– تجاوزت الأزمة الصامتة التي تشهدها العلاقات التونسية-الجزائرية مرحلة الفتور، وبدأت تنزلق بسرعة نحو التوتر على خطى اندفاع تونس نحو تقديم تسهيلات عسكرية لأميركا، وارتفاع الأصوات التونسية المُحذرة من سعي جزائري لفرض وصاية على تونس باسم مُتطلبات "الشقيقة الكبرى". ويرى مُحللون وسياسيون أن تلك الأزمة التي برزت في أعقاب إعلان واشنطن منح تونس صفة الشريك الأساسي من خارج حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، وتطورت على وقع تصريحات لوزراء تونسيين أثارت استياء الجزائر، جعلت العلاقات بين البلدين تقترب كثيرا من دائرة التصدع. ولم تُفلح السلطات التونسية في حجب الاهتمام الإعلامي والسياسي بهذه الأزمة، كما لم يتمكن الصمت الرسمي الجزائري في التعتيم على أسبابها المُرشحة للتفاعل على أكثر من صعيد. وتأتي هذه الزيارة إلى الجزائر التي بدأت لتفتح من جديد هذا الملف الذي بات يُهدد الاستمرار الطبيعي للعلاقات بين البلدين. وسعت رئاسة الحكومة التونسية إلى إضفاء طابع تقني وروتيني على هذه الزيارة، من خلال الإشارة إلى أن رئيس الحكومة التونسية سيرأس خلالها صحبة نظيره الجزائري عبدالمالك سلال، أعمال الدورة ال20 للجنة المشتركة العليا التونسية-الجزائرية. غير أن مراقبين يعتقدون أن هذه الزيارة الثانية لرئيس الحكومة التونسية إلى الجزائر منذ توليه منصبه مطلع العام الجاري، أملتها تلك الغيوم التي تراكمت على خلفية تصريحات نُسبت إلى مسؤولين تونسيين وصفتها أوساط جزائرية غير رسمية ب"العدائية". ولم يستبعد المُحلل السياسي التونسي هشام الحاجي أن يكون العنوان الأبرز لهذه الزيارة، مُحاولة لرأب الصدع الذي تشهده العلاقات بين البلدين، حيث قال ، إن زيارة رئيس الحكومة التونسية للجزائر "تندرج ضمن إطار الحوار المتواصل في سياق جملة من الملفات الحارقة المتراكمة بين البلدين التي ساهمت في فتور علاقاتهما الثنائية التي باتت تعاني حاليا من أزمة صامتة". واعتبر أن الملف الليبي بتداعياته السياسية والأمنية والعسكرية يُلقي بظلاله على العلاقات بين تونسوالجزائر بحكم تباعد المقاربات وتباين وجهات النظر، بالإضافة إلى التقارب التونسي مع حلف الشمال الأطلسي، وخاصة مع أميركا. ولفت في هذا السياق إلى أن الجزائر لا تنظر بارتياح لهذا التقارب لا سيما بعد الزيارة الغامضة لقائد سلاح الجو الأميركي لأفريقيا وأوروبا الجنرال فرانك قورانك إلى تونس، وهي زيارة ترافقت مع تواتر أنباء حول قبول تونس نشر طائرات أميركية دون طيار في أراضيها. وتسببت تلك الزيارة التي لم يُعلن عنها من قبل، في تزايد الانتقادات الإعلامية الجزائريةلتونس، وذلك في الوقت الذي ارتفعت فيه أصوات بعض الأوساط السياسية التونسية المُحذرة من تزايد تدخل الجزائر في الشأن التونسي. وفيما شدد هشام الحاجي على أن مفهوم السيادة الوطنية "مقدس" في تونس، ولا يمكن تجاوزه، رفض الإعلامي الجزائري عبدالسلام سكية الاتهامات الموجهة لبلاده بأنها تسعى إلى فرض وصاية على تونس. ولكنه أقر بوجود أزمة بين البلدين تعكسها جملة من المواقف السياسية، وخاصة منها مسألة إمكانية سماح تونس بإقامة قاعدة عسكرية أجنبية تكون قريبة من الحدود الجزائرية. وشدد في هذا السياق على أن الجزائريين يشعرون بنوع من "الامتعاض" لمثل هذه المواقف، وما رافقها من تصريحات لمسؤولين تونسيين أثارت "الاستياء". ويرى مراقبون أن ضعف الدولة التونسية، وارتباك أداء مؤسساتها وأجهزتها، ساهم في تراكم هذه الخشية التي تحولت إلى ما يُشبه الهاجس، حيث تزايدت المواقف التي تُحذر من انسياق تونس نحو التبعية للجزائر. وفي مقابل ذلك، برزت خشية في الجزائر من أن تتحول تونس إلى جسر للإخلال بأمنها واستقرارها ضمن إطار مشروع "الربيع العربي" الذي تؤكد الأطراف الراعية له بأن حلقاته لم تكتمل بعد. وعلى هذا الأساس، يبدو أن العلاقات بين البلدين ستبقى محكومة بنوع من الشك والارتياب المتبادل الذي لم تتمكن التصريحات الرسمية في البلدين من تبديده.