كتبت الإعلامية المرموقة، فاطمة الإفريقي، تدوينة على حائطها الفايسبوكي على خلفية المهازل الجارية اليوم في بيت الأحزاب السياسية جاء فيها: «أشعر بالإهانة لأنني لطخت أصبعي بالمداد في مكتب التصويت يوم 7 أكتوبر، وصدقت، كأي مواطنة ساذجة، أن الانتخابات في وطني تصنع حكومة وبرلمانا.. أصدقائي المقاطعون، اعتذر إليكم، كُنتُم على حق»! هذه أولى نتائج التلاعب بصندوق الاقتراع، وتعطيل البرلمان والحكومة والمؤسسات والمصلحة العامة لمدة 100 يوم، إنه «الكفر بالمشاركة السياسية»، وإحساس الناخبين بالإهانة، وبلا جدوى السياسة في بلاد تنظم انتخابات، وتصرف الملايير، وتطلب من ملايين المواطنين الذهاب إلى مراكز الاقتراع، وفي الأخير تضع السلطة العصي في العجلة، وتنظم حفل عقاب جماعي لمليوني مغربي صوتوا للعدالة والتنمية. كان الأجدر بالدولة أن تصدر دليلا للتصويت بمرسوم أو قرار أو فرمان، وتفصح للمواطنين عن قائمة الأحزاب المرضي عنها وتلك غير المرحب بها، حتى لا نضيع 100 يوم في رحلة البحث العبثي عن حكومة. لهذا، فأنا أتوقع من الآن أن تتسع رقعة الذين سيقاطعون الانتخابات في 2021، إن نظمت في هذا التاريخ انتخابات جديدة، فالمغاربة ليسوا بلهاء إلى هذه الدرجة. ثاني نتيجة لمهزلة البلوكاج هذه ازدياد عدم الثقة في الأحزاب، التي تحولت إلى أسماك ميتة تسبح في بركة السياسة بلا روح ولا قرار ولا معنى. أول أمس ظهر أخنوش يتصبب عرقا وهو يخطب في أناس لا علاقة لجلهم بالحزب ولا بحمامته فقال: «أنا راجل وأنا مستقل، وإن أحدا لن يتحكم في، وإن كل الكتائب الإلكترونية الموجودة في العالم لن تزعزعني». لم ينتبه السيد أخنوش إلى أن التمثيل يحتاج إلى موهبة، وأن تقمص الدور، ولو في السينما، له مواصفات لا تتوفر في الملياردير، الذي يريد أن يعقد قرانا رسميا بين السياسة والتجارة بعقد وشهود، ولم يعد يكتفي بعلاقة «عشق عابر» بين السلطة والبزنس. ثالث نتائج الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد هي عودة المؤسسة الملكية إلى واجهة الصراع السياسي على السلطة، في الوقت الذي قطع المغرب شوطا مهما في دستور 2011، على طريق تحديد المسؤوليات بين ممثل العرش وممثل صندوق الاقتراع، وفي الوقت الذي احترم فيه الملك محمد السادس الفصل 47 من الدستور، وعين أمين عام الحزب الذي تصدر نتائج الانتخابات رئيسا للحكومة، ونأى بنفسه عن تجاذبات الأحزاب، وتصرف كأنه لا يسمع ولا يرى ولا يقرأ صراعات بنكيران مع أخنوش، فبعث مستشاريه إلى رئيس الحكومة مرتين للاستفسار عن مجريات الأمور، وضرورة تسريع مسار تشكيل الحكومة.. تحاول «الانكشارية السياسية والإعلامية»، التي تشتغل لحساب جهات معلومة، إشعال فتيل الدسائس بين الملك ورئيس حكومته، متوهمين أن أفضل طريقة للضغط على بنكيران للتنازل لأخنوش هي إشهار ورقة: «واش تقادو كتاف بنكيران مع كتاف الملك»! في الوقت الذي يعرف الصغير قبل الكبير أن ولاء بنكيران للعرش لا يحتاج إلى دليل، وأن زعيم العدالة والتنمية ملكي أكثر من الملك، وأن حماية المنهجية الديمقراطية في تشكيل الحكومة لا يمس في شيء ولاء المواطنين للعرش، بل بالعكس، هذا الحرص يعزز الثقة في المؤسسات، ويحمي ما بقي من مصداقية للأحزاب في عيون الناس. حكى لي من أثق في روايتهم أن بنكيران قال مرة للملك محمد السادس، أمام جمع من الوزراء: «نعم أسدي، هناك من يستغل نقطة ضعفي الكبيرة، وهي حبي واحترامي لجلالتكم»، فرد عليه الملك مبتسما: «إذن، لا تظهر نقاط ضعفك للآخرين». ينسى الجميع أن في البلاد دستورا، وهو مثل قانون السير يجب احترامه في كل الأحوال، وخاصة عندما يكون «الترافيك» قويا على الطريق، أو عندما تحدث حوادث سير صغيرة أو كبيرة. الدستور ليس ورقة، وليس نصا للاستئناس.. الدستور إرادة امة، ومستودع الشرعية، وقواعد للحكم في دولة الحق والقانون. لخص المحامي الإسباني، نيكولاس سارتوريوس، الخبرة الأسبانية في التحول نحو الديمقراطية، فقال : «إن السلطة لا تتغير عادة، ولا تجنح نحو العقلانية إلا عندما يرغمها الناس على ذلك، وبدون تلك المقومات فإن السلطة لا تتغير».