سبق لرئيس الحكومة المعين وفق نتائج انتخابات 7 أكتوبر 2016 لولاية ثانية، أن صرح في إحدى خرجاته الإعلامية أن في المغرب دولتان الأولى يترأسها الملك، والثانية لا ندري من أين تأتي قراراتها وتعيناتها، هاته العبارات تذكرنا بازدواجية السلطة لعبد الرحمان اليوسفي، والحزب السري الذي تحدث عنه محمد اليازغي، وهذا ما يقود إلى طرح الاستفسار التالي : فهل يمكن اعتبار البلوكاج الحكومي إحدى إفرازات هاته الازدواجية ؟ شخصيا لا أشاطر الخطاب السياسي الرسمي الذي يدعي أن المغرب يمثل الاستثناء في التجربة الديمقراطية، خاصة في المنطقة العربية، لأن الديمقراطية في إحدى أبسط شروطها مرتبطة بالانتخابات الدورية والنزيهة في توزيع المقاعد والأصوات، وصولا إلى حكومة منبثقة في تشكيلتها من صناديق الاقتراع إعلاءا لصوت الشعب وتحقيقا لمبدأ التجانس الحكومي، الأمر غير الوارد في التجربة المغربية إذ يتم إغراق الحكومة بنسبة كبيرة من التكنوقراط غير المشاركين في الانتخابات، ما يطرح إشكالية تطبيقات مبدأ المحاسبة في حقهم، زيادة على وزارات السيادة التي لا وجود لأساس لها بموجب الدستور.
هذا كله يساهم في إفراز حكومة بلا انسجام ووزراء فوق الحكومة، لا يأتمرون بأمر رئيسها، والغريب في الأمر أنهم يتحولون إلى رؤساء لرئيس الحكومة ( حصاد ضد بنكيران/ مزوار ضد بنكيران )، وهذا يسيء للشعب والمؤسسات الدستورية والدستور باعتباره وثيقة سامية .
وعلاقة بتشكيل الحكومة الحالية التي عين الأستاذ عبد الإله بنكيران رئيسا لها، حيث بات يواجه مجموعة من المتاعب المرتبطة بالشروط التعجيزية التي تضعها الأحزاب السياسية
بغية دخول الأغلبية، بدءا من التجمع الوطني للأحرار الذي لطالما كان بمثابة عجلة احتياط، وفاقدا لقراره الحزبي المستقل، يأكل مع الحكومة في النهار وينام مع الأصالة والمعاصرة في الليل .
والتفسير الذي يمكن إعطائه لهذا البلوكاج هو انه بعد انتخابات 7 أكتوبر، التي تم بموجبها تصدر العدالة والتنمية لنتائجها، وعلى أساسها تم تعيين أمينها العام رئيسا للحكومة، وفشل الرهانات التي كانت معقودة على حزب الأصالة والمعاصرة وأمينه العام، في مواجهة قوة العدالة والتنمية، تم المرور للمستوى الثاني من خطة إضعاف بنكيران، وهي التي ابتدأت بترأس أخنوش لحزب التجمع الوطني للأحرار، وشروطه المتعلقة بالأغلبية، بحيث يريد استبعاد حزب الاستقلال، لأن وجوده في الحكومة إلى جانب العدالة والتنمية وكلاهما حزبين قويين الأول بتاريخه والثاني بتنظيمه الداخلي وديمقراطيته الحزبية، يضعف حزب الأحرار، وباستبعاده يتحول اخنوش إلى رئيس حكومة ثاني إلى جانب الرئيس الفعلي، وهنا تبتدئ لعبة إضعاف والسيطرة على بنكيران المخطط لها .
إذا كان الملك طبق بالحرف الفصل 47 من الدستور، الذي ينص على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية.....، فإن النخب السلطوية ( إدارية - اقتصادية ....) المحيطة بالقصر ( التي يتحدث باسمها اخنوش )، ليس في مصلحتها لا المنهجية الديمقراطية ولا حزب العدالة والتنمية، تريد ربح ما خسرته في اقتراع 7 أكتوبر، نخب تحن لما قبل حراك 20 فبراير وبعثرة الأوراق ما زالت لم تستوعب التغييرات التي مست بنية المجتمع والتحولات الاجتماعية والسياسية .
إن التلاعب بالاختيار الديمقراطي وإعادة إنتاج أساليب الضبط في المشهد السياسي يحمل مجموعة من المخاطر، من جهة زيادة تعميق إشكالية المشاركة السياسية ونفور المواطنين من السياسة، ومن جهة ثانية قتل فكرة الوساطة التي تقوم بها الأحزاب بين الدولة والشعب.