يرى مجموعة من المتتبعين أن السبب العميق لحالة «البلوكاج» المستمرة في مفاوضات تشكيل حكومة ما بعد 7 أكتوبر، هو «القلق» جهات في السلطة من هيمنة حزب العدالة والتنمية. إذ كان البيجيدي دوما هدفا لمحاولات قص الأجنحة في الانتخابات، وهو ما عبر عنه الخبير في العلوم السياسية، محمد مدني، قبل مدة في حوار مع «لوموند» عندما قال: «إن البيجيدي يمثل مشكلة حقيقية، لأن القصر يريد تعددية حزبية يمكن التحكم فيها، واليوم يواجه حزبا يتخلص تدريجيا من هذا القيد، ويصبح فاعلا يتطور تدريجيا منذ 2003». ومنذ 2007، كان إيقاف صعود البيجيدي هاجسا كبيرا، وقد تأسس حزب الأصالة والمعاصرة لاكتساح انتخابات 2012 لولا رياح الربيع العربي التي حملت البيجيدي إلى الرتبة الأولى ب107 مقاعد في انتخابات سابقة لأوانها جرت في 25 نونبر 2011. وقاد الحزب لأول مرة الحكومة. خلال هذه التجربة كان هناك رهان كبير على إضعاف البيجيدي. وجرى تأجيل الانتخابات الجماعية من 2012 إلى 2015، لكن لم يؤثر أي شيء في تقدم حزب المصباح، وفي 7 أكتوبر 2016، كسب الحزب الانتخابات مرة ثانية بالرغم من كل محاولات الإضعاف، وعُين أمينه العام من لدن الملك محمد السادس رئيسا للحكومة. بيد أن الأمور لم تسر بسلاسة، فها هو رئيس الحكومة المعين يجد نفسه، بعد 46 يوما من تعيينه، غير قادر على تشكيل أغلبية. فبعد أن خفت صوت حزب الجرار وقفز اسم عزيز أخنوش بشكل مفاجئ إلى الواجهة، ويقول المتتبعون إن تلك الجهات تريد استعماله كورقة للحد من تنامي "هيمنة" البيجيدي. فقد سارع صلاح الدين مزوار إلى الاستقالة من منصبه كرئيس للتجمع الوطني للأحرار وتم تنصيب أخنوش بدله في مؤتمر أعد على عجل، ثم أُعلن تحالف التجمع الوطني للأحرار مع الاتحاد الدستوري. بدت عودة أخنوش غريبة، فهذا الرجل، الذي كان بصدد ترتيب ابتعاده السياسي قبل 7 أكتوبر، عاد، أو استدعي، بشكل جعل الشكوك تتزايد. كانت الأمور تسير بشكل سلس حتى اليوم الموالي لتنصيب أخنوش على رأس حزبه، عندما طرح، في لقائه مع بنكيران، شرط إبعاد حزب الاستقلال عن تشكيلة الحكومة. كان هذا من بين الشروط المستعصية التي طرحها أخنوش ولقيت رفضا من بنكيران، ومنذ ذلك اليوم، دخلت المفاوضات إلى نفق «البلوكاج» ومازالت الجميع يبحث عن مخرج لها. وحتى حزبا الحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وضعا نفسيهما وراء أخنوش، وبدا من الواضح أن هنالك خطة لإضعاف رئيس الحكومة المعين بغض النظر عن نتائج 7 أكتوبر. يطرح المراقبون سيناريوهات عدة لتجاوز المأزق، وحتى بنكيران نفسه يطرح بعضها للعلن، منها تسليمه المفاتيح إلى الملك، لكن ذلك يبدو مستبعدا، أو تعيين شخصية أخرى من داخل البيجيدي لتتولى تشكيل الحكومة، ولكن العديد من القياديين في حزب المصباح انبروا لتبديد هذه الفكرة. ويقدم بعض الخبراء أفكارا حول تعيين رئيس الحكومة من الحزب الثاني، أي الأصالة والمعاصرة، وبعضهم تمادى حتى أجاز تعيينه من حزب التجمع الوطني للأحرار نفسه، فيما هناك من يقترح تعيين شخصية مستقلة تقنوقراطية، لكن الحل مازال غير محسوم، ويعتقد الكثيرون أن تدخلا من القصر سيكون أساسيا في حل هذه المعادلة المستعصية.