هل تطورت وظيفة الانتخابات في المغرب؟ وهل أًصبحت تفضي إلى تمثيلية حقيقية للناخبين، وتسهم في تحقيق الديمقراطية، وتعكس إرادة الناخبين في التداول على السلطة ورسم الاختيارات السياسية؟ هذه الأسئلة عادت لتُطرح بحدة مع وضعية البلوكاج التي يواجهها رئيس الحكومة لتشكيل أغلبيته. ولحد الآن، مر شهران ونصف على تعيين بنكيران، من طرف الملك في 10 أكتوبر 2016، ولايزال إلى حد الآن يواجه صعوبات في تشكيل الحكومة، بسبب تمسك عزيز أخنوش، رئيس حزب الأحرار، برفض انضمام حزب الاستقلال إلى الأغلبية، ورفض بنكيران أن تملى عليه مثل هذه الشروط. يوم الأحد الماضي، عاد بنكيران ليذكر أخنوش بضرورة احترام إرادة الناخبين، في كلمة له أمام المجلس الجهوي لحزبه بجهة الرباط، قائلا: «أنادي الإخوان في التجمع الوطني للأحرار، والسي أخنوش بالخصوص، أن يراجعوا قرارهم مراعاة لاختيار الشعب المغربي، إذا كانت مازالت للشعب المغربي مكانة»، مضيفا أن «المغاربة بغاو العدالة والتنمية ليترأس الحكومة»، وتساءل: «واش هاد الشعب عندو قيمة ولا ماعندوش؟ آسيدي هاد الشعب بغا العدالة والتنمية». داخل البيجيدي هناك شعور بأنه يجري التخطيط للانقلاب على نتائج الانتخابات، تماما كما تم إفراغ نتائج انتخابات 4 شتنبر من محتواها خلال انتخابات رؤساء الجهات ومجلس المستشارين. ولهذا، ذكر بنكيران بكل ما جرى من أجل تحجيم فوز البيجيدي قبل الانتخابات التي جرت في 7 أكتوبر، وقال إن «الخصوم فعلوا كل شيء، مما يخطر على بال وما لا يخطر، ما نعلمه وما لا نعلمه، وأبى الشعب المغربي إلا أن يبوئ العدالة والتنمية المكانة الأولى». هناك من يرى أن حالة البلوكاج تعكس مشكل الثقة بين البيجيدي والقصر، فرغم تجربة 5 سنوات في الحكومة، مازالت إشكالية الثقة مطروحة، ولهذا تحدث بنكيران بمرارة قائلا: «إذا كنت درت شي حاجة أو ماصالحش لتسيير الحكومة قولوها للناس، وقد قلتم كل ما تريدون، وحتى حاجة ما شدات لأنه حتى حاجة ما صحيحة، البهتان ثم البهتان ثم البهتان»، قبل أن يضيف: «واش حنا ماشي مغاربة ولا شنو نكونو؟ واش احنا منبوذين فهاد البلاد؟ ولا كانأديو ضريبة أننا نجحنا؟ علاش شنو شدو علينا؟ نظافة اليد أم ماذا؟ القرب من المواطنين؟ تجاوب المواطنين معنا في التجمعات؟». إعادة الانتخابات تبقى خيارا مطروحا، خاصة أن الدستور لا يقدم بدائل دستورية واضحة في حال فشل رئيس الحكومة المعين في تشكيل أغلبية، لكن هذا الخيار له كلفة كبيرة، ليس فقط على المستوى المادي، لكن أيضا على المستوى السياسي. مصطفى السحيمي قال إنه «يجب طرح السؤال عن موقف الناخبين إذا أعيدت الانتخابات، فمن جهة، هناك رسالة سلبية إلى 7 ملايين ناخب غير مسجلين، سيجدون مبررا ليعلقوا عليه موقفهم وتقاعسهم عن المشاركة في الانتخابات، ومن جهة ثانية، هناك الذين صوتوا في الانتخابات، والذين سيصابون بالإحباط وهم يرون أن أًصواتهم لا تفرز نتائج سياسية». من جهته، يستبعد يوسف بلال، أستاذ العلوم السياسية، إمكانية إقصاء البيجيدي من رئاسة الحكومة، ويعتبر أن الرسالة من وراء البلوكاج هي أن «الشرعية الانتخابية وحدها غير كافية لتشكيل حكومة»، وأن الهدف من كل ما يجري هو «إضعاف الحكومة المقبلة». هناك من يقرأ حالة البلوكاج من زاوية التردد واللاحسم داخل الدولة بشأن الاستمرار في المسلسل الديمقراطي، والثقة في الأحزاب وفي المجتمع. فقد كانت الانتخابات منذ الستينات محكومة بنظريات «الضبط»، و«موت السياسة واستعمال الأعيان»، لكن التفاؤل عاد بعد انتخابات 4 شتنبر 2015، وقبلها انتخابات 25 نونبر 2011، رغم سياقها الخاص، حيث راج الحديث عن «عودة السياسة». ويعتبر عز الدين العزماني، الأستاذ بجامعة كونكتكيت بأمريكا، أن الانتخابات التي جرت منذ الاستقلال في المغرب فشلت في تحديث الدولة والمجتمع، لأنها «استعملت» لتكريس مؤسسات تمثيلية صورية هشة، لكن، بعد الربيع العربي، ظهر نمط جديد للانتخابات سماه الانتخابات السلطوية الهجينة التي «تجمع بين النمطين التّحكُّمي والتنافسي»، وهو النمط الذي جرت وفقه انتخابات 25 نونبر 2011 و4 شتنبر 2015 و7 أكتوبر 2016، لكن هذا النمط الهجين مازال «يعكس حالة اللاحسم تجاه الخيار الديمقراطي، والشك في مساحات الفرص التي يتيحها أمام المجتمع وقواه السياسية والمدنية»، وهو ما ينعكس اليوم في البلوكاج الذي تعرفه الحكومة.