ينادونها "فاتيما" ( فاطمة)، ومن لا يعرفها في حي " فورت بيك" وسط برشلونة، إنها تلك السيدة المغربية الهادئة المنحدرة من ضواحي مدينة الدارالبيضاء، والتي تشتغل بشكل عرضي في أحد المراكز الثقافية التابعة لبلدية المدينة، كمساعدة على القيام بكل شيء، بدء من التنظيف إلى عملية تصفيف الكتب. تبلغ من العمر حوالي 68 سنة، غير أنها تخفي حقيقة عمرها حتى لا يتم الاستغناء عن خدماتها المتواضعة بحكم القانون في إقليمكاطالونيا، وحتى تستمر في مساعدة أبنائها الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بها ببرشلونة رغم مرور حوالي 28 سنة على إقامتها في هذه المدينة. تقول فاطمة التي تتحدث بطلاقة اللغتين الاسبانية والكاطالانية، في بوح أقرب إلى الهمس، حاولت بكل ما استطعت أن إلحق أبنائي بإسبانيا، في إطار التجمع العائلي، لكن جهلي بالقانون المحلي، وتربص بعض الطامعين حالوا دون أن أتمكن من ذلك، بل وذهبت الى حد المغامرة بتنظيم عملية " الهريك"، لكن دون جدوى. وتعتقد فاطمة أن الكاطالان منغلقون على أنفسهم ويحتاطون من الاجانب خاصة منذ بداية الازمة الاقتصادية سنة 2002، مضيفة أن محاولاتي لتهجير أبنائي صادفت الازمة، ورغم كل محاولاتي القانونية وغيرها، فإنها باءت بالفشل. أنا أعيش حاليا لوحدي في هذه المدينة، تقول فاطمة، وأخشى أن يقع لي مكروه وحينذاك، لا أحد سيساعدني أو بالأحرى يهتم بي، فجل معارفي على قلتهم، منشغلون بهمومهم اليومية وبأطفالهم وبصعوبة العيش، وندرة الشغل في هذه المدينة التي تغيرت بشكل جذري منذ بدء الازمة الاقتصادية قبل ست أو سبع سنوات. ما يسترعي انتباهك لأول وهلة، أنها تكتسي ملابس عصرية لا تفرقها عن أي امرأة إسبانية، تقول فاطمة في هذا الشأن، إنها تفضل الاندماج الشكلي في المجتمع حتى لا تتعرض لمضايقات مصالح الهجرة المعروفون بقسوتهم اتجاه المهاجرين العرب، خاصة وأن الشرطة رفضت تجديد أوراق إقامتها عدة مرات بدون سبب مقنع، كما هو الشأن بالنسبة لمئات المهاجرين المغاربة. فاطمة مثل نساء كثيرات، لم تتعلم بما يكفي، نساء حرمن من القراءة والكتابة والخروج إلى المدرسة. إنها تمث ل جيلا من النساء خرجن مبك را إلى العمل ، فاشتغلت وهي في سن العشرينات أولا في أحد المعامل بمدينة الدارالبيضاء، ثم تزوجت، وقرر زوجها الهجرة الى إسبانيا على أن يترك أبناءه الثلاثة عند جدتهم. لم تمر إلا سنوات قليلة حتى توفي الزوج ، و أصبحت أمام الامرين ، إما الرجوع الى المغرب للاشتغال في المنازل والمعامل بأجرة زهيدة ، بالكاد تسد رمق الابناء والوالدين ، أو تستقر في بلاد المهجر ، على كل حال سيكون ذلك أحسن بكثير ، على حد اعتقادها. فكرت مرارا بالرجوع الى المغرب لتشتغل في صنع وبيع " البغرير أو المخم ر" أو الذهاب الى المدن الشمالية لتهريب السلع الإسبانية ، ولم لا ، العودة الى البادية لحلب الأبقار، والعمل في الحقول والجني. لكن سرعان ما " تعود لرشدها " لان سنها لم يعد يسمح لها ببذل مجهود جسدي كبير ، كما أنها لم تعد تلك الشابة التي بإمكانها القيام بأعمال شاقة . بنبرة حزينة ، تعترف أنها سئمت العيش لوحدها ، وتفكر جديا في العودة الى المغرب ، إنها تشتاق لدفيء العائلة والوطن ، لكن ليس قبل الحصول على كامل مستحقاتها من صناديق التقاعد التابعة سواء للإقليم أو الدولة الاسبانية. وفي انتظار ذلك ، قامت مؤخرا بعملية استثمار في المغرب لفائدة ابنها البكر تتعلق باقتناء شاحنة صغيرة لحمل السلع ، كما اشترت سيارة أجرة لفائدة أبنها الثاني ، أما البنت فقد تزوجت وهي مكتفية بذاتها ، حتى إشعار أخر. تلكم نموذج من نساء مغربيات يقمن في بلاد المهجر ، ويشتغلن ليل نهار من أجل سد رمقهن ومساعدة أهاليهن ، نساء اجدر بالتكريم في اليوم العالمي للمرأة ( 8 مارس) ، هذا اليوم الذي ربما لم تسمع به العديد منهن