرصاص، ولهذا استأنف عمله بعد مدة قصيرة وغيّر الأسلوب فقط.. ألا يقولون إن الأسلوب هو الرجل... هذا ما وقع، ولهذا نزلنا 3 درجات إلى هاوية الفساد.