لا أحد يمكن أن يجزم، بشكل قطعي، أن الاضطرابات التي شهدتها مدن جزائرية عديدة مرشحة لكي تستمر، إذ سبق أن عرفت الجزائر تحركاتٍ ذات طابع احتجاجي، لكنها سرعان ما هدأت، وعادت الحياة عادية في البلاد. مع ذلك، يمكن القول إن الوضع الجزائري محفوفٌ بمخاطر عديدة، ومرشّح لكي يستقطب اهتمام الخبراء ووسائل الإعلام العربية والدولية في المرحلة المقبلة. تجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى حالة الاحتراب الداخلي التي مرّت بها الجزائر إثر فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الدورة الأولى للانتخابات البرلمانية الحرة التي خاضتها البلاد أول مرة في تاريخ البلاد. كلفت تلك الحرب الجزائريين الكثير على مختلف الأصعدة. وقد تحوّل التراث الدامي لتلك الحرب إلى جهاز نفسي وقائي، لا يزال يقي الجزائر من التورط في مغامرة جديدة غير مضمونة. لكن، مع أهمية هذا الجهاز الذي ساعد كثيراً على الحد بشكل واسع من تسرّب تداعيات الثورات التي هزت المنطقة، وفي مقدمتها تونس الجارة المحاذية لشرق الجزائر، إلا أن هذا العامل لا يمكن الاستناد إليه فترة طويلة، إذا لم يكن مصحوباً بتغييراتٍ ملموسةٍ، ترمي إلى طمأنة الشباب الجزائري، والاستجابة للحد الأدنى من مطالبه المشروعة. حاول الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، أن يحدث بعض الإصلاحات ذات الطابع الأمني والعسكري، لكن تراجع أسعار النفط كشف محدودية الاقتصاد الريعي، وأفقد السلطة ورقة مهمةً، طالما استعملتها سابقاً من أجل امتصاص أزمات عديدة مرّت بها البلاد من قبل، بما في ذلك امتصاص تداعيات ما سمي "الربيع العربي". كان الفائض المالي الذي توفره مبيعات النفط يسمح للحكومات أن تستعمله سلاحاً فعالاً لحماية السلم الأهلي من الانهيار. لكن ذلك الوضع أصبح جزءاً من الماضي، فالجزائر اليوم غير جزائر الأمس، بعد اضطرت الحكومة للدخول في مرحلة تقشّف، وهو ما ترتب عنه التحكم في النفقات والزيادة في الأسعار واللجوء إلى اتخاذ قرارات مؤلمة. لا شكّ في أن من مصلحة قوى دولية وجهات محلية إرباك الجزائر في هذا الظرف الصعب، وذلك لتحقيق أجنداتٍ مختلفة، لكن الموضوعية تقتضي التعامل بحذر مع المشهد الجزائري، فهذه القوى الخارجية والداخلية التي تريد إلحاق الضرر بالجزائر لا تتحرّك من فراغ، وإنما تترصد الثغرات والأخطاء، لكي تنفخ فيها وتستثمرها لصالحها. وهو ما يقتضي تصويب منهج التحليل، بدل الاهتمام فقط بمن يتآمرون على الجزائر لدوافع مختلفة، يجب التركيز أيضا على السياسات التي أدت الى المأزق الراهن، والتي يمكن في حال الاستمرار على المنهج نفسه أن تدفع الجزائريين نحو الطرق المسدودة. التونسيون معنيون بكل ما يجري في الجزائر، خصوصاً في هذه الأيام، فالسحب إذا تجمعت في سماء الجزائر فإنها ستمطر في تونس. ولهذا، ما أن اضطربت الأوضاع هناك حتى شعرت النخب التونسية بالقلق والانقباض، لأن ما يجري لدى الجار يحمل رسائل مشفرة لهذه النخب، ويمكن أن يربكها، ويغير أولوياتها، ويقلب أجندتها رأسا على عقب. المطلوب من المسؤولين الجزائريين أن يقرأوا جيداً ما حصل ويحصل في بلاد عربية كثيرة وغيرها، فالإصلاح إذا ما تأخر عن موعده قد تكون عواقب ذلك مدمرة للنظام السياسي وللبلاد. وهناك جزائريون عقلاء يعتقدون أن الوقت قد حان للقيام بإصلاحاتٍ عميقةٍ على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهو ما عناه بعضهم، عندما علقوا على الأحداث الأخيرة، فقالوا "المطالب مشروعة ولكن الأسلوب خاطئ". عن العربي الجديد